العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ

خريطة الانتخابات المغربية... أحزاب جديدة وقديمة وتجاذبات المقاطعة والمشاركة

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

يتوجه المغاربة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 ممن بلغوا سن الاقتراع (21 عاماً) إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 320 نائباً في مجلس النواب، كما يتوجه ممثلو المجالس التمثيلية مثل المجالس الجهوية والبلدية والنقابات وغرف التجارة لانتخاب مجلس المستشارين، وهو مجلس أقل عدداً أو دون صلاحيات مجلس النواب. وتجرى هذه الانتخابات في ظل مراقبة وطنية ودولية لا سابق لها.

لكن الأهم هو أن هذه الانتخابات تجرى في ظل متغيرات مغربية وعربية أهمها حركة 20 فبراير/ فبراير 2011 والتي انطلقت ضمن الثورة العربية أو الربيع العربي، الذي انطلق من تونس الخضراء في (20 ديسمبر/ كانون الأول 2010) والذي لايزال أواره مستمرّاً. وعلى إثرها حدثت تطورات أهمها:

1 - مبادرة الملك محمد السادس، لإطلاق عملية إصلاحات تمثلت أساساً في تكليف لجنة من ممثلي الأحزاب والنقابيين والمحامين والخبراء وضع مسودة تعديلات على الدستور المغربي.

2 - إجراء استفتاء عام على الدستور في (30 يونيو/ حزيران 2011) وقد حاز بحسب البيانات الرسمية، غالبية مطلقة من المقترعين الذين بلغت نسبتهم ما يزيد على 60 في المئة، وقد قاطعت بعض الأحزاب إضافة إلى شباب 20 فبراير الاستفتاء.

3 - الانقسام في الشارع المغربي من قوى سياسية ومجتمعية ما بين مؤيد للانتخابات ومقاطع لها، على خلفية الموقف من الدستور المعدّل وطبيعة الإصلاحات والعملية السياسية برمتها.

ويمكننا بشيء من التبسيط القول إن الأحزاب ومن خلفها التنظيمات النقابية والمهنية التخصصية والمجالس التمثيلية منقسمة إلى معسكرين هما:

أولاً: المؤيد للمشاركة في الانتخابات وقد سبق له أن أيد المشاركة في الاستفتاء على الدستور المعدل، ويؤيد مسيرة الإصلاح التي يقودها الملك لحد الآن، وما يعرف بالمسلسل الإصلاحي ولا تشارك فيه ثورة 20 فبراير.

وتضم هذه الكتلة الأحزاب التاريخية مثل «حزب الاستقلال» و«حزب الاتحاد الوطني للقوى الشعبية» و«الاتحاد الاشتراكي»، و«حزب التقدم والاشتراكية» و«حزب العدالة والتنمية».

كما تضم الأحزاب الإدارية التي خلقها الملك الحسن الثاني في مواجهة المعارضة للأحزاب التاريخية، وتضم «التجمع الوطني للأحرار» و«حزب الحركة الشعبية» و«حزب الاتحاد الدستوري»، كما تضم الحزب الإداري المحسوب على الملك محمد السادس «حزب الأصالة والمعاصرة»، وانشقاقات من أحزاب، مثل: اليسار الأخضر المنشق من حزب الاتحاد الاشتراكي الموحد، وحزب الفضيلة المنشق من حزب العدالة والتنمية، وتضم حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل الذي يتوقع أن يفوز في «الجولات» الأولى في الانتخابات، وحزب الوسط الاجتماعي، وحزب الإصلاح والتنمية والحزب المغربي الليبرالي والحزب الاشتراكي وحزب النهضة وحزب النهج الديمقراطي.

وقد شكلت ثمانية أحزاب من الأحزاب المشاركة في الانتخابات ما يعرف بالتحالف الثماني، وتضم الأحرار والدستوري والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والحزب العملي واليسار الأخضر وحزب الفضيلة. وشكلت لوائح مشتركة في بعض الدوائر الانتخابية، ودوائر منفصلة في دوائر انتخابية أخرى.

كما أن هناك جهوداً تبذل لإعادة التكتل الديمقراطي ليضم الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية والاستقلال.

ثانياً: أما التكتل المقاطع للانتخابات والذي سبق له أن قاطع الاستفتاء فهو المؤيد والمشارك في حركة 20 فبراير، ويعتقد أن التعديلات الدستورية غير كافية وأنها لم تحدث تغييرات جوهرية في دولة المخزن، وأن المسلسل الديمقراطي بقيادة الملك، غير كاف، والمطلوب إصلاحات عميقة تتحول بموجبها المملكة المغربية إلى مملكة دستورية برلمانية يملك فيها الملك ولا يحكم.

ويضم هذا التكتل أنصار حركة 20 فبراير من الشباب أساساً ومختلف الفئات الاجتماعية المهمّشة. والأحزاب التالية: «الحزب الاشتراكي الموحد» و«المؤتمر الوطني الاتحادي»، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي» و«حزب النهج» و«حزب الأمة» (إسلامي) و«حزب البديل الحضاري» (إسلامي) و«حركة العدل والإحسان» (غير المرخصة). وجميع هذه الأحزاب عدا حركة العدل والإحسان هي أحزاب جديدة.

إذا يستعد المغاربة للذهاب إلى مراكز الاقتراح في ظلّ حملة للمشاركة في الانتخابات، وحملة لمقاطعة الانتخابات، في ظل انقسام سياسي ومجتمعي. فالمعروف في المغرب أن كبرى الاتحادات النقابية وغرف التجارة والنقابات التخصصية، ومجالس الولايات والبلديات ذات توجهات وانتماءات سياسية. كما أن الحملة الانتخابية والحملة المضادة تتمان في ظل حركة 20 فبراير الاحتجاجية، والتي دأبت على الدعوة للتظاهر كل يوم سبت في مختلف المدن المغربية.

وعلى رغم ما يجمع الداعون للانتخابات من مصلحة في نجاحها، إلا أن ما يفرقهم الكثير فيما يتعدى التنافس المشروع. حزب العدالة والتنمية مثلاً حذّر من استهدافه وتحجيمه من قبل الأجهزة النافذة. وعلى رغم قيام ما يعرف بتحالف الثمانية إلا أنه يفتقد إلى حزبين كبيرين هما حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية.

كما أنه لم يتم الاتفاق على قائمة موحدة لخوض الانتخابات في الولايات كلها، بل إن هناك قوائم متنافسة لأحزاب التحالف، مع وجود تنسيق فيما بين بعض القوائم في بعض الولايات لتكمل بعضها بعضاً وتبادل أصوات الانتخاب.

عدا ذلك فإن هناك أحزاباً منخرطةً في الانتخابات خارج التحالف الثماني لها ثقلها مثل حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، وحزب الوسط والحزب الليبرالي وأحزاب أخرى مع تحالفاتها من الاتحادات العمالية والنقابية التخصصية والمجالس المحلية وغيرها. وتبقى الساحة المغربية مفتوحة على احتمالات تحالفات اللحظة الأخيرة وصفقات تبادل الدعم بين مختلف الأحزاب.

لكن المهم هو أن هاجس المقاطعة يخيم على النظام والحكومة والأحزاب المؤيدة للانتخابات، بحيث يحتم اللجوء إلى أجهزة الدولة لحشد التأييد للانتخاب ودفع الناخبين إليها دفعاً. وقد حدثني أحد العارفين ببواطن الأمور نقلاً عن مسئول بوزارة الداخلية، أن طموح الوزارة هو أن تصل نسبة من يحق لهم التصويت لـ 30 في المئة، لكن العادة جرت على تضخيم أعداد ونسب الناخبين المصوتين.

بالطبع ليست الصورة سلبية فقط، فهناك جوانب إيجابية فيما يجري، فقد حركت حركة 20 فبراير المياه الراكدة والدورة المتكررة للانتخابات وتداول الحكومات، دون إحداث تغيير جوهري في السياسات. كما أنها كسرت حلقة تناسل الأحزاب وانشقاقاتها، دون أن يؤدي ذلك إلى قيام أحزاب تعبر فعلاً عن الشعب، وقادرة على إحداث تغيير في علاقات السلطة والثروة المختلة.

ويعود الفضل لحركة 20 فبراير 2011 في وقفة جدية للمؤسسة الملكية، بحيث تداركت الأمر بسرعة قياساً بالأنظمة العربية الأخرى. فقد بادر الملك إلى تشكيل لجنة لمراجعة الدستور، وصياغة دستور معدل احتوى 180 مادة بدلاً من 108 في الدستور القائم، مع تغييرات في صلاحيات الملك، واختيار رئيس الوزراء (بدلاً من الوزير الأول) والوزراء، وصلاحيات مجلس الوزراء - والثقة بهم أو نزعها من قبل البرلمان. وإعطاء مجلس النواب صلاحيات أعلى من مجلس الشورى وتوسيعها، ودور أكبر للأحزاب. كما جرى إحداث إصلاح انتخابي، وذلك بوضع كوتا للشباب إضافة لكوتا النساء المعمول بها سابقاً، بحيث يجري التنافس على قائمة النساء وقائمة الشباب على الصعيد الوطني.

عدد مقاعد مجلس النواب المغربي 335 مقعداً، منها 62 للنساء ضمن الكوتا و20 للشباب ضمن الكوتا، إضافة إلى تنافس النساء والشباب على قوائم الأحزاب والمستقلين العامة، ما يرفع من حظوظ النساء والشباب في مجلس النواب، ويصحّح ظلماً تاريخياً بحق هاتين الفئتين كما يعيد الاعتبار للنساء والشباب، وهم مساهمون رئيسيون في حركة 20 فبراير والانتفاضات والثورات العربية الأخرى.

إذا فلن تكون الانتخابات نهاية فصل الحراك المغربي للتغيير، بل فصلاً من فصوله، وسيستمر الحراك في الشارع وفي الحركة السياسية وفي البرلمان الجديد من أجل إحداث مزيد من التحولات والإصلاحات العميقة الدستورية والسياسية والهيكلية والاقتصادية والاجتماعية.

نتبع هذا تحليلاً لحركة 20 فبراير وانعكاساتها على الحركة السياسية الاجتماعية

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً