العدد 3305 - السبت 24 سبتمبر 2011م الموافق 26 شوال 1432هـ

عبدالرحمن النعيمي سلاماً... سعيد سيف اشتياقاً (2-2)

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

المحطة السابعة: اللقاء في لندن

حضر المرحوم عبد الرحمن النعيمي إلى لندن ليقدّم مداخلة عن البحرين... وآنذاك كنت في لندن وتمت دعوتي لزيارة البحرين خلال أحداث التسعينات لإلقاء محاضرة في البحرين، اتصلت بعبد الرحمن النعيمي ومنصور الجمري وعبدالهادي خلف وآخرين أستطلع رأيهم فشجعوني على الزيارة في التسعينات. وعندما التقيت بوزير الداخلية ووزير الإعلام آنذاك، كان عبدالرحمن النعيمي حاضراً فقد تردّد اسمه على لساني أكثر من مرة وأنا أتحدث عن المبعدين وقضايا ومحاكم أمن الدولة والاعتقال التحفظي الطويل الأمد، إضافة إلى قضية الشيخ عبدالأمير الجمري. قلت حينها إن على الحكومة البحرينية أن تطرح مبادرة للمصالحة وأنا واثق أن الخطوة ستقابل بخطوتين من جانب المعارضة. وأطلعت عبدالرحمن النعيمي على ما حصل.

المحطة الثامنة: التشويه والإساءة المقصودة!

حاولت بعض الأصوات الممالئة للاحتلال الإساءة إلى عبدالرحمن النعيمي وعدد من المثقفين والمناضلين العرب، بحجة أنهم تلقوا أموالاً من العراق أو كوبونات نفط. وسخر النعيمي مثلما سخر آخرون، وإذا كان بعضهم قد تعامل ولاعتبارات سياسية أو مصلحية سراً أو علناً، فلم يكن ذلك عبدالرحمن النعيمي بالطبع، وأصحاب هذه الحملة سرعان ما لاذوا بالصمت عندما انكشف حجم الاختراق والفساد والكيدية!. ظل النعيمي طيلة حياته النضالية متوازناً ومبدئياً، ولم يسمح لاعتراضاته على النظام السابق في العراق، بأن تتحول لصالح العدو، فلم يدّخر وِسعاً إلا ووظفه بالضد من استمرار الحصار الدولي الجائر وضد ضرب العراق، مثلما هو ضد الاستبداد والطغيان، وكان هذا موقفه منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق، وخصوصا اشمئزازه من التمذهب والطائفية.

المحطة التاسعة: العودة... الحلم

كان حلم عبدالرحمن النعيمي العودة إلى البحرين. وعاد عند أول فرصة سانحة، حيث استقبلته جماهير البحرين بعرس حقيقي، حملوه على الأكتاف وطافوا به هو وزملاؤه وخصوصاً صديقه الوفي عبدالنبي العكري. قال لي بقيت أحتفظ بهذا الحلم أكثر من ثلاثة عقود، فبعد أن درس الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت عاد للعمل في البحرين، لكن الهّم الوطني والقومي أخذاه بعيداً في إطار حركة القوميين العرب ثم إلى عدن بعد الاستقلال وإلى ظفار واستقرّ في الشام، وطالت رحلة المنفى أكثر من ثلاثة عقود.

المحطة العاشرة: الجواهري

كان متحمساً لصدور كتابي عن الجواهري: جدل الشعر والحياة (أواخر 1996) في دار الكنوز الأدبية التي كان يديرها، لأنه يدرك أهمية صدوره والجواهري على قيد الحياة، واعتذر عن بعض الأخطاء بسبب السرعة، وكان ينوي إعادة طبعه بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الجواهري (27 يوليو/ تموز 2007). وعندما توفي الجواهري توجهت في اليوم نفسه إلى دمشق للمشاركة في مراسم العزاء. وفي اليوم الأخير نظم المنتدى الثقافي ندوة عن الجواهري حاضر فيها: هادي العلوي وكاتب السطور، وأدارها جمعة الحلفي، وحضرها عبدالرحمن النعيمي ورفيقه عبدالنبي العكري.

المحطة الحادية عشرة: البحرين

زرت البحرين عدّة مرات لإلقاء محاضرات أو للمشاركة في ندوات أو لتدريب بعض ناشطي المجتمع المدني وحقوق الإنسان. لم أفلت مرّة من دعوة غداء أو عشاء لعبدالرحمن ورفيقة عمره السيدة مريم «أم أمل أو أم خالد». كما لم أفلت مرّة من لقاء أو محاضرة في نشاط أو مخيّم يدعوني إليه عبدالرحمن وجمعية العمل الديمقراطي «وعد»، كنت أرى فيه إضافة إلى النخب الفكرية والثقافية شرائح من المجتمع البحريني السياسية والاجتماعية، من الرجال والنساء.

المحطة الثانية عشرة: عبدالرحمن في الانتخابات!

التقينا في الرياض وبعدها في بيروت. كان هاجس الانتخابات والتحالفات مع «الوفاق» والشيخ علي سلمان ورغبته في تحالفات أوسع شغله الشاغل. بادرته قائلاً: تهانينا. قال: لكنني لم أفز في الانتخابات... كان الفرق قليلاً وحصلت تداخلات وملابسات... قلت له: أعرف ذلك، لكن ما حصل هو وسام على جبينك، فعدم الفوز أو عدم النجاح، ليس فشلاً أو إخفاقاً... إنه هزيمة للآخرين في ظل الاصطفافات الطائفية والتجاذبات غير السياسية.

عشرات المرّات وعشرات الندوات وعشرات المؤتمرات وعشرات اللقاءات وعشرات السهرات وعشرات الأماسي، كنت فيها مع النعيمي، وفي كل مرّة كنت أكثر ثقة بأنني أمام شخص نادر، بل استثنائي، في وفائه وإخلاصه، في صراحته ومبدئيته، في شجاعته وكرمه، وتلك صفات الرجال الحقيقيين، وغالباً ما كان يعتذر أو يراجع نفسه أو يتراجع إنْ شعر بأنه أخطأ أو قصّر أو أهمل على الصعيد الشخصي أو السياسي، وتلك ميزة أخرى للرجال الحقيقيين أيضاً. كانت لديه القدرة على نقد نفسه، ومرّة قال لي: يا رجل نحن نحمل فيروساً تسلطياً لدى كل واحدٍ منا، إنه مرض الفردية وادّعاء الأفضليات!

كم أشتاق اليوم إلى عبدالرحمن النعيمي وما أحسبه إلا مسارعاً للقول: هل لنا أن نتفق على مشروع ونباشر به فوراً؟ مجلة فكرية؟ مطبوع أسبوعي؟ برنامج أو محطة إذاعية صغيرة؟ برنامج أو محطة تلفزيونية متواضعة؟ لأنه يدرك معنى الحرف والصوت والصورة في المعركة الدائرة. كم نحتاج اليوم إلى عقل وحكمة وخبرة عبدالرحمن النعيمي الإنسان، الراقي، المتسامح

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 3305 - السبت 24 سبتمبر 2011م الموافق 26 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً