العدد 3338 - الخميس 27 أكتوبر 2011م الموافق 30 ذي القعدة 1432هـ

جامعة الدول العربية في عصر الربيع العربي

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يمثل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مرحلة جديدة وإلى حد ما فريدة في التاريخ العربي المعاصر، ويتجلى ذلك في انطلاق انتفاضات وثورات في أكثر من دولة عربية في لحظة زمنية متقاربة وفي إطار ما يمكن أن نسميه بسلسلة الثورات أو بظاهرة الدومينو المشهورة في السياسة الدولية حيث نجد أن شعارات وسلوكيات الذين قاموا بتلك الانتفاضات تكاد تكون متشابهة، على رغم اختلاف ظروف كل دولة ومن ثم اختلاف النتائج.

ولكن ما يهمنا إبرازه هو أن هذا التداعي الزمني وتقليد الجماهير العربية لما يحدث في بلاد عربية أخرى، يدل على وجود تشابه وتماثل وجداني عربي، وعلى تماثل وتشابه في معاناة الجماهير العربية من ظاهرة الاستبداد العربي واستمرارها لفترة طويلة وخاصة في النظم الجمهورية، بحيث أصبح من العسير التفكير في التخلص منها أو رؤية الضوء في نهاية النفق العربي المظلم.

ولقد حظيت الجامعة العربية بقدر لا بأس به من حالة الغضب العربي حتى قبل اندلاع الثورات والانتفاضات، إذ نظرت إليها كثير من الشعوب العربية على أنها منظمة حكومات وتعكس في عجزها عجز الحكومات أيضا بل انه بعد قرار الجامعة الأخير إعطاء سورية مهلة أسبوعين كتب أكثر من باحث وصحافي ومفكر سياسي في أكثر من بلد عربي منددين بموقف الجامعة وعجزها عن حماية الشعوب ضد قمع الحكومات المستبدة.

أضف لما سبق ضعف ومحدودية إنجاز مؤسسات العمل العربي المشترك رغم تعددها وتساءل البعض كيف يمكن إخراج الجامعة من حالتها الراهنة وتساءل آخرون ان قرارات إصلاح الجامعة التي اعتمدتها قمة تونس العام 2004 لم تسفر سوى عن أجهزة جديدة عاجزة أيضا وإصلاح وهمي ولهذا لم يكن هناك إلا الثورات لإصلاح الدول العربية ثم التحول لإصلاح الجامعة العربية أو ربما إنشاء جامعة جديدة بمفاهيم جديدة تدرك معنى الديمقراطية ومعنى حقوق الشعوب وحقوق الإنسان ولا تصدر أقوالا وإنما تقوم بأفعال ولذلك استبشر البعض خيرا بلجنة الحكماء التي شكلها الأمين العام نبيل العربي والتي أسندت رئاستها للدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي والذي مثل الأمم المتحدة في مواقع كثيرة كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة. ولكن المشكلة هي أن الجامعة ربما ليست في حاجة للجنة حكماء وإنما للجنة شباب دون الخمسين يعرفون أساليب القرن الحادي والعشرين وفكره وتطلعات الأجيال العربية الجديدة حتى يمكنها التفكير بمنطق العصر وتطلعاته وآماله أما الحكماء فلن يقدموا شيئا بأكثر من ملف إضافي لملفات إصلاح الجامعة المليئة بها الأدراج أن الجامعة في حاجة لجيل شباب يعبرون عن الواقع العربي المعاصر وطموحاته وخاصة ان ثورات مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية وغيرها لم يقدها الحكماء بعقلهم ورزانتهم وحكمتهم وإنما قادها الشباب عبر الفيسبوك والتوتير والإنترنت.

من هنا ينبغي أن يشمل منهج تطوير الجامعة العربية تفعيلا حقيقيا للإدارات التي أنشئت مثل إدارات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وحوار الثقافات والحضارات والتخطيط الاستراتيجي والتفكير خارج الصندوق وغيرها من إدارات الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي الحديث.

وبما أن إحدى مشاكل العمل العربي المشترك هو تمثيل الموظفين لبلادهم ومحدودة خبراتهم وإيمانهم بالعمل العربي المشترك ومن ثم فمن الضروري تطوير أسلوب التوظف ليكون باختيار العناصر المؤمنة بالعمل العربي المشترك مع تنوع الموظفين بتعدد الأعضاء في الجامعة تحقيقاً لتفاعل النخب السياسية والإدارية والفكرية والثقافية والاقتصادية. وكذلك عدم اقتصار وظائف معينة على جنسيات معينة فهناك دول دأبت على احتكار مناصب معينة بلا أي إضافة نوعية للعمل ومن الضروري تدوير جميع المناصب القيادية في الجامعة بين الجنسيات المختلفة وفقاً للخبرة والكفاءة. أما مكاتب الجامعة في الخارج وهي بمثابة سفارات عربية نائمة تعمل في إطار الروتين كسكرتارية للسفراء العرب في أحسن الأحوال وذلك إذا لم تدخل معهم في خلافات ومنازعات كما أصابها التكلس لطول بقاء مديري المكاتب في الخارج لسنوات كثيرة دون أي اعتبار للتغيير ولذا فمن الضروري إعادة النظر في ذلك بتحديد فترة عمل مديري مكاتب الجامعة في الخارج بأربع سنوات أو على الأكثر 6 سنوات لضمان تجديد الدماء وتحديث الخبرات، والشيء نفسه لمناصب الأمناء العامين المساعدين والمستشارين والمديرين وأيضاً في قيادات منظمات العمل العربي المشترك، وهذا يتيح للجميع المشاركة ويشعر بأن العمل العربي المشترك، هو ملك للجميع، وليس لدولة أو لعدد محدود من الدول أو لعدد محدود من الأفراد والأمر ذاته بالنسبة لرؤساء منظمات العمل المشترك الذين أصاب بعضهم الوهن وقصور الفكر حتى أن أحدهم أصدرت منظمته تقريرا عن مجال عمل منظمته وجدت انه لا بأس به وأرادت تشجيعه فكتبت مقالا في الصحافة عن التقرير وأرسلت له رسالة تشجيع وبها بعض الملاحظات لتحسين العمل والأداء فلم يقرأها وإذا كان قرأها فلم يعلق عليها وهذا نمط من القصور الفكري وعدم معرفة فن التواصل الذي هو ابسط قواعد التعامل بين البشر.

وبمناسبة تولي أمين عام جديد للجامعة العربية فإنني اقترح عليه التفكير في إنشاء ما يمكن أن نطلق عليه مجموعة أصدقاء الجامعة العربية في كل دولة عربية يعملون طوعياً لنشر الفكر القومي الوحدوي العربي على غرار جمعيات الصداقة بين الدول المختلفة وذلك للتعريف بالجامعة وإحياء مفهوم العمل العربي المشترك والفكر القومي العربي الذي فقد أو كما قال الشاعر العربي الكبير المرحوم نزار القباني منذ سنوات متى يعلنون وفاة العرب؟

إن ما يثير الدهشة والاستغراب هو ضعف وعدم تفعيل إدارة مثل الإدارة الثقافية والتي كانت عندما نشأت الجامعة تضم عمالقة من قادة الفكر في الدول العربية. وأدى ذلك لإنشاء معهد الدراسات والبحوث العربية العريق الذي تولى الإشراف عليه لفترة عميد الأدب العربي طه حسين. ولكن هذا المعهد كغيره من مؤسسات الجامعة تراجع وضعه في السنوات الأخيرة، حتى أن عدداً من الدول العربية الخليجية أصبحت لا تعترف بالشهادات العلمية التي يصدرها على رغم أن الكثير من قيادات الثقافة والتعليم والسياسة في بعض تلك الدول من خريجي هذا المعهد العريق.

إن عالم القرن الحادي والعشرين يقوم على التخطيط الاستراتيجي والتفكير العلمي، ولذا ينبغي على الأمانة العامة أن تفكر في مواكبة العصر بإنشاء إدارة للتخطيط والتفكير الاستراتيجي في قضايا العمل العربي المشترك وفي العلاقات العربية مع دول العالم والانفتاح على دول مجموعة BRICS (الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا)، فضلاً عن إعادة الحياة للمؤسسات الخاصة بالحوار والشراكة العربية الأوروبية وكذلك الانفتاح على القوى الإسلامية مثل تركيا وإيران وماليزيا واندونيسيا في إطار منظمة التعاون الإسلامي مع التركيز على أن الهدف هو المصالح المشتركة وليس مجاراة سياسة هذه الدولة أو تلك.

إن تدريب وتأهيل موظفي الجامعة العربية على العمل العربي المشترك من منظور عربي يعد ضرورة لبلورة وحدة فكرية فيما بينهم.

كذلك وضع وثيقة استراتيجية للأمانة العامة لجامعة الدول العربية للعمل في إطارها على غرار الوثيقة الاستراتيجية التي بلورها أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني تتضمن الأهداف والوسائل والأولويات والبرامج، ناهيك عن أهمية الربط بين التجمعات العربية الفرعية مثل مجلس التعاون الخليجي أو الاتحاد المغاربي الذي يمكن إحياؤه بعد التغيرات الحالية في دول الشمال الإفريقي وبين الجامعة العربية الأم يعد بدوره من الأدوات لتحريك وتفعيل العمل العربي المشترك

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3338 - الخميس 27 أكتوبر 2011م الموافق 30 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:04 ص

      مكامن الخلل

      الجامعة الجدار الهبيط ...للقفز و النقد والتهكم ...ولكن الخلل الحقيق يكمن في أذرعها وقواعد تحريكها الدول العربية الأعضاء ..فالجامعة هيكل يعتمد في تطوره وتقدم وأسلوب عمله على الدول الأعضاء ..الذي بداء الربيع العربي يعكس مكامن ضعفها وعدم قدرتها على تطوير مؤسساتها وإداراتها المتكلسة....مع التحية الدلموني

    • زائر 3 | 5:40 ص

      عندي شعور ان هذه الجامعة سوف يكون حالها افضل

      في المستقبل
      بعدما ينصلح الوضع في مصر، وتونس، وليبيا واليمن وسوريا، فإنها سوف تكون مصدر ضغط على الانظمة الدكتاتورية في الوطن العربي

    • زائر 2 | 3:02 ص

      يا ابو جلال الجامعه العربيه بسها هم

      يا عمي الجامعه العربيه عجزت وخرفت بعد ونظرها قل وايد والسمع عندها فيه مشاكل يعني يبوجلال جامعتنا صمخت ترى وما ترضى تروح طبيب خاص اتقول غالي رغم ان عيالها اللي بيدفعون المشكله كل الاتفاقيات اللي على الرفوف في الجامعه العربيه ماتصلح للربيع العربي والمشكله اللي اكبر واتخوف وايد ان اسنانها بدت تقلقل وفي خبر انها يمكن اطيح داخل حلجها وانخاف تبلعهم بغفله وتروح جامعتنا الصوريه في البي باي ادعو لها بلعافيه يبوجلال

    • زائر 1 | 12:42 ص

      الفاتحه

      رحم الله من اعاد الفاتحه واهداها لجامعه الدول العربيه.فالموت علينا حق.هم السابقون ونحن الاحقون.الفاتحه يرحمكم الله

اقرأ ايضاً