العدد 3370 - الإثنين 28 نوفمبر 2011م الموافق 03 محرم 1433هـ

معرض الشارقة الدولي للكتاب... قطوف وثمار

في حب الكلمة المقروءة...

زهراء المنصور comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

«آن الأوان لوقف ثورة الكونكريت في الدولة لتحل محلها ثورة الثقافة» قال هذه الجملة حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، في مطلع العام 1979؛ أي قبل ما يناهز 33 عاماًَ، كان عازماً وقتها على وضع خطة لإعادة الشباب إلى الاهتمام بمجال الثقافة والآداب والفنون، وأصدر بناء على قراره بعيد النظر عدة مراسيم أميرية، تهدف إلى تطبيق الفكرة التي راودته، والتي كان لها الأثر فيما بعد في ترسيخ إمارة الشارقة كبلد يهتم بالثقافة والفنون ويحتفي بهما. لذلك ليس من المستغرب أن يعلن تتويج الشارقة العام 1998 عاصمة للثقافة العربية؛ أي بعد سنتين من إقرار فكرة العاصمة الثقافية للمجموعة العربية في اليونسكو خلال اجتماع اللجنة الدولية الحكومية العشرية العالمية للتنمية الثقافية؛ فالمتتبع للدور الذي تقوم به الشارقة في تأسيس وبناء التظاهرات الثقافية منذ ذاك التاريخ لن يستبعد أن تكون من أوائل المدن العربية الممثلة للثقافة.

وتستضيف إمارة الشارقة خمس فعاليات سنوية منتظمة كبرى تهتم بالفنون والآداب والثقافة مثل «بينالي الشارقة الدولي للفنون» المعني بالفن التشكيلي، و»ملتقى الشباب العربي» الذي تحمل كل دورة من دوراته عنواناً مختلفاً تضم تحته الأنشطة والفعاليات المختلفة للشباب من الوطن العربي، و»أيام الشارقة المسرحية» وهو مهرجان مسرحي محلي، تتنافس فيه الفرق المسرحية المشهورة بعروضها على الجوائز التي تخصص لهذا الغرض، وكذلك «معرض الكتاب الدولي» الذي تشارك فيه دور النشر العربية والأجنبية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، وكذلك «التبادل الثقافي العربي والعالمي» والذي تقوم به دائرة الثقافة والإعلام عبر أسابيع ثقافية ممنهجة، تهدف إلى تعزيز التواصل الثقافي بين إمارة الشارقة وبين الوطن العربي والعالم ككل. وتقول رئيست الإعلام بالدائرة عائشة العاجل: «إن الفعاليات الكبرى المذكورة هي فعاليات أساسية وثابتة في جدول البرامج الثقافية، أما فيما يتعلق بالفعاليات الأخرى التي تنظمها الدائرة فتصل الى ثلاثين فعالية شهرياً» وهو ما ينطوي بالطبع على الكثير من التحضيرات المبكرة والإعداد المسبق الذي يساوي قيمة العمل الظاهر أمام المتلقين.

أمّا ما يخص افتتاح «معرض الشارقة الدولي للكتاب» الذي اختتم مؤخراً، والذي قام حاكم الشارقة بافتتاحه كما دأب على ذلك منذ العام 1982، مدهش أن نعرف أن هذا المعرض بدأ في سنته الأولى بسبع دور نشر فقط، تنوع في نشاطاته وطورها حتى بلغ عدد دور النشر لهذا العام تسعمئة دار نشر! ولم يجد الشيخ القاسمي غضاضة في التصريح في كتابه «حصاد السنين.. ثلاثون عاماً من العمل الثقافي في الشارقة» الذي دشنه في معرض الشارقة الدولي للكتاب مؤخراً في أن يقول عن المعرض في سنته الأولى: «لم يحقق المعرض النجاح المطلوب؛ إذ تقلص عدد الزائرين والمشترين في الأيام الأخيرة بشكل ملحوظ، وهكذا تورط القائمون على المعرض، والناشرون كذلك بمسألة تصريف الكميات الهائلة من الكتب!». وعلى رغم النتيجة الأولية المخيبة للآمال - نسبياً - فإن الإصرار على الهدف، حقق النتيجة المرجوة خلال السنوات التي تلت المعرض الأول، وكانت النتيجة أن احتفل المعرض بعامه «الناجح» الثلاثين هذا العام، فكان «حصاد السنين» الذي بنى له الشيخ القاسمي.

تتوزع دور النشر في أربع قاعات رئيسية متصلة ببعضها ومصنفة بدقة حتى يجد القارئ ضالته بيسر، ولأسباب تتعلق بتنوع دور النشر والمشاركات من دول عربية وأجنبية قد يرجح البعض انعكاسات الأوضاع المصرية وما ترتب على مصير معرض القاهرة للكتاب الأخير؛ الأمر الذي ساعد على توجيه الأنظار لمعرض الشارقة، الذي يعزز قيمة الحرية؛ إذ لا يبدو للرقيب مكاناً في هذا الفضاء كما يصرح بذلك مدير المعرض أحمد العامري «الرقابة هنا نابعة من الناشرين أنفسهم، لا نفرض شروطاً إلا المعايير الأساسية كنوعية الكتب ومحتواها وحماية الملكية الفكرية التي نوليها اهتماماً كبيراً». ولعل هذه الحرية وأسباباً أخرى - سنأتي على ذكرها تالياً - هي ما دفعت أن يكون عدد الزوار في الأيام الثلاثة الأولى ما يقارب المئة ألف زائر! يغادر أغلبهم في الحادية عشرة مساءً، أي بعد ساعة من انتهاء الوقت الفعلي لأوقات الزيارة الرسمية بالمعرض، عدا المناظر المألوفة في قاعة الأطفال والتي تهيئ لأولياء الأمور التسوق بالمعرض وحضور الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض؛ إذ يهتم القائمون على القاعة هناك بتمضية وقت مسلٍّ ومفيد أيضاً للأطفال، عبر توطيد العلاقة بين الكتاب والطفل بوسائل تقريب محببة بل ومبهجة لسن الطفل الذي تبهره الوسائل التعليمية المتحركة.

أن يكون لمعرض كتاب دولي فعاليات ثقافية مصاحبة، فهو أمر معتاد تقوم به إدارات المعارض عادة لاستقطاب أكبر عدد من الزوار الذي يتناسب وجودهم مع إحياء فعاليات ثقافية تتقاطع مع اهتماماتهم حتماً، لكن أن يحتوي معرض الشارقة الدولي للكتاب على أكثر من 450 فعالية ثقافية خلال أيام المعرض العشرة، فهو بالفعل الأمر المدهش في الموضوع! وخاصة إذا ما علمنا أن القائمين على التنظيم «الفعلي» هم ستة أفراد فقط، يدعمهم العشرات من «المتطوعين» و»المتعاونين» مع الإدارة، والذين التحقوا في وقت لاحق بهذه الفعالية الكبيرة، وبعد قيام إدارة المعرض بتفريغهم قبل شهور من تاريخ الفعالية، حتى يقوموا بدورهم بالصورة المطلوبة.

وعن الفعاليات التي كانت تقام على مدى ساعات المعرض المتواصلة من العاشرة صباحاً وحتى العاشرة مساءً، كانت برمجة الفعاليات تتيح للمعرض أن يعمل طوال الوقت في فقرات متعددة تناسب كل الزوار القادمين من كل المستويات من ربات البيوت اللاتي خصص لهن برنامج الطهي الحي، وجلبت لأجل ذلك طباخات محترفات يستعرضن بإتقان مهارة الطبخ بأساليب غير مألوفة، كما هو غير مألوف أن تجد في معرض كتاب دروس طهي جذابة تستقطب السيدات في الغالب.

وإذ تطرقنا إلى النشاطات الخاصة بالسيدات/ الأمهات/ محبي - محبات الطبخ والأطفال، نجد على الجانب الآخر المعرض وهو يساير رغبات القراء والمهتمين والأدباء والمترجمين والكتاب، عبر ندواته المقامة في القاعات الكبيرة أو عبر المقاهي الثقافية التي تقام في زوايا المعرض الأربع، في شكل متعمد يقصد به إدماج المتجول في المكان وجذبه للاستماع في هذا المكان المفتوح. ولا يجب إغفال الأسماء الكبيرة التي استقطبت لأجل إحياء هذه الفعاليات، فبعد ندوة «واقع الثقافة العربية في دائرة الضوء» التي تحدث فيها عدد من وزراء الثقافة العرب، استضاف المعرض أسماء عربية وأجنبية مميزة على سبيل المثال - وليس الحصر الذي تعجز المساحة هنا على استعراض كل الأسماء والفعاليات - أميمة الخميس وأهداف السويف وكيت موس وشوبها دي في ندوة «صوت المرأة صوت الخيال، وإسماعيل البشري وعبدالله العسكر في «لمحات في تاريخ الجزيرة العربية المعاصر»، وندوة «المعارض الفئوية... هل تخدم الكتاب؟» التي نظمها المجلس الأعلى لشئون الأسرة، ومسرح الجيب وهشاشة التجربة التي تكلم فيها توفيق الجبالي وهشام عطوة وخالد رسلان ولينا أبيض، هذا بالإضافة إلى توقيعات الكتب التي تأخذ شكلاً يومياً في مكان بارز في المعرض ترويجاً للمؤلفين ولإبداعاتهم، والعديد من البرامج الثقافية التي تجعل الزائر أسيراً للتنقل بين قاعة وأخرى طوال اليوم بلا ملل أو روتين

إقرأ أيضا لـ "زهراء المنصور"

العدد 3370 - الإثنين 28 نوفمبر 2011م الموافق 03 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً