العدد 3347 - السبت 05 نوفمبر 2011م الموافق 09 ذي الحجة 1432هـ

فايز سارة يكتب من قلب الثورة

«العرب وتحديات القرن»

كتاب «العرب وتحديات القرن» الذي صدر مؤخراً عن دار النشر البريطانية «إي - كتب»، ربما يكون الأول بين كل الأعمال التي تناولت «الربيع العربي» الذي يكتبه واحد من الذين زرعوا بذراته.

ولكن هذه ميزة واحدة من ميزات الفكر والمراقبة والتأمل التي قادت المؤلف إلى الاستنتاج بان التغيير بات حتمياً.

احتفالاً بالوجه الأول، كتب الناشر في تقديمه للكتاب قائلاً: «لا يكتب فايز سارة عن الربيع العربي من وجهة نظر الباحث أو المراقب أو المحلل السياسي. إنه (ورطة) من تورطاته الشخصية».

فاذا كان ملايين الناس قد انخرطوا في غمرة مشروع الثورة من أجل الحرية والديمقراطية، فإن كاتباً مثل فايز سارة يختلف عن غيره من الكتاب الذين تابعوا مجريات هذا المنعطف التاريخي، بأنه كان، رفقة أحرار آخرين، وواحداً من صاغة خيوط فجره الأولى.

لقد أمضى فايز سارة نحو ثلاث سنوات في السجن منذ مطلع العام 2008، ومثلها تقريباً في وقت سابق، دفاعاً عن حرية الكلمة، وساهم في تقديم رؤية وطنية ناضجة من أجل الإصلاح. ولم يخرج من السجن إلا على أبواب هذا الربيع، حتى لكأن الأقدار ساقت أيامه لتلاقي ليس رفعة الرأس وحدها بالموقف النضالي الشهم من أجل التغيير، وانما أيضاً بالبرهان المادي على صواب تلك الرؤية، وضرورتها، وراهنيتها الملحة.

والأمر لم يكن ليتعلق بسورية وحدها. فقضية الحرية والديمقراطية ما كانت لتستدعي هذا «الربيع» كله، بكل مكان اندلعت فيه التظاهرات، وبكل الشهداء الذين سقوا بدمائهم أغصانه اليانعة، لو لم يكن الاستبداد قد أصبح مأزقاً للناس ولنفسه في آن معاً.

لقد أدرك الناس انهم لن ينجوا إذا ما واصل الطغاة مألوفهم القمعي، في بيئة سياسية لم تترك إلا الفساد ليكون حاكماً. ولئن استأنس بعض الحاكمين إلى آليات الاستبداد التي لم توفر لهم الفرصة لرؤية ما يجري على أرض الواقع من متغيرات، في الاقتصاد والاجتماع، فان مأزقهم الخاص لم يكن أقل سوءاً. فهم كانوا عاجزين عن التغيير عندما عزت الحاجة اليه، كما انهم كانوا عاجزين عن المحافظة على ما هم عليه. فالانهيارات كانت تتراكم من حولهم دون أن يروها، ودون أن يكونوا قادرين على فهمها، ودون أن تتوافر لديهم لا الكفاءة العقلية للنظر إلى أبعد من أنوف شعاراتهم، ولا الدائرة الداخلية التي يمكنها أن تدلهم على الموقف الرشيد منها.

وهذا الكتاب أبعد ما يكون عن التنظير للحرية. إنه ابنها أولاً. كما إنه ابن معتركها الدامي، وابن مشاغلها اليومية أيضاً.

فايز سارة كاتب وصحافي من الطراز الرفيع أيضاً. إنه واحد من قلائل الكتاب الذين تأسرهم وتغرر بهم الكلمة حتى لا يمكن النظر اليهم كأشخاص، وإنما كأفكار ومواقف وخيارات ووجهات نظر.

الذين يعرفون فايز سارة، يعرفون كم أنه صادق مع نفسه، وقد تأسرهم فيه تفاصيل إنسانية كثيرة، ولكنهم يعرفون أن بساطته في قول الحقيقة (كما يراها على الأقل) تكاد لا تضارعها بساطة.

يتحدث مثلما يكتب، ويكتب مثلما يتحدث. ولن تجد فيه إلا ذلك الشخص نفسه حتى ولو فارقته ما شئت من الزمن.

هل علمته تجربة السجن شيئاً؟

لقد زاد على قربه قرباً. وربما جعلته المحنة أكثر انكساراً على ما كان يجرحه في وطنه، ولكنه زاد تمسكاً بعروة الكلمة الحرة. يقولها وهو لا يخشى من أمرها شيئاً، حتى ولو اكتشف قاضي الاستبداد السوريالي الذي كان يحاكمه أنها تثير «الوهن في نفسية الأمة».

والحال، فقد أمضى فايز سارة جل عمره وهو يطارد ما كان يبدو «خيط دخان». حتى اندلع هذا الربيع ليقول له، إن سنواتك التي أمضيت، في السجن الصغير، كما في السجن الكبير، لم تمض هباء.

لقد أثمرت رجلاً رجلاً، كما أثمرت كلمة كلمة!

ويقول الكاتب في تمهيده للكتاب: «قد لا يكون مر ظرف على العرب أصعب من الظرف الذي عاشوا فيه إبان العقود الأخيرة. فعلى رغم أنهم يعدون أكثر من عشرين دولة، تزيد مساحتها على مساحة أوروبا، وعددهم يزيد على ثلاثمئة مليون نسمة، ولهم جيوش كبيرة ومجهزة بأفضل الأسلحة والمعدِّات، وعندهم ثروات وقدرات مادية هائلة، فقد عاشوا في حال ضعف شديد، أساسها ضعف أنظمتهم وانعدام قدرات إرادتها السياسية، وعدم القدرة على اتخاذ المبادرة على كل الأصعدة من أجل تغيير أوضاعهم، وتقدم البلدان والشعوب العربية؛ بل وصل الأمر إلى عدم القدرة العربية على وقف التدهور المتزايد أو الحد منه على الأقل.

هذا الكتاب يحاول تلمُّس جوانب من الحياة العربية في خلفياتها وفي أمثلة من الواقع من جهة ثانية، قبل الانتقال إلى ملامسة قضايا المستقبل عبر طرح بعض احتياجاته الأساسية، وهي التي مهدت للثورة التي انطلقت مع نهاية العام 2010 من تونس، والتي ما لبثت أن شملت مصر وليبيا واليمن وسورية وبلدان أخرى، انتصرت الثورة في بعضها، وهي تسير باتجاه الانتصار في بلدان اخرى، فيما تتجه بلدان أخرى إلى تحول سلمي، يبدّل ويغيّر واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهي الأساس في أهداف وخلاصات الثورة العربية الراهنة.

في هذه الاطلالات على الواقع العربي جهد هدفه كشف خلفيات الواقع العربي للمساعدة من أجل الخروج نحو واقع عربي أفضل، ليس لأن ذلك هو ضرورة عربية فقط، بل لأنه ضرورة إنسانية للمنطقة ولشعوبها وللعالم كله، ذلك أن تردي الوضع في المنطقة، وتفسخه المتزايد، الأمر الذي كان بين عوامل الثورة، التي ترسم اليوم صوراً مغايرة للمنطقة وشعوبها ستؤثر على صورة العالم ومستقبل شعوبه. وما أرجوه أني قدمت مساهمة في هذا السياق».

وتضم محتويات الكتاب الفصول الآتية: الفصل الأول: مشكلات في البنية العربية

ـ في اختلال علاقة العرب والسياسة، رجال السياسة عندما يكون هدفهم السلطة، تحدي المجتمع المدني العربي، قيم وعادات لمجتمع عربي مهترئ، في مكونات ثقافة العنف العربية ونتائجها، العرب والعلمانية: ملاحظات عامة.

الفصل الثاني: قضايا راهنة، الدولة الفاشلة في البلدان العربية، التردي العربي: الفلسطينيون صورتنا!، الـ»بدون» العرب متى تحل مشكلتهم؟، الاغتيال السياسي: ملامح من تاريخ أسود، اللاجئون: بعض الأسباب والمسارات، الفقر في الواقع العربي، العرب وأموالهم في الغرب بعد أحداث أيلول، العرب والبيئة: المشكلة والعقاب المؤجل.

الفصل الثالث: آفاق في المستقبل العربي، الديمقراطيون في المنطقة العربية: المبادرة مجدداً، الشراكة من أجل التغيير في الواقع العربي، العرب بين تجربة الحوار والحاجة إليه، تحسين صورة العرب لدى الآخر من أين تبدأ، كيف يمكن تفعيل الشارع العربي، نحو جهد أوسع لرعاية الثقافة العربية

الفصل الرابع: بداية الثورات العربية، هل كان الفقر سبب الثورات؟، في خطاب السلطات المنهارة وسلوكها، ثروات الطغاة العرب، مصر بعد تونس لماذا بدت الأحزاب عاجزة؟، نهاية الحزب الحاكم، العرب اذ يطيحون بأمن الدولة، واشنطن وحركة التغيير في الشرق الأوسط، حتى لا تذهب منجزات الشباب أدراج الرياح!، في مستقبل الحراك العربي

العدد 3347 - السبت 05 نوفمبر 2011م الموافق 09 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً