العدد 3336 - الثلثاء 25 أكتوبر 2011م الموافق 27 ذي القعدة 1432هـ

الانتخابات التونسية: إقبال فاق كلّ التوقّعات وبداية موفقة للفصل الثاني من الثورة التونسية

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

أسدل الستار على الفصل الأوّل من الثورة التونسية ليفسح المجال للفصل الثاني المتمثّل في البناء الديمقراطي بالتحوّل من الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثانية من خلال صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي يوم الأحد الماضي (23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011).

والمتابع للفصل الأول من أحداث الثورة التونسية لا ينسى مشهد الشرارة الأولى والتجمعات السلمية الضخمة التي انتهت بالمسيرة الكبرى يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011 كما لا ولن ينسى خروج أحد المحامين ليلاً متحديا حظر التجوال في شارع «الحبيب بورقيبة» أمام مبنى وزارة الداخلية ليعلن أن «ابن علي هرب الحرية للتوانسة» كلمات رددها الجمهور التونسي والعربي وتناقلتها وحللتها وسائل الإعلام، لأن هذا المشهد من الفصل الأول للثورة قد هرمت من أجله رؤوس وهي تنتظر مثل هذه اللحظة التاريخية. وتتالت بقية مشاهد الفصل الأول: فمن اعتصام القصبة 1 إلى اعتصام القصبة 2 فـ 3 الذي عادت فيه آلة القمع تعمل عملها.

ثمّ كانت محاكمات المتورطين من أزلام النظام السابق محاكمات أغضبت الشارع ولم تشفِ غليله انتهت ببعض المحافظات التونسية إلى الفوضى وغياب الأمن، ودقّ ناقوس الخطر حتى كدنا نخشى على ثورتنا من النكوص والفشل.

ثم كان الاستعداد للانتخابات وكان الفصل الثاني: مجادلات ومساجلات إعلامية وحملات انتخابية دارت معظمها في كنف الديمقراطية بتنظيم شهد له الكثيرون أشرفت عليه ولأول مرة لجنة عليا مستقلة للانتخاب برئاسة الاسم المعروف كمال الجندوبي، هذا الحقوقي الذي لن تنسى الذاكرة الديمقراطية اسمه، فلقد عاش مهجَّرا ممنوعا من الدخول إلى تونس منذ 1994 ولقي من المضايقات من البوليس السياسي التونسي وهو في فرنسا الكثير: اعتداءات وحرمان من جواز السفر نظرا إلى مواقفه المناهضة لسياسة المخلوع ونشاطه الحقوقي الكبير على المستوى العربي والمتوسطي والعالمي.

كمال الجندوبي الذي أخذ على عاتقه قرار تأجيل موعد الانتخابات التي كان من المفترض أن تتم يوم 24 يوليو/تموز الماضي لاحظ أن الظروف لم تكن مهيأة للجميع؛ فطلع على التونسيين بقرار كاد يشكك في نزاهته لكن هاهم اليوم يشهدون له بالحكمة والحنكة في مثل هذه المناسبات.

كمال الجندوبي أعلن أن نسبة المشاركة والإقبال على مكاتب الاقتراع فاقت كلّ التوقعات يوم الأحد 23 أكتوبر 2011 وينتظر أن تفوق 60 في المئة وليس هذا بالرقم الهيّن في الديمقراطيات المتقدمة والعريقة فما بالك بالديمقراطيات الناشئة، وخاصة أنها لم تشهد تجاوزات خطيرة، فلقد شهد بعض الملاحظين في تصريحاتهم الأولية أن حجم الخروقات طفيف وبعض التجاوزات والملاحظات المسجلة هنا أو هناك لا ترقى إلى مستوى التشكيك في نزاهة النتائج المتوقعة.

انتخابات شدت أنظار العالم بأسره؛ فبان كي مون يهنئ التونسيين بهذه الانتخابات السليمة والنظيفة، وباراك أوباما يعتبر أن التونسيين غيروا بهذه الانتخابات التاريخ، أما الاتحاد الأوروبي فهو على استعداد للتعامل مع أية حكومة تفرزها صناديق الاقتراع بعد أن أرسلت مراقبيها الدوليين لمتابعة الحدث.

نعم لقد وقف التونسيون في طوابير طويلة لاغتنام فرصة المشاركة في أول انتخابات الربيع العربي لتكون تونس - وكما صرّح وزير الخارجية الألماني غداة زيارته مقر الانتخاب في السفارة التونسية ببرلين يوم السبت 22 أكتوبر 2011 بأن تونس «أول بلد في شمال إفريقيا امتلك الجرأة قبل تسعة أشهر ليبدأ عملية التحول اعتماداً على قوته الذاتية وقدم تضحيات عظيمة» وأشار الوزير الألماني إلى أنه إذا نجحت الانتخابات في أن تكون حرة نزيهة؛ فإن تونس ستكون مجدداً نموذجاً يحتذى به في المنطقة بأسرها.

انتخابات جاءت بُعيْد سقوط النظام الليبي نهائيّاً ومقتل العقيد معمر القذافي وما كان يمكن أن يحدثه ذلك من فوضى واضطراب كان بالإمكان أن يشيع الخوف بين الناخبين.

إن هذا الفصل الثاني من الثورة يكتبه مرة أخرى كل الشعب التونسي؛ فهو ليس إنجازاً فرديّاً حيث ولّى زمن القامات والزعامات. نعم إن الشعب التونسي كما خطّ بحروف من دم مفردات التغيير الحقيقي ها هو يرسم على بطاقة الانتخابات علامة حضوره ليصنع بيديه تاريخه السياسي ويختار من يمثله في مجلس وطني تأسيسي يكون له الدور البارز في صناعة تونس الغد.

بهذا يكون التونسيون على موعد مع التاريخ ليقدموا إلى العالم صورة ولا أروع: بلد من بلدان العالم الثالث متوافر على إمكانيات بشرية عظيمة كانت محرومة من حقها أو منسية أو مبعدة، ها هم يعودون جميعاً ويلتحمون مع صناع الثورة ليدونوا على صفحات التاريخ أجمل العبارات: «تونس تنتخب» وبحضور 1800 صحافي تونسي و أجنبي فضلا عن أكثر من 35 ألف مراقب دولي وتونسي.

بهذا الإنجاز، وبهذا النجاح التنظيمي والإقبال الكبير على مكاتب الاقتراع تكون تونس مرة أخرى سباقة في التفعيل الديمقراطي للثورات.

فما الذي أفرزته صناديق الاقتراع؟ أهي مفاجآت أم نتائج متوقعة؟ وما دلالة التقدم الكبير لحزب حركة النهضة الإسلامية؟ ولماذا هذا الاندحار اللافت للحزب الديمقراطي التقدمي؟ وبمَ يفسر فشل اليسار من خلال القطب الحداثي والقوائم المستقلة؟ وما دور الأحزاب والمجتمع المدني في المرحلة المقبلة؟

(يتبع

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3336 - الثلثاء 25 أكتوبر 2011م الموافق 27 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:20 ص

      ماذا عن النهضة؟

      نود لو نعرف أكثر عن هذا الحزب
      ما هي أهم مبادئه وأفكاره
      تاريخ نشأته....

      ثم هل سيسمح بالتعددية الطائفية ؟؟؟؟؟

    • زائر 3 | 7:34 ص

      فعلا شيء غير متوقع وتحية لشعب تونس

      نسبة المشاركة والإقبال على مكاتب الاقتراع فاقت كلّ التوقعات يوم الأحد 23 أكتوبر 2011 وينتظر أن تفوق 60 في المئة

      حقا شبعب واع ويستحق التحية

    • زائر 2 | 6:08 ص

      العنوان !!

      عنوان أي مقال يجب أن يكون مختصرا يا أستاذي العزيز .
      من جهة أخرى نحيي حزب النهضة و الاسلاميين في كل بقاع الأرض و الأحرار المخلصين .

    • زائر 1 | 12:17 ص

      مبروك لتونس هذا الإنجاز

      ألف مبروك لتونس والعاقبة لكل العرب

اقرأ ايضاً