العدد 3391 - الإثنين 19 ديسمبر 2011م الموافق 24 محرم 1433هـ

مال الله: الاصلاح الاقتصادي يوفّر للشعوب العربية مقومات التنمية

في حلقة نقاشية نظمها المعهد العربي للتخطيط...

الوسط - المحرر الاقتصادي 

19 ديسمبر 2011

شدَّد المدير العام للمعهد العربي للتخطيط، بدر مال الله على أن الاصلاح الاقتصادي «بات ضرورة ملحة» للدول العربية؛ إذ «يتكامل مع التغيير السياسي الحاصل، ويوفّر للشعوب العربية مقومات التنمية التي من دونها لا يمكن للديموقراطية الناشئة أن تعيش وتستمر وتصمد».

وكان مال الله يتحدث في افتتاح حلقة نقاشية بعنوان «لماذا لم تتحول غالبية البلدان النامية إلى بلدان متقدمة تنموياً؟»، اقامها المعهد في مقره في الكويت يوم أمس الاثنين (19 ديسمبر/كانون الأول 2011.

وقال مال الله، إن هذه الحلقة «تتناول موضوعاً مطروحاً بقوة في الوقت الراهن؛ اذ إن التحول التاريخي والتغيير السياسي الذي تشهده المنطقة العربية، يجب أن يترافق مع تكثيف الجهود ووضع الخطط لمواجهة التحديات التنموية والاقتصادية الكبيرة التي تواجه دولنا».

وأضاف «لقد أخفقت الدول العربية خلال العقود الخمسة الماضية في تحقيق تنمية متوازنة وعادلة ومستدامة، بعكس الدول الأخرى كسنغافورة والهند والصين، التي وضعت استراتيجيات لتنمية مواردها البشرية وتنمية اقتصاداتها فأصبحت دولاً مؤثرة وقادرة على الاندماج في الاقتصاد العالمي».

وشدد مال الله على أن «الاصلاح الاقتصادي العربي بات بالتالي ضرورة ملحة، يتكامل مع التغيير السياسي، ويوفّر لشعوبنا العربية مقومات التنمية التي من دونها لا يمكن للديموقراطية الناشئة أن تعيش وتستمر وتصمد». ورأى أن «ما يجعل هذا الاصلاح أكثر إلحاحاً هو أن الاقتصاد العالمي في حال من التذبذب على صعيد النمو؛ ما سيؤثر في اقتصادات منطقتنا، وبالتالي بات لزاماً علينا أن نحصّن اقصاداتنا ودولنا لمواجهة أية تقلبات من هذا النوع».

وشدَّد مال الله على أن «تنمية القدرات البشرية عنصر أساسي في أي مشروع اصلاحي وتنموي ستقدم عليه دولنا العربية، وثمة حاجة كبيرة الى تفعيل جهود التدريب والتأهيل لكي تكون لدينا الأداة البشرية القادرة على تنفيذ الاصلاحات المنشودة».

لا يوجد حل سحري

وتحدث في الحلقة النقاشية أحمد الكواز، واستهل كلامه متسائلاً «لماذا، ومنذ الحرب العالمية الثانية ولغاية الآن، لم يشهد الاقتصاد الدولي تحولاً ملموساً وجذرياً لتحوّل دول نامية إلى دول متقدمة، إذا ما استثنينا الدول المصنّعة حديثاً، وهي دول في مرحلة التحوّل الى دول متقدمة؟ ولماذا فشلت الدول النامية في أن تصبح دولاً متقدمة ومتطورة؟».

وشدَّد على أن « لا يوجد حلّ سحري لتحويل البلدان النامية إلى أخرى متطورة، فالأمر يعتمد على مدى توافّر حزمة الشروط المسبقة، وليس على السياسات الاقتصادية المتبعة، على رغم أهمية الأخيرة في حال توافر هذه الشروط». وأوضح أن «على رأس هذه الشروط أولاً، رأس مال بشري متطور، أو قابل للتطوير، أي لا يصطدم بمعوقات من مؤسسات غير رسمية (ثقافة من أعراف وتقاليد وقيم لا تشجع التطور)». واعتبر أن «وجود رأس مال بشري، وفي كل مستويات إدارة الدولة، بشكل عام أو خاص، أو مشترك، مدرّب تدريباً راقياً وحديثاً، يجعل من مهمة إدارة واتخاذ القرارات أمراً سهلاً وروتينياً ويقود إلى نتائج إيجابية لصالح الاقتصاد القومي، ويساهم في التعامل مع إدارة الأزمات والصدمات بشكل إيجابي».

ورأى أن «الإدارة السياسية وما يتبعها من إدارة اقتصادية، تعتبر شرطاً آخر من الشروط المسبقة». وأبرز أن «غياب الطبقة الوسطى المؤهلة تأهيلاً مدنياً لإدارة البلدان النامية، وترك مهام الإدارة للفئات غير المدربة وذات الخلفيات غير المدنية، لا يساعد إطلاقاً في تحول البلد من نامٍ إلى متطور، بل يعوّمه». وأضاف «على سبيل المثال تعتبر فترة الحكم الملكي في العراق 1958-1921 من أفضل الفترات في الإدارة السياسية والاقتصادية مقارنة بالفترات اللاحقة؛ إذ كان ثمة وعي من النخبة الوسطى بأهمية التمثيل البرلماني الحرّ، والمعارضة، وتوفير التعليم والصحة، وبرامج الإعمار، واستثمار العوائد النفطية في إنفاق استثماري وليس جارياً. وكذلك تجربة لبنان ولغاية 5791، قبل الحرب الأهلية وما تبعها من نتائج؛ إذ حقق لبنان معدلات نمو وصلت إلى 6 في المئة، والتي لم ترق اليها حتى البلدان ذات الفوائض المالية، آنذاك». ولاحظ الكواز عدم وجود «شواهد قوية على تطور اقتصادي لأي دولة متقدمة أو نامية من دون تدخل رشيد للدولة». وتابع «لا ينصح بتحرير التجارة الخارجية من دون نجاح مسبق للسياسة الزراعية، والصناعية، والخدمية، تنتج عنه سلع وخدمات تنافسية. لأن العكس سيترتب عليه إغراق وتدهور قطاعي». وأشار الى أن «كل الدول المتقدمة حالياً، النامية سابقاً، تقريباً، تبنت سياسة إحلال واردات ترتب عليها خلق منتجات قطاعية متطورة، تبعها تحرير تدريجي وتحول للصادرات».

وأكد «ألاَّ نظرية اقتصادية صالحة لكل زمان ومكان؛ اذ لا توجد تجارب متطابقة من حيث السياسات الاقتصادية جرى تطبيقها كونياً، وأدت إلى النتائج نفسها». وقال في هذا الصدد إن «سياسة إحلال الواردات وتشجيع الصادرات قد تنجح في بلدان، وقد تفشل في أخرى. وقد يعمل دعم الصادرات في فترة وبلد معين، وقد لا يعمل في فترة أخرى وبلد آخر (...) وسياسات الاستقرار، والتكيّف الهيكلي، التي صلحت لليابان وبلدان جنوب شرق آسيا، قد لا تصلح لبلدان نامية مثل تلك في الوطن العربي، فالدكتاتورية الرشيدة، التي تمثلت في رئيس وزراء سنغافورة، قد لا تكون متوافرة. كما أن الديموقراطية التي شهدتها بلدان جنوب شرق آسيا، واليابان، قد لا تكون متوافرة أيضاً بفعل ندرة الديموقراطيين، وبالتالي ثمة حاجة ملحّة الى إعادة بناء نظام للقيم من خلال نظام تعليمي تساهم الدولة به بشكل كبير ملكية وتوجيهاً ومن خلال رؤية مدنية واضحة».

ودعا الى «تجنّب طرح الأسئلة الخاطئة عند التعامل مع إشكالات التنمية في البلدان النامية خصوصاً. فعلى سبيل المثال، طرح السؤال الخاص بماهيّة معدل النمو الأمثل للّحاق بالبلدان المتقدمة هو سؤال خاطئ. وكذلك طرح السؤال الخاص بماهيّة اللازم للاستقرار الاقتصادي كشرط لجذب الاستثمارات، ومن ثم تعزيز معدل النمو، هو سؤال خاطئ. وطرح السؤال الخاص بتعديل الخلل لسوق العمل بحسب الجنسية هو سؤال خاطئ. والشيء نفسه بالنسبة إلى السؤال الخاص بدور السياسة النقدية والمالية والتجارية في إنجاز مراحل التحول من بلدان نامية لمتقدمة، هو سؤال غير دقيق».

سؤال محددات التنمية

واعتبر أن «السؤال الأهم هو: ما هي محددات التنمية، وليس النمو، في مجتمع نامٍ معين؟ وبعد الاستنارة بآراء الاقتصاديين (وغير الاقتصاديين)، قد لا يفاجأ متخذو القرار بأن أهم هذه المحددات هي غير اقتصادية بالأساس، مثل سيادة الأعراف والتقاليد على القانون والمؤسسات الدستورية، وفقدان الحياة الدستورية على رغم وجود دستور، وعدم وجود مشروع للنهضة، عموماً، وعدم وجود نظام تعليمي راقي يخدم مشروع النهضة، خصوصاً، ...الخ». وأبرز الكواز أن «إعادة النظر في التكتلات الإقليمية بالشكل الذي ينتج عنه تنوع في الموارد والخبرات ضمن التكتلات الجديدة (..) قد تكون عاملاً مساعداً في تحول البلدان النامية إلى بلدان أكثر تطوراً». وخلص الكواز الى التأكيد أن «حل معضلة البلدان النامية ليس حلاً اقتصادياً بالمقام الأول، بل إن الحل الاقتصادي هو حل تابع لمتغيرات أخرى منها الثقافي، والاجتماعي، والسياسي، وغيرها»

العدد 3391 - الإثنين 19 ديسمبر 2011م الموافق 24 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً