العدد 3354 - السبت 12 نوفمبر 2011م الموافق 16 ذي الحجة 1432هـ

الاستعداد للمعارضة كما للحكم

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

مع مرور الزمن تظهر ضرورات جديدة وتبرز زوايا واعدة لإنجاح الثورات العربية وهي تشق طريقها نحو إحداث تغييرات جذرية كبرى في حياة المجتمعات العربية. وهذا أمر طبيعي، فالثورات هي صيرورة مستمرة متجددة لها بدايات ولكن ليس لها نهاية. من دون ذلك التجدد تدخل الثورات مراحل الركود والأسن، ثم الضعف والتراجع. لنبرز اليوم واحدة من هذه الضرورات التي نعتقد بأن على الثورات العربية مواجهتها في المستقبل القريب.

لنتذكر أن الثورات العربية لم يقم بها حزب معين أو حركة منظمة في كيان واحد. لقد كانت ثورات شعوب طفح الكيل معها ونفد صبرها تجاه الاستبداد والفساد والظلم والهوان الوطني والقومي، فاستجابت لقيادات تميزت بأنها كانت في الأساس من ثوار شباب متطوعين مبدعين غير خائفين من جبروت السلطة ولديهم قدرة هائله على تقديم التضحيات الجسام.

لكن الثورات الجادة لا يمكن في النهاية إلا أن تسعى لتسلم الحكم أو كحد أدنى أن يكون لها تأثير كبير فاعل في أي نظام حكم يقوم في فترة ما بعد الثورة. حصول ذلك بالنسبة للثورات التي يقوم بها حزب قائد أو حركة منظمة قائدة أمر معروف، وهناك أمثله كثيرة في تاريخ الثورات، غير أن الأمر يختلف بالنسبة للثورات العربية الكبيرة الناضجة، كما في مصر وتونس وليبيا على سبيل المثال. فالثوار كانوا و مازالوا إلى حدّ ما، ينتمون إلى أطياف فكرية وأيديولوجية ومنهجيات عمل مختلفة دفعها حسها الوطني الرفيع إلى أن تتعاون وتتكاتف لإحداث وإنجاح ثورات تسعى أولاً لاجتثاث أنظمة حكم استبدادية فاسدة، ثم ثانيا لإقامة بديل أفضل وأصلح.

في القريب العاجل سيواجه الثوار العرب ما واجهه الآخرون من قبلهم وهو أنه لإكمال مشوار الثورة التي فجروها عليهم الدخول في عملية تسلم الحكم أو التأثير في مساره. ولما كان الثوار العرب في هذا القطر أو ذاك غير مندرجين في حركة منظمة واحدة فإن من المنطقي أن جزءاً منهم سينجح في تسلم سلطة الحكم، حتى ولو كان من خلال تحالفات مع الآخرين، بينما سيجد البعض الآخرون أنفسهم خارج تلك السلطة، على الأقل مؤقتاً.

إن ذلك سيحدث، ولن يكون ضاراً بمسار الثورة، بل على العكس من ذلك. كيف؟ القضية تتعلق بطبيعة الحياة السياسية الديمقراطية. الحكم الديمقراطي لا يحلـِّق في سماء المستويات العليا من الصلاح والشفافية والنزاهة إلا بجناحين: جناح الحكم وجناح المعارضة. وليس من الضروري أو الصحي أن تكون المعارضة في المستقبل مقتصرة على أعداء الثورة أو فلول القوى التي اجتاحتها. الصحي والأفضل أن تنطلق المعارضات في المستقبل من بين صفوف الثوار أنفسهم وأنصارهم. عند ذاك ستكون معارضة وطنية موضوعية قلبها على الوطن وعيونها ليست مركزة على كراسي الحكم فقط. إذاً، فالحكم الثوري سيحتاج إلى معارضة ثورية لتوازنه. فقط مثل هذه المعارضة ستكون قادرة على تصحيح أخطاء الحكم ولجمة من الشطط ومحاسبته من خلال فكر وبرامج أفضل، ومقاومته إن تطلب الأمر من خلال استنفار وتأييد جموع المواطنين بأشكال ومستويات مختلفة. إن مهمة النظام السياسي العربي في المستقبل لن تقتصر فقط على بناء نظام حكم صالح، وإنما يجب أن تمتد لما لا يقل أهمية عن ذلك: بناء معارضة وطنية سلميّة شعبية ثورية فاعلة ملتحمة مع مجتمعاتها وقادرة على إيجاد توازن مطلوب بين سلطة الدولة وسلطة المجتمع، وهو ما افتقدته الدولة العربية منذ الاستقلال.

ليست هذه قضية صغيرة ولا جانبية. إنها محورية ومصيرية من أجل استمرار الثورات العربية عبر الزمن الطويل من دون تراجع أو انعطاف نحو الطرقات المظلمة، ومن دون إعطاء فرصة للمعارضات الانتهازية إلى أن تعود وتلعب أدواراً لتدمير الثورات من داخلها. في ضوء ذلك، مطلوب من الثوار الذين لن ينجحوا في الجولات الأولى من الدخول في أجهزة السلطة، بل حتى من الدخول في البرلمانات، ألا يعودوا إلى بيوتهم وحياتهم السابقة ويكتفوا بما تحقق، حتى لو تحقق تسلم كامل للسلطة من قبل زملاء لهم من الثوار. مطلوب منهم أن يبدعوا وينتظموا في معارضة عربية قادرة على حماية الناس من أي زلل أو انحراف في ممارسة الحكم من جهة، وقادرة أيضاً على الاستجابة لإرادة المواطنين في تبادل دوري لتسلم سلطة الحكم بكفاءة ونزاهة.

جيل الشباب العربي المبهر الذي استجاب لقدره ففجر ثوراته العظيمة، يجب أن يستمر في حمل صليبه على كتفيه عبر المستقبل البعيد، إلى حين إيصال مجتمعاتهم الى بر الأمان بعيشها الدائم تحت ظلال الحرية والعدالة والمساواة والحكمة في نظام ديمقراطي سياسي - اقتصادي - اجتماعي - أخلاقي مستقر.

شباب الثورة يجب أن يستعدوا الآن ليساهموا في بناء معارضة شريفة فاعلة متماسكة إن لم تحالفهم الظروف في هذه المرحلة من حياة الثورة للوصول إلى سلطة الحكم. المطلوب هو النفس الطويل الطويل

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3354 - السبت 12 نوفمبر 2011م الموافق 16 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 10:19 ص

      بحراني

      ألم يقرؤا الحكام التاريخ ويتعلموا ليقوا أنفسهم من الثورات . لماذا في عهد أبي بكر الصديق رضي اللعنه لم تقم ثورة وكذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنة أما في عهد عثمان رضي الله عنه قمامت ثورة لماذا ؟ وفي عهد يزيد قامت ثورة ( الامام الحسين ) ، ولم تقم ثورة في عهد عمر بن عبد العزيز والثورات أطاحت بالعهد الأموي والعباسي بسبب الظلم وجور السلطان ونتمنى أن يتعظو كل الحكام في رعاياهم ومحكوميهم .

    • زائر 5 | 6:45 ص

      الثورات العربية نتيجة لفشل أنظمة حاكمة

      دكتور علي فخرو - السلام عليكم وعلى القراء الكرام ورحمة الله وبركاته.
      من العوامل الرئيسية لظهورها فشل أنظمة الاستبداد في النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

    • زائر 3 | 3:12 ص

      الله لا يحرمنا منكم

      ارددها دائما انا لا اعرف معنى الطائفية القذرة ولكن مجرد سؤال يزيدني قلقا أين الاصوات المحبة لخير هذا البلد من الطائفة السنية الكريمة من جيل الشباب الواعد ومن نعول عليهم ارجو منك استاذي الفاضل التركيز على هذه الفئة

    • زائر 2 | 12:18 ص

      البعض يحاول جعل الشعوب العربية امية في السياسة

      لكم نجحت معظم الحكومات العربية في القضاء على الامية امية القراءة والكتابة ولكنها تسعى لأن تجعل من هذه الشعوب امية في السياسة الى اقصى حد بحيث حتى لو جاءها القدر في يوم من الايام وتسلمت
      الحكم تكون جاهلة ويثبت فشلها وهذا هو المطلوب

اقرأ ايضاً