العدد 3368 - السبت 26 نوفمبر 2011م الموافق 30 ذي الحجة 1432هـ

إرجاع الحقوق وإنصاف الحقيقة... انتصار للوطن

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

أخيراً، صدر تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بكل تفاصيله المؤلمة، واضعاً يده على الجرح الغائر والوجع المكتوم، وبات العلاج مرهوناً بسرعة اتخاذ الدولة الإجراءات اللازمة لتنفيذ التوصيات التي اشتمل عليها التقرير، والتي جاءت شاملة لمجمل المحاور التي شكلت على أساسها بحسب المرسوم الملكي رقم 28 لسنة 2011.

اللجنة جمعت 8110 شكاوى وإفادات تتعلق بمختلف انتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة بنطاق عملها، كما تسلمت 5188 إفادة يدوياً وإلكترونياً، وأجرت 65 زيارة مبدئية للمواقع، وعقدت 48 اجتماعاً مبدئياً مع مختلف الجهات الرئيسية في الحكومة وأفراد المجتمع المدني.

هذه الأرقام تكشف لنا أن الدولة والمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية، كلهم وثقوا في اللجنة، وكانت لديهم قناعة بأنها قادرة على إيجاد مخرج للأزمة التي عصفت بالبحرين وأهلها، لاعتبارات كثيرة أقلها السمعة الدولية والخبرة والدراية الواسعة لأعضائها، وإلا لما تعاونوا معها ولا قدّموا الأدلة التي بحوزتهم إليها للتقصي بشأنها والتأكد من صحتها.

منذ إنشاء اللجنة في 7 يوليو/ تموز 2011 حتى الأسبوع الأخير الذي سبق تسليمها للتقرير، كانت مختلف الجهات والشخصيات الرسمية والسياسية والأهلية، تدفع باتجاه تبني التوصيات وتنفيذها مهما كانت قاسية ومؤلمة على هذا الطرف أو ذاك، وتدعو جميع الأطراف إلى تقبل النتائج وتصحيح الأخطاء لإخراج الوطن من محنته، وفجأة تغيَّر الخطاب الثابت لدى بعض الأصوات باتجاه سلبي بعدما كان سقف طموحهم يقارع السماء، فاستنبطوا من وحي خيالهم خلاصة أن التقرير لن يساعد على حل المشكلة القائمة أو يوجد لها دواء.

هذا الانقلاب صاحبته دعوة علنية للدولة للحذر من تنفيذ التوصيات، على رغم أن تشكيل اللجنة جاء بناءً على قرار اتخذه جلالة الملك لاستخلاص العبر والنتائج، ودول العالم تترقب صدور التقرير للوقوف على حقيقة ما جرى من أحداث في هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة منذ فبراير/ شباط من العام الجاري والأشهر التي تلته.

هذا التوجس يفهم منه الخوف على المصالح وفقدان المكاسب التي تأتت من غياب الحقيقة طوال الفترة الماضية، والتي لم تخلُ من تجاوزات لعهود ومواثيق حقوق الإنسان وفصل تعسفي لمئات الموظفين لمجرد التعبير عن آرائهم أو مشاركتهم في مسيرات أو تجمعات، ويعبر للأسف عن نظرة أنانية ضيقة لا تستوعب الخير لكل الوطن بل لذاتها فقط.

السير في هذا النهج يقودنا إلى نهايات مؤسفة، فتراكم الأزمات وعدم حلحلتها يتركها تغلي ومن ثم تنفجر بشدة لتطفو على السطح، فيعم الأسى الجميع بلا استثناء، فهل السير في طريق التشدد والقصاص والإمعان في العقاب هو الحل والمخرج؟ وإلى متى سنسمح للتطرف بأن يقودنا نحو الهاوية؟

إلى حد الآن هناك من لم يستوعب أن بلداً مثل البحرين، محتوم عليه التعايش في أجواء تمثل خليطاً متنوعاً متبايناً دينياً وعقائدياً ومذهبياً، وأن المسألة ليست خاضعة للمزاج أو الأهواء لتغيير هذه المعادلة من أجل تغليب طرف على آخر، فلا مخرج عن الوحدة والتعاون والتسامح والاندماج الاجتماعي، وأي طريق غير ذلك سيكون محملاً بالأشواك والألم، ونحن كبحرينيين لا نملك القدرة على دفع فاتورة مثقلة كهذه، فما حصل من شقاق وفرقة يكفي، ويجب أن يرمّم ويلتئم على عجل.

وفي حديث روي عن النبي الأكرم محمد (ص) «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، بينما لدينا من يطالب بإنزال العقاب بالخلق ومحاربتهم في رزقهم وحرمانهم من السكن والعلاج والخدمات الحكومية، فأي دين هذا الذي يؤمنون به، فالسيخ والهندوس والمسيحيون يتاح لهم التعبير عن آرائهم وممارسة عباداتهم وطقوسهم الدينية في المعابد والكنائس بحريةٍ تامةٍ بلا قيد أو شرط؟

عقلية الربح والخسارة يجب أن تزول، فلا رابح أو خاسر من انتصار الوطن لأبنائه. وإرجاع الحقوق إلى أصحابها ومحاسبة المتجاوزين، ليست انتقاصاً من أحد أو إلغاء لوجوده بل ذلك قمة العدل والإنصاف وتثبيت دعائم الاستقرار والسكينة بين البشر.

والمجتمع المسلوب الحقوق يعيش على وقع الاضطراب والتوتر والصراع المرير الذي لا ينتهي، وخصوصاً إن طغت نبرة التخوين وإطلاق الاتهامات الجزافية لاعتبارات شخصية ومصالح فئوية آنية، فأصعب ما تتحمله النفس أن تحيى وسط بيئة تنعدم فيها الثقة ويسيطر عليها الشك والريبة والخوف.

كل الاهتمام والتركيز يجب أن ينصب الآن على إصلاح الخلل استناداً إلى تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، والتي ارتضاها الجميع حكماً عادلاً في قضية شائكة جداً تضاربت فيها الروايات وتداخلت فيها القصص، فالنتيجة الثابتة والبرهان الناصع الواضح يكمن في التوصيات، وماعدا ذلك من احتجاجات وتصعيد لتعطيل الحل وتأخير المعالجة من قبل البعض، هو صراخ في وجه المصلحة الوطنية، يجب على كل البحرينيين التصدي له بقوة وثبات لرسم واقع أكثر أمناً وعدلاً واستقراراً على المدى القريب والبعيد

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3368 - السبت 26 نوفمبر 2011م الموافق 30 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:32 م

      شكرا لك أ. أحمد الصفار

      لأن قلمك للمظلوم عونا وللظالم خصما. فلقد كنت ومازلت تساند المفصولين ظلما وعدوانا وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على تمتعك بروح الوطنية والاخلاص والحرص على إستقرار بحرينا الغالية للدفع بها نحو الاستقرار لأن إرساء مباديء العدل ومنح الأفراد حقوقهم يدفع إلى الاستقرار في ربوع البحرين.

    • زائر 1 | 11:24 م

      من الفقرة 1450 صفحة 447 من تقرير تقصي الحقائق { الإنتقام هو الدافع للفصل}

      تنص الفقرة 1450 على:{أفادت أقوال أدلى بها ممثلون لهيئات حكومية وشركات ضالعة في عمليات الفصل من العمل أن كثيرا من حالات الفصل التي زعم أنها تستند على التغيب عن العمل كان الدافع إليها في حقيقة الأمر الانتقام من الموظفين الذين اشتبه في ضلوعهم في المظاهرات. وهذا كان واضحا في حالات الفصل في وزارة التربية والتعليم وشركة بتلكو وشركة طيران الخليج.}

      مع العلم بأن الفقرة السابقة هي خلاصة ما وجدته اللجنة الملكية المستقلة - الموقرة.

اقرأ ايضاً