العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ

رأب الصدع بين الأقباط المصريين ودولتهم

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

أعادت صور محمد طنطاوي، زعيم المجلس العسكري الحاكم في مصر، وهو يقابل البابا شنودة الثالث الأسبوع الماضي، ذكريات حول محاولات النظام السابق نزع فتيل التوترات الطائفية من خلال لقاءات منظمة ومرتبة لم ينتج عنها شيء في الكثير من الأحيان. إلا أن هذا اللقاء الأخير يأتي في فترة حرجة جداً من تاريخ مصر الحديث، وقد يشكّل خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح.

شكّل اجتماع طنطاوي وشنودة محاولة لاحتواء الأزمة في أعقاب المواجهات العنيفة بين القوات المسلحة وآلاف من الأقباط المحتجين الذين ساروا في مظاهرة من أجل حقوقهم أمام مبنى التلفزيون الرسمي يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2011. وقد نتج عن الاشتباك مقتل 27 متظاهراً وإصابة المئات بجراح في أعنف هجوم على الأقباط منذ سنوات كثيرة.

نتج عن اجتماع طنطاوي وشنودة موافقة الطرفين على حل الاهتمامات والمطالب الرئيسية للجالية القبطية، وفي مقدمتها حق بناء كنائس جديدة والحصول على تراخيص للكنائس التي تعمل حالياً بدون رخصة، وهي القضية التي تسببت بالكثير من التوتر في الشهور الأخيرة. وقد قال مسئولو الكنيسة إن النظام السابق سمح لبعض الكنائس بالعمل دون ترخيص حتى يتفادى إصدارها، ولكن ذلك ترك هذه الكنائس تعمل دون توثيق رسمي صحيح وعرضة للمتطرفين.

بدأت مظاهرات التاسع من أكتوبر عندما هاجمت مجموعة من المسلمين المحافظين المتطرفين كنيسة قبطية غير مرخصة في بلدة إدفو في جنوب مصر، وأشعلوا النار في جزء منها. أثار ذلك غضب الأقباط في كافة أنحاء مصر، إضافة إلى انعدام التجاوب المناسب من قبل الدولة، فخرجوا إلى الشوارع بأعداد كبيرة مما نتج عنه الاشتباك مع قوات الجيش.

أثناء الاجتماع، وعد المجلس العسكري شنودة بإصدار قانون يتعامل بشكل شامل مع قضية بناء الكنائس، ويصدر تراخيص لتلك الكنائس التي تعمل حالياً بدونها. يمكن لهذا التوجه أن يكون له أثر إيجابي مهم على الجالية القبطية التي أصيبت بجرح كبير في هذا العنف الأخير.

يعتبر الحوار بين الكنيسة والدولة أساسي من أجل استقرار الدولة. وهو كذلك يرسل رسالة إلى أقباط مصر، يؤكد فيها على دورهم كجزء متأصل من الأمة، ويطمئن الأقباط بأن الدولة على استعداد لاتخاذ إجراءات تضمن عدم تكرار العنف ضد جاليتهم.

وحتى بعد الاجتماع، ما زالت غالبية الأقباط تحمّل المجلس العسكري مسئولية مقتل 27 متظاهراً، ويعتبرونه امتداداً للنظام السابق، الذي تجاهل قضايا الأقباط وأمعن في تهميش جاليتهم من خلال عدم توفير الأمن الذي هم بحاجة شديدة له في أوقات التوتر، كما ثبت من هجمات كثيرة ضد الأقباط، بما فيها قنبلة كنيسة القديسين ليلة عيد رأس السنة في الإسكندرية، والذي أدى إلى مقتل 21 شخصاً. وفي ذلك الوقت اتهم الأقباط الحكومة المصرية بعدم توفير الأمن الكافي لحماية الكنيسة.

يتضارب تقرير الجيش الرسمي فيما يتعلق بصدامات التاسع من أكتوبر مع قصص المتظاهرين، حيث أكد على أن المتظاهرين الأقباط هم الذين بادروا بالهجوم وأن القوات المسلحة كانت تدافع عن نفسها فقط. إلا أن أشرطة الفيديو التي نشرها الناشطون بعد الهجمة بفترة قصيرة أظهرت الجنود وهم يفتحون النار على الشعب ويدوسونهم بالعربات المدرعة ويقومون حتى بتخريب السيارات.

أصدر المجلس الحاكم مشروع قانون جديد بعد الهجمات، يجرّم التمييز بكافة أشكاله، بما فيه التمييز الديني. ولكن الحل الصحيح، وهو تجسير الفجوة بين الأقباط والدولة، وبين الأقباط والمسلمين، هو في أيدي أفراد الشعب أنفسهم.

يعتبر البدء على مستوى الجذور وإعادة بناء الثقة بين المجموعتين الدينيتين أمراً أساسياً، متجاوزاً الحوار المؤطّر على أساس «نحن» ضد «هم». من الأهمية بمكان توليد فهم مشترك بأن البلد بأكمله سيعاني من العنف فيما بين الديانات، الذي لا يؤدي إلا إلى المزيد من عدم الاستقرار. يحتاج الأقباط كذلك إلى مشاركة أقوى في شئون الدولة، ويتوجب عليهم التخلص من شكوكهم، وقبول وعود المجلس عندما يقول، كما قال في مناسبات مختلفة، إن الأقباط جزء من النسيج المصري ويجب عدم تهميشهم.

نتيجة للغضب والاستياء بسبب هجمات التاسع من أكتوبر، تنادي حركة متنامية داخل المجتمع القبطي بمقاطعة الانتخابات المقبلة. ولكن عدم المشاركة في أول انتخابات حرة في مصر بعد ثلاثين عاماً من التزوير وسوء التمثيل سيشكّل خطأ فادحاً وفرصة ضائعة لصنع التاريخ كجزء مشارك من المواطَنَة المصرية.

يمكن لإعادة بناء كنيسة إدفو أن يساعد على اندمال بعض الجراح، ولكن ذلك سيكون رمزياً إلى درجة بعيدة، حيث إنه لا يغطي الجذور الحقيقية للعنف. سيكون لتجسير الفجوة المتنامية بين الأقباط والدولة عن طريق التواصل والنية الصادقة أهمية بالغة. فبعد كل ما مرّوا به أخيرا، يفهم المصريون أنهم جميعاً متساوون عندما يتعلق الأمر بالفقر والعدالة الاجتماعية وانعدام الفرص. لذا عليهم أن يدركوا أنه يتوجب عليهم العمل معاً والتخلي عن التفسيرات الخاطئة السلبية حتى يتسنى لهم إيجاد تغيير إيجابي والتشارك بنجاح بأرضهم لآلاف السنين المقبلة

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3355 - الأحد 13 نوفمبر 2011م الموافق 17 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً