العدد 3350 - الثلثاء 08 نوفمبر 2011م الموافق 12 ذي الحجة 1432هـ

سوق في البوسنة يتآخى فيها الصرب والمسلمون مجدداً

عند مدخل سراييفو قرب خط الجبهة السابق وبعيداً عن الخلافات السياسية التي تهيمن على البوسنة، يعمل نحو خمسين من التجار الصرب والمسلمين الذين تواجهوا سابقاً في حرب دامية، على التعارف وباعوا خرافهم بمناسبة عيد الأضحى.

ويقول ميلومير رادوفيتش الصربي المقيم في بولوزي البلدة الواقعة قرب سراييفو، في جمهورية الصرب، الكيان الصربي في البوسنة «كل واحد منا كان في صفوف أحد الجيوش (خلال النزاع الطائفي بين عامي 1992 و1995). كنا مرغمين على ذلك. إلا أنني لم أرتكب يوماً أي جرائم حرب». وتقع سراييفو عاصمة البوسنة في الكيان الكرواتي-المسلم. والخط الفاصل بين الكيانين اللذين تتشكل منهما البوسنة منذ نهاية الحرب يمر بالقرب من سراييفو.

رادوفيتش البالغ الستين اقتاد إلى السوق في داريفا نحو عشرة خراف تم ذبحها الأحد الماضي بمناسبة عيد الأضحى. وقدم خروفين إلى مسلم من سراييفو التي باتت تسكنها غالبية من المسلمين.

ويوضح الرجل قبل أن يهتم بقطيعه لاستقبال زبون جديد «كنت آتي إلى هنا قبل الحرب أيضاً لبيع الخراف. ثمة أشخاص يعرفونني هنا. الرجل الحق لا يتغير. فإذا كان رجلاً قبل الحرب يبقى رجلاً كذلك خلال الحرب وبعدها». وتعرض للبيع في السوق عشرات الخراف المحجوزة في حظائر خشبية منفصلة.

وتدخل السوق شاحنات صغيرة وسيارات وتخرج منها بانتظام. وفي وسط جلبة المحادثات والصفقات التي تبرم توضع الخراف التي أوثقت قوائمها، بصعوبة في صندوق السيارات. ويقول جمال قزاز وهو بقال من سراييفو جاء لشراء خروف إن مسألة «شراء خروف من بائع مسلم أو صربي سؤال لا أطرحه على نفسي. فالمهم هو السعر ووضع الحيوان».

ثابت بوريك (58 عاماً) وهو تاجر مسلم يوزع خرافه على قطيعين. فالخراف الناشئة البالغة عاماً واحداً تفصل عن تلك «المسنة» كما يسميها التي يزيد عمرها عن ثلاث أعوام وسعرها أعلى. ويوضح الرجل صاحب الشاربين وقد اعتمر قبعة على رأسه «الأسعار تراوح بين 300 و500 مارك (150 إلى 250 يورو). بعت نحو خمسين خروفاً في الأيام الماضية إلا أن المبيعات أقل في السنوات الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية على الأرجح». وعندما يتمكن من بيع خروف من بين تلك «المسنة» يقدم التاجر السعيد الشراب إلى زملائه.

فحول عدة طاولات أقيمت في وسط السوق، تهيمن أجواء من الاسترخاء وتحتدم الأحاديث بعيداً عن التوترات الطائفية الاعتيادية في البلاد. فهنا الحديث يتمحور فقط حول التجارة. وتقام الروابط بين باعة المجموعتين أو تتجدد حول زجاجات الجعة والمشاوي وفناجين القهوة.

ويقول ليبو رادوفيتش وهو صربي آخر «الوضع عاد إلى ما كان في السابق. فنحن نجلس معاً. نحن الشعب ذاته ونتكلم اللغة ذاتها. لكن البعض يحاول أن يظهرنا عكس ذلك». ويؤكد ثابت بوريك «أرغمت على إطلاق النار باتجاههم وهم اضطروا أيضاً على إطلاق النار باتجاهي. ونحن نادراً ما نتحدث عن النزاع. لدينا المشاكل ذاتها اليوم. وهم يعملون مثلنا. إنه كفاح يومي».

ويضيف «علينا العيش معاً. السياسيون عندنا يسلكون طريقاً خاطئاً». وبعد 16 عاماً على انتهاء النزاع يبقى المجتمع البوسني منقسماً كثيراً بين الطوائف الثلاث التي تواجهت في الحرب أي الصرب (الأرثوذكس) والمسلمون والكروات (كاثوليك). ويأسف الكثير من المحللين لكون رفع شعار الخوف من الآخر لايزال يؤمن الفوز بالانتخابات.

ويقول المسلم كمال دراكوفاتش «ما يردد علينا في التلفزيون يومياً أمر سخيف». ويختم قائلاً «السياسيون يكذبون. والسياسة الفعلية نحن الذين نصنعها»

العدد 3350 - الثلثاء 08 نوفمبر 2011م الموافق 12 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً