العدد 3342 - الإثنين 31 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي الحجة 1432هـ

في انتظار طوق نجاة...

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ماذا تنتظرون أيها الناس؟ وهل الانتظار في حد ذاته فلسفة حياتية أم الحراك هو الفلسفة؟ أيمكن أن يكون الانتظار بإيجابية هو مفتاح بارقة الأمل؟ وما هو عنوان انتظاركم؟ تعالوا نرى.

ربما البعض يعرفون معنى هذا العنوان «في انتظار غودو» وخصوصاً أهل المسرح والفن عموماً. فهذا عنوان أشهر مسرحيات الكاتب الايرلندي (صمويل بيكيت-Samuel Beckett) والعنوان بالإنجليزية:(Waiting for Godot‏) بالمناسبة لا يعطي نفس المعنى الحرفي في الترجمة العربية. تدور المسرحية حول رجلين يدعيان «فلاديمير» و»استراغون» ينتظران شخصاً يدعى «غودو». وأثارت هذه الشخصية مع الحبكة القصصية للمسرحية الكثير من التحليل والجدل حول المعنى المبطن لأحداثها. ومع ذلك فقد حازت على تقييم بأنها أهم عمل مسرحي في القرن العشرين كتب باللغة الإنكليزية رغم أن النص الأصل لم يكتب بهذه اللغة. فقد كتبها (بيكيت) باللغة الفرنسية ثم قام بنفسه بترجمتها في نسخة أخرى بالإنكليزية ما بين 9 أكتوبر/ تشرين الأول 1948 و29 يناير/ كانون الثاني 1949، وعُرضت تلك المسرحية لأول مرة في 5 يناير 1953.

ومع أن الانتظار في تلك المسرحية ليس من ورائه طائل ولا حتى أمل لذا اعتبر العمل من مسرح العبث. والسبب في ذلك، أن الانتظار بحد ذاته عبث حقيقي خالص، خاصة عندما يكون الشيء المنتظر لا وجود له أصلاً أو لا معنى له، بل لا هيئة له.

أهو المنقذ، أم هو طوق النجاة لحالم في لجة البحر خوفاً من الغرق المحيط به في كل لحظة؟ أم هو الشافي؟ أم من يجعل الحلم حقيقة؟ من هو؟ أهو الأمل، الفرح، السعادة؟ أهو الموت، الفراغ، اللاجدوى؟ من هو هذا القادم الذي نقضي أوقاتنا في انتظاره كما قضى أبطال (بيكيت) حياتهم في انتظاره دون جدوى، وسط يأس كامل، وطبيعة جرداء، أهو الطفل الذي جاء لهم بعدة أخبار متناقضة، مرّة يقول إنه سيجيء، ومرّة يقول إنه لن يأتي اليوم، أهو الإنسان القوي المستعبد لغيره من الضعفاء المسالمين، أم هو المستعبد لمن تمرغوا في تراب الاستعباد حتى أضحوا عشاقاً متيمن به ولا يستطيعون العيش بدونه ولو أراد السيد أن يعتقهم منه؟

من هو (غودو)؟ أهو الزمن الذي يحطم البشرية شيئاً فشيئاً، ويقودها، وهي ساهمة لاهية، لتشرب من كأس الموت؟ أم هو العبث حيث لا شيء يحدث ولا شيء يتغير رغم كل الحراك المتصاعد من حولنا. هل هو العبث بالناس حيث باطل الأباطيل باطل؟

في مسرحية (غودو)، الحوار مقطوع، مبهم، مرتبك، لا يوصل رسالة ما، أي رسالة كانت. المتحاورون لا يقولون شيئاً مفيداً، ربما لأن فاجعتهم فيما حدث لهم في بلادهم أكبر من أن توصف، وأكبر من أن يُعثر لها على حلٍ ناجع؟

هكذا نرى أبطال (بيكيت) وأبطالنا معهم يتحدثون فقط، لتمضية الوقت. إنهم يتحدثون عن أي شيء كان ليقتلوا الصمت المحيط بهم وبوضعهم رغم تلك الأفواه المزبدة المرعدة التي تصرخ ليلاً ونهاراً في أعضاء جسدها الأخرى علها تستطيع أن تقتلعها وترميها بعيداً ليبقى الصراخ في هيكل عظمي تذروه الرياح. فالصمت مرعب وسط طبيعة جرداء، والانتظار أكثر رعباً. أليس؟

هي مسرحية الواقع إذن في اللاقول، ويراد منها أن تقول شيئاً، ومسرحية اللافعل، ويراد منها أن تفعل شيئاً لينير لنا ظلمات الوطن وخواءه واضطرابه وقلقه الحالي. إنها مسرحية اللامنطق في وطن يتظاهر بالمنطق وفي داخله فوضى مرعبة. إنها مسرحية اللامسرح في وطن صار الممثلون الهزليون فيه أكثر من الجمهور.

ولذا عندما سئُل الكاتب (صموئيل بيكت) من هو غودو؟

أجاب: لو كنت أعلم من هو لكتبت ذلك في المسرحية.

فهل نحن في حاجة لانتظار (غودو) السلبي العبثي كما هو بطل (بيكيت)؟ أم نصنع (غودو) من نوع جديد إيجابي وليس سلبياً عبثياً يجعلنا في انتظار ألا نسمع عن هضم حقوق أي إنسان مهما عبر عن شعوره وأحاسيسه أو لم يعجبنا موقفه. في انتظار ألا نسمع عن اعتقال رؤساء وأعضاء جمعيات حقوق الإنسان في كل مكان. في انتظار ألا نسمع أنين الثكالى والأرامل وصرخات الأطفال باحثين عن أبائهم الذين دسوا في القبور. في انتظار ألا نسمع أي تشويه لصورة أي مكون من مكونات المجتمع الطبقية أو العرقية أو الدينية أو الطائفية. في انتظار أن نحرص على كل مواطن كما حرص مسئولو الكيان الصهيوني على أصغر أسراهم بل وحتى على رفات الموتى من جنودهم. في انتظار زارعي الأمل الحقيقي والمتابعين لريه بأعطر المياه على الأرض. في انتظار صناع البسمة على وجه الرضيع قبل الهرم. في انتظار أن نستيقظ ذات يوم على ربى الوطن ونسمع نداء يصيح بالناس من كافة المآذن: حي على خير العمل من أجل الوطن... حي على التآلف والتراحم والتكافل من أجل الوطن. والإنسان المفعم بالأمل لا يعرف إلا زراعة الأمل عند كل الشواطئ وهو يرى في أفق البحر عند حُمرة شفق الشروق طوق نجاة لا مثيل له تدفعه العناية الإلهية بأمواج رقراقة قرب حواف الجزر. عندها سنعرف أن العرض المسرحي قد انتهى وبدأ الفعل الحقيقي بلا انتظار عبثي. وعندها سيعلم (بيكيت) وغيره من هو (غودو) بل سيعيدون كتابة مسرحياتهم من جديد لا لتحاكي الواقع بل لتكون هي الواقع بعينه

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3342 - الإثنين 31 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً