العدد 3309 - الأربعاء 28 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ

التصويت للأوسَم!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في إحدى الانتخابات النيابية المنصرفة، تلقى أحد الأصدقاء اتصالاً من فتاة يعرفها وأهلها عن قرب. سألَته الفتاة عن خياره الانتخابي في التصويت، فأجابها بأنه لم يذهب ليُدلي برأيه بعد. قالت له بأنها ذهبت للتوْ إلى صندوق الاقتراع، وصوَّتت لأحد المرشَّحين في دائرتها، فقط لأنه وسيم، ولديه خَدَّان ممتلئان! ولأنها من محبّي الخدود الممتلئة، فقد منحته صوتها. والخدان كما جاء في لسان العرب، هما جانِبَا الوجه، وما جاوَز مؤخر العين إِلى منتهى الشدق؛ وقيل هما من لدن المحْجِر إِلى اللَّحْي من الجانبين جميعًا ومنه اشتق اسم المِخَدَّة (أو الوسادة).

لم يستغرب صاحبنا من ذلك الخبر لثلاثة أسباب. الأول: هو أن المتصلة هي فتاة في سنّ الهوَس بفوارس الأحلام، والفتيات عادة ما يكون لديهن مقاييس مختلفة جدًا في كلّ شيء، بما فيها بوصلة الانتخابات. الثاني: هو أن هذه الفتاة، لديها من الجرأة ما يجعلها تفعل ذلك، وأكثر منه، وهو شاهد على جرأتها وقدرتها على كبح ذلك كي لا يلامس الجنون الصريح. الثالث: أن لحظة التصويت، هي لحظة حاسمة، تعتمل فيها الكثير من الأمور، منها الاجتماعية والنسَبِيَّة والدينية والسياسية، وأيضًا العاطفية كما هو عند تلك الفتاة.

وبالمناسبة، فقد ذكَّرني صاحبي بإحدى انتخابات الطلبة في الجامعة التي شهدتها بنفسي، حين كان أحد الطلاب المترشحين عن إحدى الكليات شابٌ في مقتبل العمر، له من صباحة الوجه، ورشاقة القوام ما يُبهر ناظريه، الأمر الذي جعل كثيرًا من الطالبات أن يمنحنَ صوتهنَّ لـ صباحة وجهه ورشاقة قوامه، ليحصل على أكبر عدد من الأصوات الصحيحة في صناديق الاقتراع. ضَحَكتُ مع صاحبي وقلت له مازحًا: إذًا، يجب أن تتشكّل في برلماناتنا العربية بعد الانتهاء من جولة الانتخاب كتلة خاصة بالوسِيمِين من النواب، كما هو حال بقية التسميات النيابية، ككتلة المستقليين وكتلة يمين ويسار الوسط وغيرها من التسميات.

هنا، أسدل الستار على مُزحَة استهَلَّيت بها مقال اليوم، لأبدأ الحديث عن أمر ذي صلة مباشرة بموضوع الانتخاب، لكنه غاية في الجِدِّيّة والوضوح. ففي البحرين وللأسف لم نتعوَّد لحد الآن لأن يتمثَّل الناس بغير مَنْ يليهم في المكوِّن الطائفي داخل قبة البرلمان، ليصبح نائبًا بحرينيًا بامتياز دون لِحاظ موقعه من هذه الطائفة أو تلك. بالتأكيد، هناك من ترشَّح في دوائر مختلطة، وبسبب غَلَبَة في الأعشار الرقميّة، وجزء يسير من التحالفات الهامشية (أو الموضوعية) تم انتخاب أشخاص من مكوِّنات أخرى، إلاَّ أن مسألة المبدأ في ذلك مازالت ضائعة لغاية الساعة، وبعد أربع تجارب نيابية/ بلدية.

لا أعتقد أن هناك مشكلة في استحضار مشهد عبدالرحمن الباكر وهو يُدافع عن سائقي سيارات الأجرة من الشيعة في صندوق التعويضات في خمسينيات القرن الماضي. وليست هناك مشكلة في استحضار فوز علي ربيعة ومحمد جابر صباح في الانتخابات البرلمانية العام 1973 بأصوات شيعية في المحرق، اختارت أن تمنحهما ورقتها عِوضًا عن أن تمنحها لرئيس مؤسسة دينية شيعية معروفة في تلك المنطقة. وليس هناك مشكلة أن يتذكر البحرينيون كيف فاز محسن مرهون في الانتخابات ذاتها بأصوات سُنيَّة في فريق العوضيّة بالمنامة، ولا خالد الذوادي بأصوات أهالي منطقة رأس رمان. وليس هناك مشكلة أن يُرشَّح حسن الجشي رئيسًا لمجلس النواب من قِبَل إبراهيم فخرو، وجاسم مراد، وأن لا يترشَّح لمنصب نائب الرئيس سوى خلفية البنعلي، وجاسم مراد، ليفوز الأول بواقع 23 صوتًا، والثاني بـ 21 صوتًا.

باعتقادي أن ما أقوله ليس من الأمنيات أبدًا في هذا البلد على رغم ما نحن فيه من بلاء وانقسام. كثيرٌ من الحلول ظهرت من وسط العقد والركام وهذا ما أعنيه. فالبحرين لا تحتاج اليوم إلى مشاريع سياسية كالتي تطرحها الدولة والمعارضة مهما كان سقفها، وإنما تحتاج إلى خارطة طريق حقيقية تبدأ بتنشئة جيل يُحاكي تاريخه الطبيعي، لا واقعه المشْكَل عليه وفيه وحوله. صحيح أن البحرين تحتاج إلى دوائر انتخابية مفتوحة، لكنها وفي الوقت نفسه تحتاج إلى ناخب بعقل وقلب مفتوح أيضًا. وهذا لا يتأتى إلاَّ من خلال توحيد النظرة إلى الحقوق والمواطنة التي يتساوى فيها الجميع، لا غلَبَة لأحد فيها أبدًا، وفتح موضوع الانتماء السياسي أمام الجميع، لا استدعاؤه للاستحلاب فقط، أو لأخذ صور للذكرى؛ فهذه ليست حقيقة الطلب، بل هي نكتة.

القضاء على الطائفية لا يأتي من الخطابات ولا بالأمنيات ولا بالتوصيات ولا بالدعوات، وإنما يأتي بالممارسة على الأرض، حين تتحد النظرة إلى الأشياء. يجب على مُكوِّنَيْ البلد أن يحملا همومًا سياسية حقيقية جذرية، وليست همومًا قشريَّة فولوكلورية لا تمس إلاَّ الحالة البهيمية للناس. وحين يُصرّ سياسيونا على المراوَحَة على هذا الواقع السياسي والاجتماعي السيئ فإن خيارات الناس في الانتخاب ستبقى أسيرة للعِرْق واللون والقبيلة والطائفة، بل وحتى حبيسة العاطفة والتأثر بأشكال المترشِّحين كما هو حال الفتاة التي صوَّتت لصاحب الخدود الممتلئة!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3309 - الأربعاء 28 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:28 ص

      لبنان

      عجل في لبنان يصوتون لمن ؟؟ كلهم حلوين!!!!!

    • زائر 3 | 5:16 ص

      القضية

      القضية باكملها مرتبطة بان يعي الجميع انهم على قدم المساواة في المواطنة

اقرأ ايضاً