العدد 3345 - الخميس 03 نوفمبر 2011م الموافق 07 ذي الحجة 1432هـ

فلنسر في خطى المصالحة الوطنية وإن طال السرى

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثبتت الوقائع التاريخية وتجارب الأمم أن المصالحة الوطنية المستدامة هي السبيل الضامن لاستقرار الأوطان وازدهارها. فما من أزمة وطنية وجدت طريقها الى الحل الآمن والسليم من دون مصالحة بين الأطراف المتنازعة. كما تثبت التجارب من حولنا يوما بعد يوم أن الأساليب البديلة للمصالحة المستدامة والتوافق لها أثمان باهظة ومؤلمة يدفعها الوطن على مدى أجياله القادمة، وحتى بعد دفع فاتورة هذه البدائل تبقى المصالحة الوطنية هي الملجأ الأول والأخير الذي عادة ما تلجأ إليه الأطراف المتنازعة.

يتناول هذا المقال أهمية المصالحة الوطنية في بلادنا الغالية من عدة محاور وهي: المحور المحلي، المحور الإقليمي، والمحور الدولي.

في المحور المحلي سنتناول عاملين اثنين هما الأبرز والأكثر إثارة للقلق والهم الوطني. وهذان العاملان هما عامل وحدة الوطن وتماسكه، والعامل الآخر هو عامل الاقتصاد والوضع المعيشي لجيلنا الحاضر والمستقبل.

فبالنسبة للعامل الأول برزت الى السطح وبصورة مخيفة ظاهرة الاستقطاب الطائفي التي أوجدت شرخا في الصف الوطني بات استمراره يهدد السلم الأهلي ويضع الوطن بمجمله في مهب الريح. وهذه الظاهرة الخطيرة لم تطرأ عبثا بل جاءت نتيجة استدعاء التطرف الذي مهد لثقافة الكراهية المطلوبة لإحداث الانشطار الوطني والتي على إثرها تعالت صيحات التسقيط من جانب وصيحات الإلغاء والتغريب من جانب آخر. في وضع هكذا مخيف ومشحون يبقى الوطن أمام خيارين وهما استمرار السير نحو المجهول أو البحث عن مخرج يحمي المنجزات ويعيد للوطن عافيته. إن استذكار تجارب من سبقونا سواء بالأمس في العراق أو لبنان، أو ما قبله في جنوب إفريقيا وحتى الولايات المتحدة الأميركية كفيل بإنارة طريق العقلاء للتبصر في حلول آمنة لمشاكل الوطن.

أما العامل الثاني في هذا المحور وهو العامل الاقتصادي فمن البديهي جدا القول إن الاقتصاد السليم كالعقل لا ينمو إلا في الجسم السليم. فرأس المال سواء أكان محليا أو أجنبيا لا يبحث إلا عن بيئة سليمة وصالحة وآمنة يعتبر الاستقرار من أهم متطلباتها. وإذا ما تأملنا في الطبيعة المتواضعة لاقتصادنا الوطني والرقعة الجغرافية والديموغرافية المحدودة فيمكن التسليم بالقول إن بلادنا ليس بإمكانها تحمل خدوش صغيرة عابثة ناهيك عن انشطار في عمودها الفقري. وهنا أيضا يمكن الاستنتاج بقناعة وارتياح ان مخرجا لمصالحة وطنية مستدامة تعطي لكل ذي حق حقه هو المسلك الأسلم لتنفيذ طموحات التنمية في عالم تسوده روح المنافسة الشرسة لاستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

المحور الثاني وهو المحور الإقليمي، إن الأحداث الجارية في بلادنا لا يمكن فصلها عن محيطها الإقليمي من حيث التأثير والمسببات المتبادلة. ان اقتناع أطراف النزاع بهذه الحقيقة يضع عليها مسئولية عدم تجاهل تأثيرات المحيط والالتزامات المحلية تجاهه. من جهة أخرى فإن المعالجة الخاطئة لهموم الوطن ستكون لها انعكاساتها السلبية ليس على المحيط وحده بل حتى على مصالح دول حليفة خارج الإقليم. فالتحولات الكبيرة والمفاجئة التي تشهدها بعض دول المنطقة لن تصبح من غير تأثير على موازين القوى والتي رسم الانسحاب الأميركي من العراق أبرز ملامحها. ومن جانب آخر فإن الحلول الخاطئة لهموم الوطن المتمثلة في التخندق الطائفي هي بمثابة استدعاء للاستقطاب الإقليمي واستجلاب للشر بمثله عوضا عن كونها وسيلة لتحويل بلادنا الى ساحة لتصفية حسابات لنزاعات إقليمية ودولية.

ان إدراكنا لهذه الحقائق يجب ان يوفر الحافز للجميع للإبحار بالوطن إلى بر الأمان.

المحور الثالث وهو المحور الدولي، فالبحرين تتمتع بموقع استراتيجي في منطقة حيوية للاقتصاد العالمي. وهذه الميزة هي التي أقنعت دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية باعتبارنا حليفا استراتيجيا لها. وهذه الشراكة بقدر ما هي مفيدة لنا فإنها تضع علينا التزامات تجاه الحليف الآخر أقلها التشاور لتجنب كل ما من شأنه الإضرار بالمصالح المشتركة بين الطرفين المتحالفين. فالحليف الاستراتيجي يعاني اقتصاده من تبعات أزمة مالية خانقة تمثلت في عجز مالي وديون خارجية وبطالة مرتفعة أصبحت في طريقها لأن تعصف بنظامه السياسي والاقتصادي. وفي وضع كهذا ليس بإمكان هذا الحليف تحمل أعباء مالية إضافية قد تسببها أسعار مرتفعة للنفط المستورد من دول المحيط. من هنا تصبح المحافظة على إمدادات وأسعار النفط هدفا لا يمكن تحقيقه من دون استقرار كامل يمنع تطاير الشرر الى مناطق النفط الحيوية. وهذه الحقيقة يدركها الحليف الاستراتيجي كما يدركها بالمقابل مناوئوه في المنطقة الذين يدركون مجمل مكامن الألم فيه. في وضع بالغ الحساسية والدقة كهذا فإن لعب الأوراق تتطلب مهارة تأخذ من تحليل الأرباح والخسائر منهجا في علاج الأزمات بدلا من أساليب التشنج المستمد من ثقافة الكراهية. ان إدراكا عميقا لمستحقات شراكة دولية كهذه يفرض على الجميع قدرا من التواضع والتأمل في مخارج واقعية تأخذ في الحسبان متطلبات الداخل وتوقعات الحلفاء في العالم والأصدقاء في الإقليم.

إن فهمنا المشترك لمضمون هذه المحاور المترابطة كفيل بأن يحفزنا للبحث عن حلول مستدامة لمشاكلنا الداخلية تضعنا في موقع الريادة السياسية والتعايش الحضاري كما كنا دوما في مواقع أخرى توفرت لنا فيها عوامل التفوق والنجاح. من جهة أخرى فإن استحضار تجارب السابقين تختصر أمامنا الطريق وتجنبنا تكرار الخطأ. فهل نستلهم الدروس ونصغي للعقل ونتواضع لبعضنا البعض في حب الوطن؟ فمهما توفر لدينا من خيارات ستبقى المصالحة مع الذات هي قدرنا المحتوم وإن طال السرى

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3345 - الخميس 03 نوفمبر 2011م الموافق 07 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:27 ص

      استاذي العزيز

      ان امر رجوع الوطن للمواطنين ورجوع المواطنين الى حضن الوطن والكل ايلم الكل ما يحتاج الى احلام واماني يحتاج الى شجاعه وموقف رجال اذا ما صار اللي تبيه برمت شواربها بكفوفها ورمت اغترها والعقل على الارض استاذي التعالي والعناد والتجبر عادات ماتصلح في زمان مثل هلزمان وديننا الحنيف ما يشجع الانسان المسلم على اطباع مثل هذي وربنا على شان يوحدنا كبشر يقول سبحانه (فلينظر الانسان مما خلق خلق من ماء دافق ) يعني كلنا جئنا للحياه بنفس الطريقه فنتعالى ونترفع ونتباهى على بعضنا بشنوا غير اكرمكم عند الله اتقاكم

    • زائر 1 | 1:30 ص

      المشكلة فيمن اثقل الحجر

      لقد اكثر البعض من التهجم على طائفة بأكملها ولم يدخر وصفا لاذعا في قاموس السب والشتم الا واستخدمه
      وبقد استخدام اقصى انواع الشتم والسب فاللازم
      استخدام كلمات التوبة التي تتناسب مع ما قيل
      حتى تمحو اثره ولا اظن الفريق الآخر على اهبة الاستعداد لذلك فلا زال البعض يزيد من السب والشتم وذلك يزيد من كلفة الرجعة

اقرأ ايضاً