العدد 3341 - الأحد 30 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي الحجة 1432هـ

رفقاً بالديمقراطية العربية الوليدة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في هذه اللحظة التي تتفجَّر فيها التفاعلات السياسية الكبرى في الأرض العربية، وعلى الأخصِّ في تونس ومصر وليبيا، البلدان المحتفلة تحت رايات النَّصر، ينبغي أن نطرح على من يعتبرون أنفسهم ليبراليين أو علمانيين أو يساريين عرباً، سواء في ساحات السياسة أو الإعلام، هذا السؤال:

ما التعريف للديمقراطية الذي ترضون به: أهو التعريف المختصر الجامع الذي نطق به الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن، وذهب مثلاً أممياً، من «أن الديمقراطية هي حكومة الشعب، بواسطة الشعب، ومن أجل الشعب» أو حتى التعريف المبسَّط للناقد الأميركي هـ. ل. منكِن بأن «الديمقراطية هي النظرية القائلة بأن الناس يعرفون ما يريدون وأنهم يستحقون الحصول على ما يريدون»؟

أم أنكم في قرارة أنفسكم تنظرون إلى الديمقراطية بنفس الطريقة السَاخرة التي عبَّر عنها الكاتب الايرلندي السَاخر الشهير برنارد شو بأن «الديمقراطية (لا تفعل أكثر من أنها) تستبدل عملية التعيين بواسطة قلَّة فاسدة بعملية الانتخاب من قبل كثرة غير مؤهَّلة ولا كفؤة»؟

نطرح هذا السؤال بسبب ما نشاهده وما نسمعه من ولولة وشقّ الجيوب وذرف الدّموع وآهات الحسرات كلما بدا في الأفق أو حدث في أرض الواقع أن ثورات الربيع العربي ستنتهي ببروز ملفت أو نجاحات انتخابية كبيرة لهذه الحركة السياسية الإسلامية أو تلك، في هذا البلد أو ذاك. فإذا كانت الانتخابات نزيهة ومحكومة بقوانين تحدُّ من بيع الذمم وتساوي بين فرص المتنافسين إبّان الحملات الانتخابية، كما حدث في تونس المبهرة دوماً وكما هو مؤمّل أن يحدث في مصر وليبيا قريباً، فان العملية الأساسية لتنظيم الجانب السياسي من الديمقراطية سليمة، وبالتالي يجب ألا تصبح مشكلة عند أحد ولا تؤدّي إلى التحليلات والمخاوف الصّبيانية التي نشاهدها ونسمعها على شاشات التلفزيون، فالانتخابات النزيهة شرط ملزم لوجود الديمقراطية السياسية، وعندما تتحقّق يجب الاحتفال بها من قبل الجميع مهما كانت النتائج .

يبقى إذن جانب آخر يقلقكم ويثير الغبار والشكوك من حول كل عملية ديمقراطية في وطن العرب، إنه الجانب الايديولوجي. وهنا أيضاً، أين المشكلة؟ ففي السنين الأخيرة، عبر كتابات وتصريحات ومواقف لا حصر لها ولا عدّ، بحَ صوت الحركات السياسية الإسلامية وهي تؤكّد بأنها أصبحت تؤمن بالديمقراطية كتنظيم للحياة السياسية العربية، وبضرورة التعددية السياسية والثقافية التنافسية الشريفة، وبحتمية تبادل السلطة السلمي كاستجابة لإرادة الشعب، مصدر السلطات كلِها، وببناء مجتمع مدني لا هيمنة ولا تحكُّم فيه لرجال ومؤسسات الدّين، بل وأن بعضها، كحركة النهضة في تونس، أكّد تمسُّكه بالعلمانية، بمعنى فصل المجال السياسي عن المجال الديني في نظام الحكم.

ألا يكفي كل ذلك لأن نبدأ بالتوقُّف عن حملات إثارة القلق والمخاوف الهستيرية بشأن المستقبل وحتمية قيام دكتاتوريات دينية كلما برز أو نجح حزب إسلامي سياسي في أية انتخابات؟

ثم إن هناك، في قلب كل ما سبق مسألة الحرية الفكرية والضميرية والمشاعريّة لدى النّاخب العربي. فإذا كان هذا الناخب لا يريد القفز فوق الثقافة الإسلامية، المتجذرة في التاريخ وفي واقع الحياة اليومية، ويريدها أحد مكوّنات الفكر السياسي والأنشطة السياسية، وبالتالي يميل لانتخاب ممثّلي الحركات الإسلامية السياسية، التي تعرض نفسها كوسطية معتدلة غير متزمّتة وقادرة على التعايش مع الآخرين والتنافس معهم دورياً بشرف ونزاهة، إذا كان الناخب يريد ذلك فلماذا لا تحترم ارادته؟ وإذا كان هناك من يريد تغيير أو تعديل أو تحسين هذه التركيبة في عقل ووجدان النّاخب العربي، فمن سيمنعه عن أن يحاول ذلك في المجال السياسي الديمقراطي الذي تسعى الثورات الشبابية العربية بناءه ؟

إن المصلحة العربية الوطنية والقومية ودروس الماضي القريب والتسامح المرجو في الحياة السياسية العربية الجديدة يتطلبون عدم الرُّجوع لارتكاب أخطاء الماضي القريب عندما دخلت الحركات القومية واليسارية والليبرالية في معارك تشنجيّة عبثية دو نكشوتية مع الحركات الإسلامية السياسية أدّت إلى اختطاف المجتمعات العربية من قبل العساكر والمغامرين الفاسدين والأحزاب الانتهازية.

إن الاختلافات الفكرية والاستراتيجية والايديولوجية فيما بين الأطياف السياسية العربية مقبولة، بل وضرورية، لكن ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية المحترمة. فالديمقراطية، التي هي في الأساس نظام غير مثالي وفيه مثالب نظرية وتطبيقية كثيرة، لا تكون محترمة إن لم تتصف ممارستها قبل كل شيء بفضيلتي الإنصاف والتسامح من قبل كل الأطراف العاملة تحت ظلّها وحسب مبادئها الأساسية، ومن ضمنها إعطاء الفرصة لإثبات حسن النيّة.

إن الفيلسوف البريطاني المعاصر أس. سي جريلنج يقول بنقد لاذع بأن «الحضارة الغربية كانت مناهضة ومعادية للديمقراطية (Anti-Democratic في معظم تاريخها «، وهو حكم قاس ولكن فيه كثير من الصحة ومن الحكم السّلبي على الإنسان نفسه. فإذا كان هذا الحكم يأتي بعد مئات السنين من الادّعاء بالممارسة الديمقراطية في الغرب، فإننا يجب ألا نبدأ مسيرتنا الديمقراطية بأقوال وتصرّفات ومواقف غير ديمقراطية ومحبطة لممارسيها. إننا في هذه الحالة سنشوه سمعتها وسنعطي المجال لكل مستبد معتوه أن يعود ليختطف حياتنا السياسية العربية ويهيمن عليها

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3341 - الأحد 30 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 8:12 ص

      شكرا

      اكتب فكم كنت صادقا اكتب عن وطني وجرحه اكتب بثقلك الواسع لتكون شيئا من بلسم يطيب به الجرح وينتصر به الحق وان كلفك هم شكرًا .

    • زائر 12 | 8:12 ص

      شكرا

      اكتب فكم كنت صادقا اكتب عن وطني وجرحه اكتب بثقلك الواسع لتكون شيئا من بلسم يطيب به الجرح وينتصر به الحق وان كلفك هم شكرًا .

    • زائر 11 | 6:42 ص

      فخر البحرين انت استاذنا

      استاذنا الفاضل
      منحتني الشعور بالامان لانك نموذج لقبول الاخر والتعايش من خلال طرحك الموضوعي جدا والواقعي جدا دمت لنا عقل منيرا ولؤلؤة من عقد دلمون . تحياتي وبالغ تقديري .

    • زائر 10 | 5:19 ص

      امثالك يادكتور هم الضمانه

      نعم دكتور لولا انحراف البوصله لوصلنا الى شاطى الامان من وقت انت ومن سار درب الاصاله الشعبيه من رفاقك انت ضمان الوحده ورغم تقدمكم في العمر نبتهل من الله ان يمد فيه فمازلتم امل المستقبل مهما طال الليل ستبزغ الشمس من جديد حتى لو طال ليلنا وصار بطول ليل اورانوس ترى دكتور نشره عليك وايد مقصر في كتاباتك الديره محتاجه لاشراقتك مع كل شمس حفظك ربي

    • زائر 9 | 3:51 ص

      الكل يناديك يا فخرنا يا دكتور علي فخرو

      مقالك يعبق بريح الحرية والأمل، لا تغيب عنا بكتاباتك الحرة فهي التي تمدنا بالآمال التي ستتحقق لو كان بالبحرين عشرة من أمثالك لا أكثر.
      فشكراً لك وأطال الله عمرك.

    • زائر 8 | 3:03 ص

      المشكلة في الحماس الزائد دون وجود الخبرة

      هناك الكثير من الشباب يقومون بأعمال جبارة ومبهرة
      يصنعون المستحيل ويركبون الصعب ولكن للاسف
      في بعض الأحيان تنقصهم الخبرة والحكمة. فالحماس هو شيء جيد ولكن اذا لم يطوق ويحمى بالخبرة والحكمة ربما في بعض الأحيان يظل الطريق
      لذلك ينبغي على الشباب وهم يتحركون ويبدعون ان يضعوا نصب اعينهم اسشتارة من لديهم الخبرة من المخلصين وليس كل من لديه خبرة المخلصين منهم
      وإلا فمن لديهم الخبرة بعضهم من المثبطين والمحبطين
      والمتقاعسين
      اخذ رأي الحكيم الفطين المخلص فقط

    • زائر 7 | 2:57 ص

      لماذا غابت الاقلام الحرة

      غياب الاقلام الحرة ضربة موجعة لحركات التحرر فاين أنتم يااحرار يامفكرين لاتبتعدوا كثيرا عن قضية وطني فهو اولى باهتمامكم خاصة اليوم

    • زائر 6 | 2:01 ص

      رجل والرجال قليل

      الصراحه المقال ممتاز بكل المقاييس
      الله يحفظك من كل سوء . كثر من هذه المقالات نحن في حاجه لها وخاصة هذه
      الايام .

    • زائر 3 | 1:20 ص

      أعجبني كلامك يا دكتور

      تحلي ومعلومات جميلة وناطق منطقي وحنون يتصف بالصبر والحكمة في ثقافة متنوعة، أعجبني مقالك يا دكتور أدامك الله لنتلهج من علمك ومعرفتك وثقافتك واتزانك السياسي الحكيم كثر الله من أمثالك.

اقرأ ايضاً