العدد 3387 - الخميس 15 ديسمبر 2011م الموافق 20 محرم 1433هـ

أمنيات عربية للعام الجديد

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

بعد أسبوعين من هذا التاريخ، ستودّع البشرية عاماً، وتحتفل بحلول عام جديد. وفي مناسبة كهذه يتضرّع الجميع إلى المولى عز وجل، أن يسود السلام والأمن والتسامح، بديلاً عن الحروب والفتن والكراهية، وأن تكون مجتمعاتنا أكثر فرحاً وبهجة وسعادة.

لقد مرّ على أمتنا العربية، عام متفرد، لم نشهد شبيهاً له في تاريخنا المعاصر، عام اختلط فيه الأمل والرجاء بالخوف، وتداخلت فيه الفوضى والحروب بمطالب واستحقاقات من الجمهور مضت عليها عقود طويلة من دون تحقق، وبتطلعات مشروعة نحو التغيير، بما يحقق التقدم والنماء والنهوض لهذا الجزء من العالم.

حدثت تحولات سياسية وانتقال في مراكز القوى، وتحققت لأول مرة انتخابات نيابية، في المغرب وتونس ومصر، شهد الجميع بنزاهتها، وتشكّلت حكومة وحدة وطنية في اليمن .وهناك تطلع وأمل كبير بأن يتجه الجميع إلى الحوار في سورية الشقيقة، على قاعدة التسليم بأهمية التحول الديمقراطي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتحقيق انتخابات نيابية مبكرة، وإعادة صياغة هيكلية الدولة، والدستور، بما يحقق الأمن والاستقرار في هذا البلد العزيز، ويدفع عنه شر المتربصين.

في العراق، ينتظر أن يستكمل الانسحاب الأميركي، مع مطلع العام المقبل، ويترك الشأن العراقي للعراقيين، ليمسكوا بأنفسهم زمام مقاديرهم، وليقرروا دمن ون ضغوط خارجية الطريقة التي يديرون فيها شئون بلادهم.

وتشكّلت في ليبيا، بعد انتظار طويل حكومة مهمتها الأخذ بالبلاد، إلى حين استكمال بناء هياكل الدولة الجديدة، وتحقيق الانتقال، إلى مرحلة التعددية والديمقراطية، كما هو الهدف المعلن من إسقاط النظام السابق، واغتيال العقيد بالطريقة التي شهدها العالم، عبر القنوات الفضائية.

في العاصمة السعودية، وفي مؤتمر الخليج والعالم الذي عقد بتعاون مشترك بين معهد الدراسات الدبلوماسية التابع إلى وزارة الخارجية السعودية، ومركز الخليج للأبحاث في أبوظبي، دعا رئيس مركز الملك فيصل للبحوث الإسلامية، الأمير تركي الفيصل إلى قيام وحدة خليجية، بدولة مستقلة واحدة، وعملة واحدة، وجيش واحد، وخطط تنموية موحدة.

أمور تبدو مبهجة وواعدة بمستقبل أفضل لأمتنا، لكنها جميعها مقدمات لجهاد أكبر، قد نتمكن فيه من تحقيق أحلامنا، حين نختار السير على الجادة الصحيحة، وربما تنهار هذه الأحلام، كما انهار غيرها، منذ أن بدأنا تلمّس خطوات أقدامنا، إن لم نضع نصب أعيننا خيار العدل والحرية والكرامة.

لقد اندفعت الجموع بشكل عفوي، ومن تلقاء أنفسها في لجة «الربيع العربي» في عدد من البلدان العربية، وكان الشعار الجامع الذي طغى على معظم الشعارات هو «الشعب يريد»... وكان له ما أراد: كسر حواجز الخوف، وعبر برزخ الركود والسكون، وثأر لسنين طويلة من القهر والذل، لكن ذلك ليس سوى بداية الطريق.

فالناس لم يندفعوا في (معمعان) الحراك الملحمي الذي شمل معظم البلدان العربية، إلا من أجل مقابلة استحقاقاتهم. وقد مكن الطابع العفوي لثوراتهم، القوى التقليدية الأكثر تنظيماً وتماسكاً من اقتناص اللحظة التاريخية، وقطف ثمار التضحيات الجسيمة التي بذلت. وذلك يفرض على الجميع، الحذر واليقظة، ومتابعة الكفاح لإنجاز التحول السياسي والديمقراطي، والقضاء على الفساد، ومحاربة البطالة، والمضي قدماً في تحقيق خطط تنموية طموحة، من شأنها تحقيق نقلة اقتصادية كبرى في مجتمعاتنا العربية.

وينبغي في كل الأحوال، ألا تكون هذه التحولات، على حساب المسّ بالهوية الوطنية والقومية التي استمد منها الشعب العربي حضوره التاريخي، والتمسك بالحقوق، وفي مقدمتها العمل على تحقيق الوحدة العربية، وتأكيد حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة، وهزيمة المشروع الصهيوني، وتحقيق الاستقلال.

في الجهاد الأكبر، وفي البلدان التي أنجزت، كما هو الحال في تونس والمغرب، أو على طريق إنجاز انتخاباتها النيابية، كما في مصر، لا مناص من تحقيق المصالحة الوطنية، وتجنب سياسات الإقصاء، وسيادة روح التسامح، والاعتراف بالحقوق الثقافية، للديانات والطوائف التي تشكل النسيج الأصيل للكيانات العربية، كما في حال الأقباط في مصر، والأمازيغ في بلدان المغرب العربي ...وكما هو الحال في بلدان عربية أخرى.

في الحالتين الليبية واليمنية، ينبغي العمل على بناء دولة عصرية، تأخذ بالتدرج من حصة التشكيل القبلي، لمصلحة تغليب الهوية الوطنية الجامعة. ذلك وحده هو السبيل، للحد من غلبة الهويات الجزئية والقضاء على الوجاهات والمحسوبيات، والارتقاء فوق الفئوية والمصالح الحزبية، وإضعاف النزعات الانفصالية، وتحقيق الاندماج الوطني.

وبالنسبة إلى أرض السواد، فنحن أمام مرحلة جديدة، بعد خروج القوات الأميركية، تستدعي إعادة النظر في التشكيلات والترتيبات التي ارتبطت بالعملية السياسية التي هندس لها المندوب السامي الأميركي، بول برايمر، واستندت إلى القسمة بين الإثنيات والطوائف. وفي هذا السياق، لامناص من تعميم روح التسامح وتحقيق المصالحة الوطنية، والابتعاد عن لغة الاجتثاث والإقصاء.

وسيكون من الملحّ والعملي، أن يكون للمقاومة الوطنية التي هزمت المشروع الأميركي، للقرن الواحد والعشرين، وأجبرت جيش الاحتلال على الرحيل، جارّاً أذيال الخيبة، حضور قوي في تقرير مستقبل العراق. وينبغي منع التدخلات الإقليمية في شئونه الداخلية، وتأكيد الحضور التاريخي والقومي العربي، لأرض السواد، في ظل نظام ديمقراطي يعتمد التعددية وتداول السلطة، والاعتراف بالآخر، وتحقيق المساواة والعدالة، بين أبناء الوطن الواحد، وقيام دولة القانون، وذلك هو السبيل للخروج من المأزق الراهن .

تلك أمنيات من القلب، نأمل أن يضطلع بها الغيارى والمخلصون على مستقبل أمتهم، وتحقيقها على أرض الواقع، وفي كل الأحوال هي رهن بالوعي والتصميم والإرادة

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3387 - الخميس 15 ديسمبر 2011م الموافق 20 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً