العدد 3372 - الأربعاء 30 نوفمبر 2011م الموافق 05 محرم 1433هـ

النرجس نص لا يقبل التأويل

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

تأخذنا الضواحي إلى تفقّد الغائبين. تفقّد الأنقاض أحياناً. ثمة كنوز أرواح تحتها، قبل أن تكون كنوزاً من معدن، أو كنوز فراغ أو سعة ماجنة. تأخذنا الأقدار في تسليمنا لها إلى إعادة صوغ وعينا وأرواحنا وقدرتنا على المواجهة. يأخذنا الحَمَام إلى عدم الاستسلام إلى الوحش فينا والغربان، قبل أن نستسلم إلى وحش طارئ. تأخذنا النزوات إلى التنفس عميقاً كي لا نكون في عِداد المفقودين. يأخذنا النرجس إلى إعادة اكتشاف مزاج الحياة وخياراتها. النرجس: نص لا يقبل التأويل. عاطفيين نظل كلما انهمر غناءٌ من شمال الروح. منهكين نظل كلما قادتنا أقدامنا إلى جنوب شرس وكئيب وعدوٍّ للعاطفي من كل شيء.

صحبةَ المعنى، تدفعنا دفعاًَ للتمرد على الشكل. الشكل/ الصنم. الصنم الذي ندين له في غيابنا وغيبوبتنا. مسرح هو العالم من حولنا. مسرح يضعنا أمام العادي والفارق. نُحصي أحلامنا على الأصابع المتبقية لنا. الأصابع التي قد نصحو ولا نجدها، فنضطر إلى إحصاء أحلامنا على أصابع أول ذئب يصادفنا. ولن نتعب في ذلك كثيراً؛ فالذئاب بعدد العواطف التي برسْم العرض والبيع في المزادات المفتوحة على غيبها وفضيحتها. نحاول أن نصقل أرواحنا بالشكر المؤجَّل، وبالأناشيد التي لم نعرها أرواحنا، ونحن في ذروة النسيان نحاول تذكُّر ما يدل على ملامحنا. صحبة غيم عابر في بلاد منذورة للجحيم وانكسار الجغرافيا واكتئاب مخلوقاتها. صحبة زمننا الصغير. زمن تفقدنا للساحل ونحن في حضرة عصف الماء، ورعايا الأجساد الزرق.

صحبة حرف لم نجد في أسمائنا ما يدل عليه وعلينا. صحبة أبدية تأخذنا إلى آخر الأنفاس. صحبة رماد يعدنا بالمروج فلا نرى إلا تفحُّم النوايا والجثث. صحبة ثقة المصادر في حضرة بهتان وإفك بسعة وحفاوة الهواء. صحبة الزبرجد في ضيافة المصاهر والمعدن المتجهِّم. صحبة الغموض في مدى لا يقبل التأويل لفرط خلاعته. صحبة غابات في السلالم المؤدية إلى المرمر المستفز، وصالات السهر الماجن. صحبة غيم في مفازات الله. لم تسعفنا الطيبة في هندسة مزاج الشر والنوايا الشرسة. لم يسعفنا الغموض الماثل لنكون أوضح من طموح نحْلٍ في حقل مفتوح على احتمال الرحيق واستباحة الورد. لم يسعفنا الزيت الوفير كي نرى امتداد العمى والرمد والعتمة. لم يسعفنا العذاب كي نتذكَّر إخوة وأرواحاً في الطرف الآخر من الـ «آه»... في الطرف الآخر من هندسة النفي وهندسة الإمعان في امتداد المجهول.

لم تسعفنا القصيدة كي نأوي إلى الاحتياطي من عاطفتها التي افتقدنا، لندشن علاقتنا مع حسِّ العالم. لم يسعفنا النسيان لنتذكَّر الناي في مذابح أواصره، والقصب في الطرف الآخر من غيابه.

ندلف إلى اليسير من الضوء المتاح في حيِّز مسوَّر بالوحشة والليل والأفاعي والحرس الذين لا آباء لهم. والواقعي الذي يطعن الخيال في مقتل

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3372 - الأربعاء 30 نوفمبر 2011م الموافق 05 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً