العدد 3335 - الإثنين 24 أكتوبر 2011م الموافق 26 ذي القعدة 1432هـ

عفواً... الدرس عراقي - إسرائيلي - ليبي

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الدرس الأول: السقوط أنواعٌ في هذه الدنيا ومعظمها ينتهي غالباً على الأرض أو على صخور أو أرصفة. أمّا أن تسقط من علو شاهق يبلغ ما بين ثلاثين إلى أكثر من أربعين عاماً على الشعب فهذا أمر في غاية القسوة والغرابة... والأقسى أن يكون الساقط في أرذل العمر.

وللمصادفة أيضاً في درس اليوم، أن تكون نهاية اثنين من طغاة العرب قد اشتركا في دماء صدريّين من علماء المسلمين. فقد قال السيد محمد باقر الصدر لطاغية زمانه في العراق عندما قرر قتله (العام 1980) وكان ملطخاً بدمائه، ومكبلاً بالأغلال الحديد: « إنني صممت على الشهادة». ذاك من قال فيه مؤسس وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشهيد فتحي الشقاقي: «الليلة باسمك تنادي الأمة وتغني... لتلمس يدك يدي ولنمضِ معاً.. آه ما أجمل هذا الموت... ما أبدع هذا الخيار للموت... آه ما أصدقه تعبيراً تراجيديّاً تعلن به انتماءك للمستضعفين وللحياة... لن نبكي بعد اليوم سوى من فرح، عندما يلوح في الأفق تباشير فجر جديد وها هو الفجر قادم».

والصدر الآخر (السيد موسى الصدر) غاب في ليبيا منذ العام 1978 ولم يرد منه أي اتصال هاتفي أو رسالة أو خبر لأي كان في لبنان، وعند السؤال عنه، قال القذافي إنه غادر مع مرافقيه إلى روما على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الإيطالية. ثم عاد القذافي واعترف بنفسه في خطاب ألقاه العام 2002 باختفاء الصدر ورفيقيه في ليبيا.

وللمصادفة أيضاً، جاءت نهاية طاغية العراق صدام بدراما عجيبة لم يصدق لحظتها من شاهدها على الهواء في معظم أنحاء العالم. فقد كان أول رئيس عربي قومي- بعثي- اشتراكي يقبض عليه في جحر وكأنه ضب صحراوي... وتدلى الحبل حول عنقه الذي طالما لوحه يمنة ويسرة للإشارة لقتل غرمائه ورموز شعب العراق الذين ثاروا ضد حكمه.

وكذلك صادف زميله في درب الطغيان، القذافي، المصير نفسه بل وأرذل منه وهو يرقد في مجرى القاذورات والصرف الصحي في ضاحية سرت كالفأر بعد أن اتهم شعبه بأنهم جرذان يهربون من زنكة الى زنكة.

الاثنان قَتَلا ونَكَّلا ومَثَّلا بالمعارضين لحكمهما بأبشع طرق الإبادة على وجه الأرض وخصوصاً الذوبان في براميل مادة حمض (Acid) المميتة كما حدث في العراق. والطاغيتان دفنا المعارضين لهما وهم بالآلاف في مقابر وسراديب سرية تحت الأرض أو في مخازن ومكامن غريبة لم تُكتشف إلا بعد سقوطهما في العراق وليبيا خلال عشر السنوات الماضية. إنه مرة أخرى صراع الجاهل ضد العالم، ولكن لم تذهب دماء العلماء سدى، ولو بعد حين بل جرّت معهما جثث الطغاة واحدة بحبل رخيص جدّاً وأخرى من بين قاذورات المجاري والدماء تغطي وجوهاً كالحةً لِحكمةِ وموعظةِ ربها ناكرة. أما من لم تتلوث أيديهما بدماء أي صدري كان الأمر أهون عليهما بأن تعرضا للخلع والمحاكمة أحدهما عن بُعد بالريموت كنترول (زين العابدين)، والآخر مباشرة وجهاً لوجه خلف قضبان السجن الذي طالما زج فيه بالمعارضين له (مبارك). أفلا من معتَبِر؟

الدرس الثاني: عفواً... إسرائيلي هذه المرة... ويعلمنا كيفية الحفاظ على قيمة وكرامة الإنسان. لكن أين؟ في عمق الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين. فلم تيأس ولم تكل الحكومات المتعاقبة في الكيان الصهيوني في انتظار ذاك اليوم الذي تستطيع فيه إطلاق سراح جنديها المختطف (جلعاد شاليط). ولم يكن عبثاً حصارها لغزة طوال أكثر من خمس سنوات، ولم يكن عبثاً هجومها على غزة المدمر العامين 2008-2009 وان كانت نتيجته هي العبث. لكن هذا الدرس الصهيوني يعطينا مؤشراً مهمّاً، إن كان بعضنا يريد الاستيعاب والفهم على طريقة بن علي، في أهمية الفرد في الكيان الصهيوني ليس لمجرد انه فرد بل لتثبت كل حكومة صهيونية أنها جاءت من أجل سكان الكيان والذين تعتبرهم مواطنيها وهم مهاجرون أساساً من شتى أصقاع الأرض أو من شتات الشعوب إن صح التعبير. يأتي الدرس، للأسف، من ألد أعدائنا.

أكثر من خمس سنوات والكيان الصهيوني ينتظر دون كلل أو فقدان أمل في استعادة جنديهم. والفلسطينيون كذلك ينتظرون وهم قد استوعبوا دروس المقاومة والانتظار وصار من نسيج حياتهم اليومي. وانظروا ماذا سيحصل عليه هذا (الشاليط) العائد من الأسر العربي من مميزات وترقيات واهتمام في الكيان الصهيوني. كل هذا لأن الفرد عندهم له أهمية قصوى لا يمكن المساس بها ولا مفاصلة عليها إلا لاسترجاعه فقط من أيدي خاطفيه. يا له من درس تعطينا إياه مجرد عصابات إجرامية استوطنت فلسطين منذ العام 1917 بوعد رسمي من بريطانيا العظمي آنذاك.

ألا يدمي القلب أن عدونا يعلمنا كيفية احترام المواطن وتقديره، وأن حياته تساوي حياة أكثر من ألف أسير فلسطيني؟ ألا يحزن القلب ويدمي المقلتين حقّاً أن يعلمكم من تلطخت يداه بدماء العرب مثل «نتنياهو» أكبر دروس التضحية بأكثر من ألف أسير عربي من أجل جندي صهيوني؟ هل نحن في حاجة (لشاليط) عربي يأسره الصهاينة لإطلاق سراح أسرى منهم في السجون العربية حتى نُظهر تقديرنا للإنسان العربي؟ عفواً... هذه آخر نكات الربيع العربي الذي دخل على شهور الشتاء. أفلا مِن معتَبِر؟

لا أخفيكم سرّاً أنه بعد هذين الدرسين، قرأت قول أحد الحكماء «كلما زادت معرفتي بالإنسان زاد احترامي للحيوان»

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3335 - الإثنين 24 أكتوبر 2011م الموافق 26 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:59 ص

      ههههههههههههه

      مفيش فايده

    • زائر 6 | 5:58 ص

      والله اقول

      قد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

    • زائر 4 | 3:02 م

      الدكتور العزيز

      دكتوري العزيز



      شكراً على هذا المقال



      أفلا مِن معتَبِر؟

    • زائر 1 | 2:16 ص

      احبج يالبحرين

      اه يا استاذ لا تذكرنا بجراحنا .. يؤلمنا ان نرى الانسان و الفرد كيف ان نظامه يكن له كل الاحترام و التقدير لدى الغرب بينما نحن العرب نرى بان النخبة و اصحاب الفكر يحاربون و يهانون و يعتقلون ايضا من قبل الانظمة العربية .. و خير دليل ما يحدث لدينا اليوم في البحرين من محاكمة و اعتقال الاكفاء من المحامين و الاطباء و النقابيين و المصورين و القائمة تطول.. ماذا نقول؟ كثرت العبر و قل الاعتبار

اقرأ ايضاً