العدد 3347 - السبت 05 نوفمبر 2011م الموافق 09 ذي الحجة 1432هـ

السودان: مزارعو الكفاف في ولاية النيل الأزرق مجبرون على الفرار

تجلس حواء غوندي التي تبلغ من العمر 21 عاماً على ملاءة خارج خيمتين مؤقتتين بالقرب من قريتها سالي، حيث تعيش عائلتها المكونة من ثمانية أفراد الآن على وجبة واحدة يومياً. وشكت حواء، وهي تحتضن طفلتها فاطمة البالغة من العمر أربعة أشهر، أن أطفالها الثلاثة الآخرين لقوا حتفهم منذ بدء النزاع في ولاية النيل الأزرق السودانية في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول.

وشرحت سبب وفاتهم قائلة «أصيبوا بالمرض ولم أتمكن من إعطائهم الدواء فماتوا»، مشيرة إلى أن فاطمة مصابة الآن بالإسهال وتعاني من الحمى ليلاً. وأضافت: «سمعنا صوت الأنتونوف (الطائرة المستخدمة من قبل القوات المسلحة السودانية لإسقاط القنابل). نحن نعرفها جيداً»، مشيرة إلى تعرض قريتها سالي للقصف واضطرارها وعائلتها إلى الرحيل عنها. «ليس لدينا ما نأكله. نذهب إلى الأدغال ونبحث في المزارع القديمة عن بعض الذرة التي مازالت تنمو، فنقطفها ونعد منها العصيدة... إن المواجهات بين القوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، قسم الشمال، بعيد جداً عن هنا، لذلك فإنني لا أستطيع أن أفهم سبب تحليق طائرات الأنتونوف على قريتنا وإلقائها القنابل».

وكانت الاشتباكات بين الجانبين مستمرة في ولاية النيل الأزرق منذ 2 سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما أرغمت القوات المسلحة السودانية حزب المعارضة السياسية الذي تحول إلى مجموعة من المتمردين على الرحيل من الدمازين، عاصمة الولاية.

وفي مستوطنة قريبة حيث تجمع نازحون آخرون، يقوم عرفة البشير بتقليب وعاء به بعض الحساء المصنوع من البامية الذي سيستعمل بالإضافة إلى ما تم جمعه من المزارع المهجورة من ذرة رفيعة لإطعام 10 أشخاص تزاحموا حول خيمة واحدة.

وتتكرر هذه المشاهد من البؤس في جميع أنحاء منطقة النزاع بسبب فرار الناس من قراهم خوفاً من القصف الجوي.

وفي هذا السياق، أفادت المفوضية السامية لشئون اللاجئين أن 27,500 شخص فروا بسبب الصراع الدائر في ولاية النيل الأزرق إلى دولة إثيوبيا المجاورة منذ مطلع سبتمبر. ومن المقرر أن تفتح المفوضية معسكراً ثانياً على بعد 200 كيلومتر من الحدود يتسع لنحو 3,000 شخص، بينما يتواصل القتال وعمليات القصف الجوي من طرف القوات المسلحة السودانية.

وعلى الرغم من أن عائلة غوندي لم تفر بعيداً عن المناطق الزراعية، إلا أن الذرة المتاحة لها ولمن معها ستنفذ قريباً كما ستتأثر سبل عيشهم أيضاً. وأشارت حواء إلى أن طائرة أنتونوف جاءت قبل بضعة أيام وقصفت النهر الذي تبحث فيه عن الذهب لبيعه في الكرمك، وهي بلدة تقع قرب الحدود الإثيوبية على بعد ساعة بالسيارة.

نداء منظمة الفاو

أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) مؤخراً نداءً لجمع 3.5 مليون دولار من أجل مساعدة 235,000 شخص يواجهون نقصاً في المواد الغذائية في الولايتين المتضررتين من الحرب، اللتين تعتبران أيضاً أكبر الولايات المنتجة للذرة الرفيعة (السرغوم) في السودان، وهما ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.

وقد أدى عدم انتظام هطول الأمطار واضطرار عشرات الآلاف من الناس إلى الرحيل عن مزارعهم إلى مضاعفة سعر كيس الذرة سعة 90 كيلوغراماً هذا العام إلى 140 جنيهاً سودانياً (52 دولاراً). وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة أن تستمر الأسعار في الارتفاع بسبب تفاقم نقص الإنتاج، ولكنها تقول إن الحصول على معلومات حول الوضع الحقيقي في ولاية النيل الأزرق أمر صعب بسبب الحظر الذي فرضه الرئيس السوداني عمر البشير على منظمات المعونة.

من جهته، يعتقد الطبيب الوحيد المتبقي في مستشفى الكرمك إيفان أتار، وهو الوحيد في المنطقة التي يفصل الدمازين، الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، عن دولة إثيوبيا، أن نقصاً واسع النطاق في المواد الغذائية قد بات وشيكاً. وجاء في قوله «أعتقد أن الشهر المقبل سيكون صعباً للغاية، لأن الناس لن يحصدوا شيئاً. إنهم يهربون وليس هناك من يرعى مزارعهم خوفاً من القصف».

كما حذر أتار من قرب انتهاء المخزون الخاص بالحركة الشعبية لتحرير السودان، قسم الشمال، في بلدة الكرمك التي تعتبر معقلاً للمتمردين على بعد (10 دقائق سيراً) عن الحدود الإثيوبية، وذلك في غضون ثلاثة أشهر.

ولم تعد البلدة، التي كانت من قبل سوقاً مزدهرة، تحوي سوى بضعة أكواخ وأكشاك مفتوحة تبيع السجائر والبامية والذرة الرفيعة والمستلزمات المنزلية الأساسية.

الهروب إلى الغابة

قالت سهام كولفا من مأوى مؤقت في غابة تبعد مسافة ساعتين بالسيارة شمال الكرمك: «لقد تركنا كل شيء، وأخذنا فقط أواني الطبخ»، مشيرة إلى أن عائلتها تركت القرية قبل أسبوعين، وأن الأطفال الثلاثة أنهوا الطعام القليل الذي كان متوفراً أثناء الرحلة. وأضافت: «لا يوجد طعام هنا. نحن نضطر للذهاب إلى الغابة للبحث عن أي شيء يمكننا أكله ونخلطه مع الذرة التي نجدها في المزارع المهجورة».

وفي قرية مياس، حيث يعيش أكثر من 3,500 نسمة، قال رئيس القرية خضر أبوستة أن قنبلة ألقتها طائرة أنتونوف في الآونة الأخيرة تسببت في مقتل ستة أشخاص، مضيفاً: «نحن لا نحصل على الأكل سوى من هذه المزارع الصغيرة جداً والواقعة بالقرب من بيوتنا، لأننا لم نتمكن في هذا العام من الذهاب إلى مزارعنا في الوادي. لم يتبقَّ سوى القليل من الطعام الذي يقتصر على الذرة». وأشار إلى أنه لا يوجد دواء في القرية وأن السوق الموجود في قرية مجاورة أكبر حجماً لا يبيع سوى القهوة والسجائر والعدس والطحين.

سلاح الغذاء

أكد حاكم ولاية النيل الأزرق سابقاً وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، قسم الشمال مالك أغار، أنه قد يكون للخرطوم اليد العليا من حيث القوة الجوية، ولكن المجموعة التابعة له ستقاتل بكل الأسلحة التي تملكها، بما في ذلك الألغام الأرضية، واتهم الرئيس البشير باستخدام الغذاء كسلاح.

وجاء في قوله «إن إستراتيجية المهاجمين تتمثل في كسر إرادة مقاتلينا، فالمدنيون هم أمهاتهم وزوجاتهم وأحباؤهم، وقصفهم سيتسبب في تشتيتهم في جميع أنحاء المنطقة». وأشار إلى أن الموسم السابق للحصاد «يخلو في الأصل من الطعام» في ولاية النيل الأزرق، مضيفاً «نحن نطلب من الأمم المتحدة أن تفتح ممرات إنسانية» وأن تضغط من أجل التوصل إلى اتفاق ثلاثي يسمح للمساعدات الإنسانية بالوصول.

كما أشار إلى أن ما يصل إلى نصف سكان ولاية النيل الأزرق البالغ عددهم 1,2 مليون نسمة قد بدأوا في الرحيل. ولا يمكن التحقق من هذه الأرقام عن طريق مصادر مستقلة.

من جهتها، قالت منسقة الاتصال باللجنة الدولية للصليب الأحمر في الخرطوم والتي تعمل بالتعاون مع الهلال الأحمر السوداني في شمال الولاية التي شهدت تدفق الآلاف من النازحين ألكسندرا ماتيديتش «لقد قدمنا خدمات إلى ما يقرب من 18,000 شخص في تسع مناطق مختلفة من ولاية النيل الأزرق في محيط مدينة الدمازين» لتوفير المأوى والمياه والملابس والطعام ومواد الغسيل

العدد 3347 - السبت 05 نوفمبر 2011م الموافق 09 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً