العدد 3337 - الأربعاء 26 أكتوبر 2011م الموافق 28 ذي القعدة 1432هـ

الشرقاوي... رياضة فكرية وزخرفة حتى في طريقة الكتابة

في عمل الشاعر البحريني، علي الشرقاوي في مجموعته «البحر لا يعتذر للسفن» رموز ومجازات كثيرة، وما يبدو كأنه رياضة فكرية قد تكون مجانية أحياناً، وامتلاء بزخرفة لا تقتصر على الكلمات؛ بل تتعدَّاها إلى طريقة إيراد القصائد في شكلين في الصفحة الواحدة.

المجموعة التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمَّان، جاءت في 328 صفحة متوسطة القطع، توزعت على ما يناهز 200 قصيدة متفاوتة طولاً وقصراً وشكل حروف.

في رأس الصفحة؛ أي نصفها الأعلى، قصيدة بحرف كبير نسبياً وفي نصفها الأسفل قصيدة بحروف صغيرة، وقد توزعت القصيدتان غالباً على الصفحة الواحدة. كأن الشرقاوي لم تكفه الزخرفة الكلامية الواضحة في قصائده فزخرف شكل إيراد هذه القصائد، وفي أحيان في شكل إيراد السطور. وفي بعض الأحيان تكتب الكلمة بشكل محدد؛ أي تجعل قراءتها عكس الكلمات الأخرى؛ أي أن عليك أن تدير الكتاب لتقرأ الكلمة معتمداً «عرض» الورقة لا طولها. ولعل القارىء واجد متعة معينة في هذه الزخرفة ربما تكون قد فاتت القارىء الناقد.

في القصيدة الأولى «ما لا يتفهرس» يكتب بمجردات ومجازات ورموز فيقول: «بالقلب رأيت/ كواكب أزمنة في شكل الولدان/ حنان صلاة العشبة في الصمت العاصف/ تاريخ الحجر الناطق بالماء الممكن/ ريحان الغبطة/ عاطفة الكاف الامّارة بالريح/ ضفاف الحدس الخارج عن سلطة كل/ الكلمات/ أمواج الذبذبة الأولى/ وفراغات الأوتار الكونية/ ورأيت الماضي والمستقبل ورأيت ..../رأيت..../رأ.....» ويبدو أن الشاعر أراد هذه القصيدة نموذجاً فيه خلاصة عما يود قوله وعن أسلوبه في الكتابة.

قصيدة «ولادة الطريق» صور وفيها شعر ودفء قد لا يتوفران دائما لسائر قصائد المجموعة التي يبدو قسم منا كأنه معادن صاغها صائغ أحياناً وحدَّاد في أحيان أخرى. يقول: «السماء مبقعة بغناء النوارس/ والبحر أرجوحة للمراقبين على ضفة الحلم/ يا أيها الأفق/ افتح ربيع الإضاءة/ دعنا نهيم هنا/ نتدالق في الجهتين المراهقتين/ كهجرة نص يعيد صياغة أطرافه/ بدم اللغة القابلة».

وفي «الهبوب الأليف» صياغة منطقية لصور فكرية في مجازات ورموز. يقول: «في انكسار جذوع الإجابة/ عند هطول سؤال/ يعيد علاقة ورد الجنوب بريح الشمال/ الحدائق تصرخ بي:/ يا حبيبي تعال». وفي «رصيف» نقرأ فكرة منظومة في صورة طريفة؛ إذ يقول: «في عالم/ يسكن قاع المقبرة/ يغرّد/ الحمار/ فوق الشجرة». في «زهرة التركيز»، نقرأ نثرية واضحة تحاول أن تربط السطر الأول بالسطر الأخير وبعد مسافة طويلة نسبياً فيأتي الأمر أقرب إلى سجع ضل طريقه. يقول: «يا أيها الساكن في ما لا يتحرك/ فجر المجهول سيصبح معلوماً/ فلماذا قامة حرفك تتبع خطوته/ ضعها بين عيون القوسين/ وركّز...../ ركّز...../ ركز/ اسحبه بفراغ القلب/ هنا/ الآن /أطلقه نحو فضاءة غير المدرك».

في قصيدة «أنوات» زخرفة من نواح مختلفة تسعى إلى أن تتحدَّث عن ذوبان ليس واضحاً إذا كان صوفياً أو مجرد ذوبان في حبيب أرضي. إلا أن النثرية طاغية دون شك. يقول: «أنا/ وأنا/ وأنا/ وأنا/ وأنا / وأنا/ ......لا شيء سواك». في «ألف لام ميم» اللعبة نفسها حيث يقول: «من ألِف الله/ إلى سكّر فاكهة الياء المفتوحة/ مثل خلايا الأرض إلى طاقة حب/ أ/ت/د/ ح/ر/ج.» في «السيحة». اختصار لجملة ويزيد في تقريرية فكرية واضحة يقول: «يا الضغينة/ عفواً/ أنا/ لست/ من/ تطلبين».

في مجال آخر يقول في مزيج موسيقي موح من الشعري والنثري: «أوقفني النور/ وقال :/ البراكين في لحمة الأرض/ تكتب قانونها الاندياحي/ في قارب عين/ والبراكين في البحر/ تكشف ألوانها بين بين/ أين قانون روحك/ يا كائن صمت البراكين/ أين؟».

وفي قصيدة «سفلية» يقول: «في زمن ما ومكان ما تحت جدار الأخضر عشنا لا يربطنا متن الدِّين ولا هامش مذهب أجناس ولغات وقبائل تذهب في الحب ولا تتعب ألوان تتدرج أو تتدحرج أو تتموَّج اعكس ريحان الطيب الجالس مثل حليب الأم بقلب الغابة والغابة لا أبواب لها الأفعى بنت العشب تلاعبنا عند كلام النهر مع التربة وعناكب سقف نهار الموز تكاتبنا وتقول :أنا مثلك أملك روحاً أكبر من هذا الجسد الفاني...».

في قصيدة «طمع» فكر منظوم؛ إذ يقول فيها: «لك عرس النيروز/ لك صدر الأرض ونهد الفيروز/ لك فوق الكوكب/ ما يتحرك/ أو يتنفس/ أو ما يتحسس/ لا تطمع في شيء أكثر من هذا». وفي «هل تعرف هذا» يتكلم بتعابير «بحرية» ويخطىء؛ إذ ينصب اسم ليست يقول: «الهزائم/ ليست لها قدمين/ تهزان قعر الفراغات/ في توتياء النفس/ لذلك لا تستطيع الوقوف/ لذلك/ لا تستطيع الجلوس». في «كيف الفضاء العريض». وفي «الحصى في الطريق الصديق» نثرية منظومة يقول في الأولى: «كيف الفضاء العريض/ علينا يضيق/ ونحن لنا/ في أزقة كل العواصم/ أسئلة وأب/ وأخ وصديق؟» .

أما في الثانية فيقول: «الحصى في الطريق الصديق/ قميص شجر/ والمطر/ ليس إلا كلام الحجر/ لماذا إذن/ نتآكل فوق الموانئ/ والكون يزرعنا نغماً/ في حنان الوتر؟»

ولعل خير خاتمة هنا هي قصيدة «الربيع مضى» التي يقول فيها: «الربيع مضى/ ضاحكا/ مثل همسات القصيدة في عيدها/ غير أن جميع الزهور/ تواصل مشوارها/ لتشكّل بالحب لحن الحياة»

العدد 3337 - الأربعاء 26 أكتوبر 2011م الموافق 28 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً