العدد 3309 - الأربعاء 28 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ

الفارق بين الأخطاء وابتلاع كبسولة فيتامين

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

هل عدم اعتراف أحدنا بالخطأ يدفع بالخطأ وبشكل آلي إلى تصحيح وضعه؟ لكن ما هو أكثر سذاجة بمراحل أبعد، أن نرى في الأخطاء التي نراكمها دليل تفردنا وتميزنا بين الأمم. ولست أدري عن أي تفرد وتميز نتحدث؟ دليل مؤشر التراجعات الذي طال كل زاوية وركن من زوايا وأركان الحياة؛ أم التفرد في مؤشرات انتظار كل شيء كي يصل ولو لم يكن موجوداً أساساً.

أسهل شيء في الدنيا أن ترمي أخطاءك وفشلك وتراجعك وتخلفك على الآخرين. لا تحتاج إلى رأس مال، أو سهر للظفر بتحصيل علمي يمكنك من ذلك. بات أسهل من إفراغ ماء إلى فيك أو ابتلاع كبسولة فيتامين. باتت الأخطاء فيتامين أوقات أكثرنا، بها نحيا وعليها نموت. أخطاء في علاقاتنا، أو أخطاء في تعاملاتنا، وأخطاء في تعاطينا مع أقرب المقربين إلينا، وأخطاء تقديرنا في تجاوز الأخطاء نفسها؛ ما يدفعنا إلى الوقوع في المزيد منها، وأخطاء الرتم الواحد والتبلد الذي نعيشه، وأخطاء نسياننا للأخطاء وكأنها لم تحدث.

ذلك على مستوى الأفراد. في عالمنا العربي لا يتم تجاوز عناوين وممارسات أخطاء الفرد. تظل هي هي وان جاءت تأثيراتها وتداعياتها مضاعفة من حيث رسم السياسات وتطبيقها والمناهج التي تتوخاها وميزان العدالة المائل في حال فريدة يشهد على تميّز هذا الجزء من العالم في ممارساته وتعامله ونظرته إلى الحياة وعدم احترام أطرافها، ويتجاوز عدم الاحترام إلى امتهان كرامة الإنسان والدفع بها دفعاً إلى التلاشي والعدم، ولا يمكن أن يعدّ ذلك تكريساً للحقوق والصواب وتجاوزاً للاخطاء. مثل تلك الممارسات باتت علامة وسلوكاً يومياً، تماماً كما تمارس الدول العربية اليوم تدبيج بياناتها في الأعياد الوطنية وعيد الجيش وعيد الحب غير الرسمي؛ لأنه ليس من اختصاصها، ويوم المرأة وأسبوع المرور ويوم العمّال، ولا أعياد في حقيقة الأمر. هي فسحة من إلهاء و»تزويغ» دائم وإلهاء حدّ تمنيه أبدياً. كل شيء يدل على النقيض في إصرار عجيب وملفت على تعميق تلك الأخطاء وتعقيدها، والأخذ بها إلى الجهات الموصدة وتأخر الحلول حين تصيب الفأس الرأس.

لم يعد الأمر غموضاً في السياسات. لا شيء أجلى من ذلك. لا شيء أجلى من أن ترى الأخطاء تتراكم والحقوق في مرتبة الأسطبل وما بعد الحضيض. لا شيء أجلى من أن ترى إصراراً على السياسات والنهج واللافلسفة التي تقود إلى مزيد من المجهول وتغييب المعلوم والإمعان في الحدود القصوى من العدم، في الطريقة التي يساس بها البشر كما تساس الدواب.

لا شيء أجلى من هذا التراجع المخزي والتقهقر المفزع على أكثر من مستوى في الحياة العربية التي لا حياة فيها بسبب كهنة ينظّرون ويبيحون قيام مزيد من الأخطاء على حساب الطبيعي من تلك الحقوق والبدهي منها وتأكيدها وتراكم مظالمها عقداً بعد عقد؛ بحيث صار تلمّس الطريق نحو انفراجة ضرباً من الوهم وضرباً من أضغاث الأحلام.

وفي الوعي البشري البدهي يظل الصواب والقيام به والحقوق وتثبيتها هو ما يجعل هذه الحياة ذات قيمة وقداسة، بقيمة وقداسة إنسانها؛ لكن المحاولات اليائسة للانحراف بالوعي البشري يجعل من المعادلة والبدهية شيئاً أو صورة مما بعد أضغاث الأحلام.

ثم إنه عليكم إن تلاحظوا أنه مع تحول الأخطاء إلى ممارسة وسلوك وسنّة وعرف في المجتمعات والدول التي تقرها؛ ليس شرطاً بالنص؛ ولكن بالممارسة على الأرض من حيث التغاضي عنها، وأحياناً التشجيع على ممارستها، أو من حيث إتاحة البنية اللوجستية والنفسية لها، لن يصاب أحد بالمفاجأة. لا أحد يشغل نفسه وحواسه بالتساؤل. لا أحد يمكن أن يسرف في الوقت وتضييعه في الاحتجاج. هكذا تصمّم بعض دولنا أخطاءها وهكذا تدع لمؤسساتها تربية الرعايا على عدم الالتفات إلى أدائها حفاظاً على صحتهم كي يعمّرو، وكي يتاح لتلك الأخطاء أن تمرّر عليهم ليبصموا عليها بالتي هي أحسن أو بالتي هي أسوأ، وتصبح مع مرور الوقت جزءاً من تفاصيل حياتهم ومشاهداتهم، وفي النهاية يظل المطلوب منهم: الصمت عن كل ذلك.

ينزع العالم ودوله المتحضرة إلى تجاوز الأخطاء والتعلم منها، بما يصحح ويعيد الموازين إلى نصابها. تنزع إلى تعويض مواطنيها عما لحق بهم عبر سنوات من غياب القانون والنظام وتراكم التجاوزات وارتكاب وتعمّد الطيش؛ فيما هذا الجزء من العالم مازال مقتنعاً بأن أخطاءه لم تكن أخطاء بقدر ما كانت اجتهاداً للاستحواذ على الحياة واجتهاداً لاحتكارها. ولا عزاء لمن لا حسَّ له باخطائه، ولا صلاح لمن يرى الأخطاء عنوان وقيمة صلاحه

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3309 - الأربعاء 28 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:38 ص

      دليلنا للصواب

      الأخطاء دليلنا لمعرفة الصواب والمصلحة العامة والخاصة ، شكرا لك ستاذة سوسن واتمنى لك مستقبلا مزدهرا مع اطفالك وفرحة عارمة لا تنقضي ولا تنضب

    • زائر 1 | 3:37 ص

      لم نعرفك الا طيبة

      يا ليتنا نتعلم من هذه الأخطاء التي تحيط بنا يا سوسن اما انت فلم يعرفك شخص الا ووجد فيه نورا وسلاما لجمال اسلوبك وروعة اخلاقك ربما لا تعرفين جميع من يمتدحك ولا تعرفيني ولكني شاهدتك في اكثر من موضع وفي اكثر من محفل كان اخرها حفل تأبين زوجك في جمعية المكفوفين واثار اعجابي صبرك الذي لم تشوهه دموعك حين وقفت والقيت كلمتك التي شكرت فيها زوجك والحضور وووالدة زوجك
      شكرا لك هذه الروح العالية جدا وشكرا لك هذا القلم

      ام عبد الإله

اقرأ ايضاً