العدد 3329 - الثلثاء 18 أكتوبر 2011م الموافق 20 ذي القعدة 1432هـ

فريد هدى... الرمز... السريالية والكوابيس

الكاتب الجزائري فريد هدى في كثير من قصص مجموعته الأخيرة «عليها تسعة عشر» يضع القارئ في جو هو مزيج من الواقعي والرمزي مع وصول إلى السريالي أحياناً. لدى الكاتب قدرة على رسم أجواء الكوابيس التي يحول الكلام عنها إلى كلام رمزي شديد الإشارة إلى الواقع. والكاتب قادر على أن يحوِّل الرعب إلى نمط حياة يصبح من العاديات اليومية.

ويتحول الأمر إلى تعايش قسري مع العذاب والموت وزبانية الموت ومع «ظلال غيرنا» التي تترصد خطانا وتسير وراءنا في عالم الواقع. لكن مجرد نقل الأمر إلى كتابة يوهم بنتاج سريالي هو ابن الخيال فتضيع الحدود بين الاثنين لكن القارئ لا يضيع المقصود بل يهبط الأمر عليه بوضوح.

اشتملت المجموعة على 19 قصة قصيرة جاءت في 71 صفحة وصدرت عن «منشورات الاختلاف» في مدينة الجزائر و «دار الأمان» في الرباط.

رسم الغلاف كان لوحة «مجزرة الأبرياء» للفنان جيدو ريني. القصة الأولى وعنوانها «كابوس» تبدأ على الشكل التالي «كان يوماً شاقاً. دخلت غرفتي فأغلقت الباب. في طيات الظلام التمست طريقي حذراً مخافة أن أتعثر بشيء ما».

وأنار شمعة ثم «ألقيت بكامل جسدي على الكرسي الخشبي لكن الأوجاع عاودتني. آخ!... أولاد الـ... هشموا عظامي. «في حجرة أشبه بحجرتي وكرسي ككرسي هذا أجلسوني صباح هذا اليوم. رجل بشاربين تحجب عينيه نظارة بلون بدلته السوداء. اقترب مني. همهم وسيجارته المحترقة بفمه: «تعاود حماقاتك اليومية... خربتم عقول الناس».

وعندما طلب معرفة تهمته وتفسيراً لما يجري ضربه على وجهه وقال: «ابن الكلب. تحرّم حشر أنفك فيما لا يعنيك» وأكمل رفيقه الآخر قائلاً: «وفي ما يعنيك». طالب بحقوقه فقال أحدهم: «حسناً... اعطوه إياها». ونلت من الحقوق كفاية ثم أخلي سبيلي».

يتحدث عن التعذيب الذي تعرض له فيقول «سكون الليل يقطعه نهيق حمار. يقال إن معاشر الحمير تستطيع رؤية الشيطان... ترى كيف يبدو عليه اللعنة: أهو بشاربين أم دونهما... أشيد بجرأتها. فوحدها الحمير - وفي جنح الظلام - تحدت الظلام نفسه».

وخلال راحته في منزله «متعباً أوسدت رأسي المكتب طالباً الراحة... فجأة استفقت مذعوراً على هز عنيف بالباب فانفلق على رجال طوال أحاطوا بي فطرحوني والكرسي أرضاً وكبلوا يدي وقدمي... بادرني أحدهم برفسة من حذائه... رفعت بصري محاولاً تمييز وجوههم لكن لم تكن لهم وجوه وعلى صوت نهيق الحمار واضطراب لهب الشمعة بدت ظلالهم على واجهة الجدار تتراقص كأشباح عابثة... وفي الضيعة غير البعيدة واصل الحمار نهيقه ثم سكت».

في قصة أخرى عنوانها «ويستمر الكابوس» نقرأ عن بطلها وهو صحافي يبدأ بالقول: «ممدد الجسد مقيد اليدين والقدمين يتقدم مني رجل طويل اللحية يرتدي قميصاً أبيض يلوح بسكين يريد ذبحي. أحاول جاهداً الفرار لكنني لا أقدر على الحراك». هذا الكابوس أرّقه لشهرين ونكّد حياته «لم أستطع أن أنام مخافة أن يعاودني. لم أستطع أن أعيش نهاري خشية أن يتحقق».

وطلب إجازة أيام من الصحيفة التي يعمل فيها. سأل كثيرين فجاءته أجوبة لا قيمة لها. أخيراً ذهب إلى الإمام فقال له هذا مفسراً إن الله غاضب عليه لأن كتابه مملوء بالسيئات. أصاب الصحافي صداع وصرخ به. كان الإمام مرعوباً وسمعه يتعوذ إلى الشيطان ويتحدث عن ممسوس كافر.

«لم أستطع أن احتمل. الصداع رهيب. طلبت منه أن يصمت لكنه ما كف عن الصراخ وثبت عليه ممسكاً إياه من لحيته تلك. أخذت السكين ولوحت به طلبت منه أن يقفل فمه لكنه ما أراد الاستماع إلي... ويستمر الكابوس». كثير مما كتبه يصور حالة رجال الفكر وخاصة الصحافيين في بلده في فترة زمنية معينة. في «ورقة الألف دولار» حديث عن الفقر والبؤس من خلال حياة شحاذ تخصص في قراءة نفسيات «زبائنه» وأوضاعهم عبر مراقبة أقدامهم.

وعندما عثر على ورقة ألف دولار بدأت الأحلام تحمله على أجنحتها لكن استغراقه فيها استحوذ على انتباهه. تصور حياة بذخ وأطماعاً سياسية... وكانت في هذه الأثناء نار التدفئة التي أشعلها تلتهم ورقة الألف دولار. بعض قصصه القصيرة جداً تعبر عن كابوس مسيطر على عالمه وببلاغة قوية تشرح كثيراً من المآسي التي جرت في بلاده وتعرض لها المثقفون والصحافيون خصوصاً.

تحت عنوان «رؤى» تحدث عن ثلاثة أحلام ختمها بكابوس. في الحلم الأول جو ضبابي يبرع فريد هدى في رسمه؛ إذ يكاد كل شيء يختفي وسط جو من الخوف بسط ظلاله ورائحته على عالم الكاتب.

قال: «كنت كأنني عند بائع الجرائد. لم أستطع أن أتبين وجهه خلف الزجاج المعتم للشباك. طلبت منه جريدة المساء. سلمها لي عبر فتحة الشباك الضيقة فرأيت بالكاد يده حينها». ولم يقتصر الأمر على الزجاج المعتم والبائع المستتر خلفه لا يظهر من شيء سوى يده بل وصل الاختفاء إلى أكثر من ذلك. أضاف يقول «قلبت الجريدة لكن الصفحات الأربع والعشرين كانت بيضاء».

«ما معنى هذا» سألته كمن يكلم نفسه، «املأ الصفحات بنفسك» أجابني هو بصوت كالرعد. ولأن الأشياء تستتبع أشياء أخرى فإن ذلك يؤدي إلى محاصرة كل جميل وحجبه حتى ذلك الذي تنتجه الطبيعة. ختم فريد هدى القصة بظل يطارده فقال «طويت الجريدة أسفل الإبط ثم أكملت مسيري - يتبعني ظل غيري - أفكر في بائع الورد هناك عند المنعطف»

العدد 3329 - الثلثاء 18 أكتوبر 2011م الموافق 20 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً