العدد 3326 - السبت 15 أكتوبر 2011م الموافق 17 ذي القعدة 1432هـ

أسعار الأغذية: من التأزُّم إلى الاستقرار

في اليوم العالمي للأعذية...

قالت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إنه خلال الفترة من 2005 الى 2008، ارتفعت الأسعار العالمية للأغذية الأساسية إلى أعلى مستوياتها في غضون 30 عاماً. وبحلول الأشهر الثمانية عشر الأخيرة من تلك الفترة، ارتفع سعر الذرة بنسبة 74 في المئة بينما تضاعف سعر الأرز ثلاث مرات تقريباً، مسجلاً زيادة إجمالية نسبتها 166 في المئة.

وفي هذا السياق؛ اندلعت أحداث شغب بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أكثر من 20 بلداً. وأعلن كاتبو الافتتاحيات في الصحف نهاية عصر الأغذية الرخيصة. ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أن حركة ارتفاع الأسعار وانخفاضها مراراً وتكراراً منذ العام 2006 قد تعود مجدداً في الأعوام المقبلة. أي من المتوقع استمرار «تطاير أسعار الأغذية» وهي العبارة التقنية لوصف هذه الظاهرة.

وقد وقع الاختيار على شعار «أسعار الأغذية... من التأزم إلى الاستقرار» عنواناً عريضاً ليوم الأغذية العالمي لهذا العام، بهدف إلقاء الضوء على هذا الاتجاه وإبراز الخطوات الضرورية للحد من تداعيات ذلك على الفئات الأكثر عرضة للضرر، إذ إن تأرجح الأسعار، ولاسيما صعوداً، يشكل تهديداً أساسياً للأمن الغذائي في البلدان النامية. والفقراء هم الأشد تضرراً بتقلبات الأسعار. فوفقاً للبنك الدولي، دفع ارتفاع أسعار الأغذية المتزايد خلال الفترة 2010-2011 بنحو 70 مليون شخص إلى حالة من الفقر المدقع.

وفيما يتعلق بالبلدان المستوردة الصافية للأغذية، فقد تتضرر البلدان الفقيرة بالذات نتيجة الارتفاع الحاد للأسعار حيث تصبح كلفة استيراد الأغذية لتلبية احتياجات سكانها، باهظة جدّاً. أما فيما يتعلق بالأفراد، فقد يخسر من يعيش بأقل من 1.25 دولار أميركي يوميّاً، وجبة غذائية كل يوم بسبب ارتفاع أسعار الأغذية. ويتأثر المزارعون بدورهم لأنهم بحاجة ماسة إلى معرفة السعر الذي ستدرّه محاصيلهم عند الحصاد، بعد بضعة أشهر. وهم سيزرعون كميات أكبر في حالة توقع ارتفاع الأسعار. أما في حالة الأسعار المنخفضة، فسيزرعون كميات أقل ويحدُّون من تكاليفهم.

وفي ضوء التقلب السريع في الأسعار؛ تصبح هذه الحسابات أكثر صعوبة وينتهي الأمر بالمزارعين إلى إنتاج الكثير أو القليل جدّاً. وفي الأسواق المستقرة، يمكنهم مواصلة كسب عيشهم. أما الأسواق المتقلبة فقد تدمرهم اقتصاديّاً، كما تثبط العزم عموماً عن الاستثمارات الضرورية في قطاع الزراعة.

لقد عكف المجتمع الدولي في العام 2011، إدراكاً منه للتهديد الكبير الذي يشكله تأرجح أسعار الأغذية بالنسبة إلى السكان والبلدان الأفقر في العالم، على استحداث سبل بقيادة مجموعة العشرين لإدارة التقلبات في الأسواق الدولية للسلع الغذائية الأساسية.

وبغية الإحاطة بسبل إدارة أسعار الأغذية المتقلبة ومدى نطاقها؛ يجب الاطلاع بوضوح على أسباب تحول سوق الغذاء العالمية، التي نعمت بالاستقرار وانخفاض الأسعار في غضون بضعة أعوام، إلى سوق متقلبة تشهد ارتفاعات وانخفاضات حادة ومفاجئة في الأسعار.

لقد غُرست بذور تقلبات اليوم، في القرن الماضي عندما عجز صانعو القرار عن إدراك أن فورة الإنتاج التي شهدتها وقتذاك بلدان عدة قد لا تدوم وأنه لابد من مواصلة الاستثمار في الأبحاث والتكنولوجيا والتجهيزات والبُنى التحتية.

وفي السنوات الثلاثين الأخيرة، من العام 1980 حتى اليوم، انخفضت حصة المساعدات الإنمائية الرسمية التي تخصصها بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى الزراعة بنسبة 43 في المئة. ولعل سوء تمويل البلدان الفقيرة والغنية للزراعة يظلّ السبب الوحيد الأساسي للمشكلات التي نعانيها اليوم.

وتولِّد المساهمة في الأسواق المتأزمة اليوم، نموّاً اقتصاديّاً سريعاً للاقتصادات الناشئة ما يعني ارتفاع عدد الأشخاص الذين يتناولون مزيداً من اللحوم ومشتقات الحليب، مع زيادة الحاجة سريعاً إلى الحبوب العلفية نتيجة ذلك. ويعتبر النمو السكاني، بما يعنيه من أن نحو 80 مليون نسمة يحتاجون إلى غذاء إضافي كل عام، عنصراً آخر مهماً لابد من وضعه في الاعتبار. ويرتبط الضغط السكاني بالظواهر المناخية المتقلبة والمتطرفة في غالبية الأحيان، بسبب التغير المناخي والاحتراز العالمي.

وما قد يُفاقم الوضع مؤخراً استثمار مبالغ هائلة من قبل مؤسسات الاستثمار في أسواق السلع الغذائية الأساسية الآجلة. وأخيراً، تتحمل السياسات التجارية الحمائية والزراعية المشوهة جزءاً كبيراً من المسئولي، ولابد بالتالي من اتخاذ نوعين من الإجراءات لمواجهة تقلب أسعار الأغذية. وتتعلق المجموعة الأولى من تلك بتقلب الأسعار في حدّ ذاته من أجل الحدّ منه بواسطة تدخلات محددة، بينما تسعى المجموعة الثانية إلى تقليص التأثيرات السلبية لتأرجح الأسعار على البلدان والأفراد سواءً بسواء.

ومن شأن تنسيق السياسات على نحو أفضل في تجارة الغذاء الدولية أن يحدّ من التقلبات، بالمساهمة في الإبقاء على التدفق المضمون للسلع. وتدعم منظمة «فاو» المفاوضات المتعددة الأطراف تحت راية منظمة التجارة العالمية، وإلغاء الإعانات الزراعية المشوهة للتجارة في البلدان الثرية، أما فيما يتعلق بالمضاربات، فترى بحوث منظمة «فاو» أن هذه المضاربات قد تزيد من الأسعار وتطيل مدة تقلبها. ولابد أيضاً من توفير معلومات إضافية وأكثر شفافية عن التجارة في أسواق العقود الآجلة. وهذا من شأنه أن يضمن اتخاذ الحكومات والتجار قرارات مُطلعة وتفادي حالات الذعر أو ردود الفعل غير المنطقية.

أما فيما يتعلق بالحد من تأثيرات التقلبات؛ فيُمكن لشبكات الأمان القُطرية أو الإقليمية التي قد تتضمن احتياطات غذائية لحالات الطوارئ، أن تساعد في تأمين إمدادات الغذاء لمجموعات السكان المعوزين والضعفاء في حالة الأزمات. كما يمكن للمستهلكين الفقراء أن يحظوا بالمساعدة من خلال مساعدات نقدية أو قسائم المعونة الغذائية وعبر مساعدة المنتجين من خلال تأمين المُدخلات لهم، على غرار البذور والأسمدة.

وباستطاعة الآليات المستندة إلى السوق أن تساعد البلدان النامية منخفضة الدخل في تسديد الفواتير الأعلى لاستيراد الأغذية. وعلى المستوى القُطري، يُمكن للحكومات أن تحمي نفسها من ارتفاع أسعار الأغذية من خلال جملةٍ من الترتيبات المالية، على غرار حقوق الخيار في الشراء، ما يمنحها الحق في شراء الأغذية بسعر محدد حتى عقب انقضاء أشهر، وبغض النظر عن تحركات السوق خلال تلك الفترة. وعلى المستوى الدولي، يمكن لآليات التعويض أن تساعد البلدان النامية منخفضة الدخل في تسديد الفواتير المتزايدة للواردات الغذائية. كما ساعدت آليات التمويل الامتيازية، على غرار تلك التي يؤمنها صندوق النقد الدولي، البلدان على التعامل مع مشكلات موازين المدفوعات التي ولّدها الارتفاع الحاد في أسعار الأغذية خلال الفترة من 2007 إلى 2008.

غير أن استقرار سوق الأغذية يتوقف أيضاً على زيادة الاستثمارات في الزراعة، ولاسيما لدى البلدان النامية، حيثما يعيش 98 في المئة من الجياع وحيث ينبغي رفع الإنتاج الغذائي بمقدار ضعفين بحلول العام 2050 تلبية لاحتياجات السكان المتزايدين عدداً.

كما أن الاستثمار في البُنى التحتية، ونُظم التسويق، وخدمات الإرشاد والاتصال، والتعليم، والأبحاث والتنمية، من شأنه أن يزيد من إمدادات الأغذية وأن يحسّن أداء الأسواق الزراعية المحلية، ما سيحدّ من تقلب الأسعار. وعلى هذا النحو، يُمكن للأسواق أن تخدم الفقراء الذين يتحملون عبء تقلبات أسعار الأغذية أكثر من غيرهم. ويبلغ مستوى الاستثمارات الصافية المطلوب لذلك نحو 83 مليار دولار أميركي سنويّاً، ما سيساعد ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم على التحرر من ربقة الفقر، كما سيساهم في إعادة الاستقرار على الأمد الطويل إلى الأسواق الزراعية.

وفي يوم الأغذية العالمي 2011، دعونا نتفكر ملياً في الأسباب التي تولِّد تأرجح الأسعار ونتمعّن في الإجراءات اللازمة من أجل الحدّ من وقع هذا التقلّب على أضعف أعضاء المجتمع الدولي

العدد 3326 - السبت 15 أكتوبر 2011م الموافق 17 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً