العدد 3370 - الإثنين 28 نوفمبر 2011م الموافق 03 محرم 1433هـ

في أربعينية أنيس منصور: وصدقت النبوءة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

«وصدقت النبوءة...»، كلمة علق بها الأديب والصحافي الراحل أنيس منصور على قولة مشهورة للرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات حين قال إن حال الشرق الأوسط بعد الثورة الإيرانية لن يكون كحاله قبل تلك الثورة. وفعلا صدقت قراءته للمرحلة.

وكذلك يقول أنيس منصور في مقال له مميز بتاريخ 15 فبراير/ شباط 2011 في صحيفة «الشرق الأوسط» العدد 11767 «وممكن أن نقول إن الشرق الأوسط بعد ثورة الشباب في مصر يختلف عما كان عليه قبل الثورة»، والناظر في الواقع العربي خاصة يجد مصداق قوله هذا.

وقال منصور أيضا في آخر مقاله هذا «لذلك أخاف على شباب الثورة من الفتنة...»، فما أبعد نظرك يا منصور وما أحوجنا إلى مثل مواقفك في هذه اللحظة التاريخية العصيبة التي تمر بها أم الدنيا!

إن رحيل أنيس منصور يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 ليس بالحدث العادي وإن كان الموت حقا على كل إنسان، فإنه حقيق علينا أن ننظر في سيرة هذا الأديب والفيلسوف والإعلامي اللامع الذي لم يكن شخصا عاديا لا لاتساع مجالات اهتماماته ولا لاختلاف النقاد بشأن مواقفه وخاصة من التطبيع مع الكيان الصهيوني وإنما أيضا لبعد نظره حتى في أخريات أيامه وأقصد موقفه وخوفه على شباب ثورة 25 يناير.

لقد آثر أنيس منصور أن يستأثر بصفة الأفضل منذ طفولته فقد كان الأوّل على طلبة مصر في دراسته الثانوية في مدينة المنصورة دليلا على تفوقه ونباهته وتفكيره المتميّز.

بعد استكمال دراسته الجامعية تراوح أنيس منصور بين الصحافة والأدب والفنّ والفلسفة وكان من أصغر رؤساء التحرير في مصر حيث تولى رئاسة تحرير مطبوعة وهو لم يكمل الثلاثين من عمره (...) ثم صار الصحافيّ الأول للسادات بعد 1975 والصديق الأقرب له.

كما كان أكبر قارئ في العالم العربي كما وصفه الأديب طه حسين ساعده على ذلك إجادته لعدة لغات أجنبية: الفرنسية الألمانية الانجليزية والإيطالية وكذلك العبرية.

وكتب منصور في صحيفة «الأهرام» مقاله اليومي «مواقف» فكان مقاله ذلك الأكثر قراءة فضلا عما كتبه في الشرق الأوسط. ولكن أيضا - وللأسف - كان واحدا من أكبر المؤمنين بالسلام الذي عقده السادات مع الكيان الصهيوني حيث أيّده في معظم قراراته السياسية وسافر معه لتوقيع تلك المعاهدة، الأمر الذي أدّى إلى وصفه بأكبر الكتاب تأييدا للتطبيع.

على رغم هذه الأفضلية على أكثر من صعيد لم يكن المفكر أنيس منصور متكبرا أو مغرورا كما يظن البعض وإنما على درجة عالية من الثقة بالنفس الممزوجة بالتواضع يذكرنا في ذلك بالأديب عباس محمود العقاد.

والمطلع على مقالاته بعد ثورة الشباب المصري يمكن أن يضيف إليه صفة الأشد حذرا والأكثر تخوفا على مصير هذه الثورة.

فعلى رغم إشادته بها حيث اعتبرها «قد تمّت في هدوء وسهولة وسيولة منقطعة النظير في أي تاريخ معاصر... إذ لم يحدث قط أن ثورة بهذه القوة قد تلقاها الشعب بكل الحب والحفاوة وأسلم زمامه لها...»، على رغم كل ذلك فإنه كان متخوفا من مصيرها في مقاله المذكور آنفا حيث قال: «لذلك أخاف على شباب الثورة من الفتنة أي أخاف عليهم من أنفسهم أن يفتنوا بأنفسهم وهم شباب لم تفسدهم السلطة بعد... ولا بريق الطائرات... ثم إنهم كثيرون جماعات وفرقا... كما أن عددا من الأحزاب القديمة قد تسللت إليهم والكل يتطلع إلى السلطة الجديدة سبيلا لتحقيق الآمال وإصلاح الحال والوفاء بما وعدوا وتعهدوا لمصر وللعالم».

إن أنيس منصور في هذا المقال البديع بتاريخ 15 فبراير 2011 قد وضع الإصبع على الجرح الذي أصاب مصر منذ أكثر من شهر ولم يندمل حتى الآن، جرح تعمّق ففرق وشتت من كانوا قبل أيام على قلب واحد، لذلك حذر أنيس منصور من القوى المعادية للثورة ومن التضليل والكذب والغش مؤكدا أن الثورات قوة لا ترتد إلى الخلف.

إن أنيس منصور بهذا المقال، القديم زمنا، المواكب حالا، قد ضرب موعدا مع التميز ليكون أبعد نظرا خاصة وقد صدقت تحذيراته وتأكدت صحة تخوّفاته على مستقبل الثورة في مصر

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3370 - الإثنين 28 نوفمبر 2011م الموافق 03 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 2:53 م

      أنيس منصور بين الصحافة والأدب والفنّ والفلسفة

      يا ريت نعرف أكثر عن هذه الجزئية في مسيرة حياة هذا الرجل اللامع
      وشكرا على المقال

    • زائر 8 | 1:22 م

      رائع

      مقال يستحق كل تقدير واحترام
      ذكرتنا بهذا الرجل العظيم الذى كان يكتب بعمق شديد يجعلك تغرق فى صفحات كتبه دون ان تدرى

    • زائر 7 | 12:46 م

      آه من هذه الثورات

      ما خربت علينا عيشتنا إلا هذه الثورات

      الله يستر ببلادنا وبلاد العرب كلها

    • زائر 6 | 9:40 ص

      أوكي لكن...

      هذا من أنصار التطبيع فمواقفه السياسية غير مشرفة

    • زائر 5 | 6:24 ص

      وصدقت النبوءة

      تخوفه في محله وريب يحفظ بلاد النيل

    • زائر 4 | 4:57 ص

      فكرة محترمة

      نعم فكرة رائعة لو تجمع مقالات أنيس منصور في كتاب

      سيكون له صدى كبير

    • زائر 3 | 2:35 ص

      هو دائما متميّز

      إن أنيس منصور بهذا المقال، القديم زمنا، المواكب حالا، قد ضرب موعدا مع التميز ليكون أبعد نظرا خاصة وقد صدقت تحذيراته وتأكدت صحة تخوّفاته على مستقبل الثورة في مصر

      نرجو تجميع مقالاته في كشكول للنشر

    • زائر 2 | 12:28 ص

      ما أثقب نظره

      وممكن أن نقول إن الشرق الأوسط بعد ثورة الشباب في مصر يختلف عما كان عليه قبل الثورة

      فعلا لهذا الرجل نظر بعيد في قراءة الواقع

اقرأ ايضاً