العدد 3374 - الجمعة 02 ديسمبر 2011م الموافق 07 محرم 1433هـ

جماليات الحياة وقيمتها منا

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في واحدة من تهكماته الحادة، في كتابه «شرق عدن... غرب الله»، وفي نص «من دفاتر الضباب»، يكتب الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط: «الأخطار تغريني، والنعم تضجرني، وصمت المقهورين يستفزني، ورنين السلاسل يستهويني، إنني دائماً محاصر ومتكبر، مثل ماري أنطوانيت بين صفين من الغوغاء في أيامها الأخيرة».

والأخطار لا تغري إلا الذين يظلون مؤمنين بعدالة قضيتهم؛ حتى وهم في قبورهم، إذا لم يجدوا على الأرض نتائج ذهابهم في الأخطار تلك وإغراءاتها.

لا صاحب حق في العالم لا يمر بلحظة ضجر، وربما لحظة يأس؛ ولكنها لا تحول ولا تكون سداً مانعاً وحاجزاً بينه وبين الإيمان بحقه. حقه في الحياة والكرامة، وحقه في أن يرى غيره أيضاً يحيا ذلك الحق في الحياة والكرامة. ليست رؤية المتفرج؛ بل رؤية الفاعل والمتحرك والذائذ عن ذلك الحق.

يحاصر الإنسان في الحياة حين يركن إلى واقعه فيها، ويركن إلى الخلل؛ إذ يظل على مدار الساعة في سجن عملاق اسمه الحياة، وإن جاب الأرض ومخر البحر وحلق بالوسائط في السماء. يظل راسفاً في قيود داخله وليس بالضرورة قيوداً من حديد.

يستشرف الماغوط تلك القيمة بلغة ماكرة وشفافة وصادمة، لا تعد بالورد والقبل، قدر وعدها بالصدمة وتكدس الكوابيس أحياناً؛ فيما لا يخلو من أمل مفرط؛ فيما القارئ تذهب به صورة نمطية مفادها، أن الماغوط مهندس اليأس والإحباط الأول في العالم العربي، لذا يقرر: «في أي وطن مهما حفل باللصوص والمهربين والعملاء والمرتشين، لا أرى إلا مناخه وشمسه التي تشرق على الجميع إلا إذا كنت جائعاً أو سجيناً».

في اللعب على ثنائية إغراء الأخطار والركون إلى الواقع على علاته ومثالبه وخوائه أيضاً، يكمن خيار كل واحد منا في الانحياز إلى عافية الحياة أو سقمها واحتضارها.

ويكمن الفارق بين أن تنتظر تبرع أحدهم كي يذهب بالنيابة عنك إلى تلك الأخطار وبين أن تكون في العمق منها لمنح الحياة حصانة منها ولمنحها قدرة على تجاوزها ووضع الحلول الناجعة لها أو ما يكفّ ضررها وسقوط الضحايا وبين أن تسوق وتنحاز إلى الركون وتكون مصدر علات ومثالب وخواء تلك الحياة. الشاعرية تكمن أحياناً - وهي كذلك - في الأخطار على رغم محصلاتها في كثير من الأحيان. محصلات ونتائج وضرائب تبرز ويحين استحقاقها ولكنها في المقابل تستحق الدفع في سبيل ألا تكون أو تتحول الحياة إلى قبر مفتوح على إعادة تكرار الموت نفسه في صور وأشكال شتى.

ومثلما كتب الماغوط نفسه: «قصائدي رسائل متوالية لفتح صفحة جديدة مع الحياة واستخدمت من خلالها ورد الأضاحي ومتاريس الثورات والخوذ المائلة كالجرار الريفية على الأكتاف، والنصر الملول من الحفر والذرى». يكون الاستشراف في الذهاب إلى الحياة بتلك الروح المتطهرة من ترددها وخيباتها ويكون حصانة للحياة وإنسانها وقيمته الكبرى.

الحياة في ذروة جمالياتها وقيمتها بجمالياتنا وقيمتنا وقدرتنا على ضخ مزيد منهما في شرايينها كي تستحق أن تكون حياة، وكي نستحق أن نمثلها في أجلى وأروع الصور والقيمة والمواقف والأهداف

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3374 - الجمعة 02 ديسمبر 2011م الموافق 07 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:39 ص

      لا قيمة للحياة بدون كرامة وعزة

      إن عملية استرداد الحقوق لا تأتي نتائجها في سنة أو سنتين بل ربما يطلب الأمر أكثر من ذلك, وهذا يتطلب منا رؤية ثابتة وإرادة صلبه لا تعرف اليأس منة خلال كفاح سلمي لا عنفي. ولنا أروع الأمثلة على ذلك حيث استطاع السود ذات الأغلبية السكانية في جنوب أفريقيا وكذلك الأقلية في أمريكا أن يستروا حقوقهم وينتصروا على التميز العنصري ضدهم بعد أن مورست ضدهم أبشع الجرائم الإنسانية على وجه الأرض التي جعلتهم أكثر قوة وصلابة في مواصلة كفاحهم.

اقرأ ايضاً