العدد 3404 - الأحد 01 يناير 2012م الموافق 07 صفر 1433هـ

ملامح الأسلوب القصصي في «نافذة هروب» لخالد سامح (1 - 2)

نضال القاسم comments [at] alwasatnews.com

شاعر وكاتب أردني

على رغم مما يمكن أن يقال عن حداثة تجربة خالد سامح، التي برزت في العامين الماضيين، إلا أنني أرى أنها كانت واحدة من التجارب اللافتة، من حيث نوعية الكتابة وخصوصية موضوعاتها، المرتبطة ارتباطاً عميقاً بالبيئة المحلية، والتي تمزج ما بين الواقعي والرمزي والخيالي في مشاهد تثير الدهشة والإعجاب، وتعبّر عن موهبة ينتظرها الكثير من الانتشار.

وتحتوي مجموعة «نافذة هروب»، منشورات دار اليازوري - عمّان - 2008، على عشر قصص ذات نزعة تجريبيّة، تنوعت اهتماماتها وأساليبها الأدبية، وبواقع (82 صفحة من القطع المتوسط)، وهي قصص منفصلة عن بعضها البعض، تعبق بكل ما هو فردي، وبكل ما يحمل صور العالم الداخلي لأولئك البشر المسكونين بأحلام بسيطة وشبه عادية، وإن تكن حقيقية وصادقة، تستوحي الأفراد في اغترابهم واختلافهم وبساطتهم وخصوصيات تجاربهم، وهم يحتفلون بالحياة على طريقتهم.

وفي قصصه الواقعية التي رسمت تفاصيلها بصورة أقرب إلى العفوية، يلامس القاص القيم الإنسانية ويتغلغل داخل أعماق النفس البشرية التي ينقل صورها بلغة بسيطة سهلة دون رتوش، وتدور معظم قصصه بشأن أنماط الحياة الاجتماعية بكل شرائحها وتناقضاتها، فالقصص ليست من نسج الخيال وأبطالها ليسوا مجرد شخوص يقفون في الظل، لكنهم أبطال حقيقيون يعيشون بيننا، نجدهم حين نلتفت من حولنا.

ولنبدأ من القصة الأولى المعنونة بـ «حادثة الأيام السعيدة» والتي يتبين من خلال مراجعتها أن الحدث فيها بسيط في ظاهره، عميق ومتشعب في تداعياته ومتلازماته. إنها مواجهه بكل حيثياتها، للذات وللآخر. وتبدو الشخصية الرئيسة للقصة وهي شخصية (علاء) الذي حاول الانتحار في فندق «الأيام السعيدة» شخصية متأرجحة على حدها موزعة على تناقضاتها بين تأكيد الذات وتماهيها، وفي القصة الكثير من الواقعية المشبعة بالرمزية البليغة، في عالم يتجه نحو الكارثة بغباء شديد.

أما قصة «نافذة هروب» فتتحدث عن شباب عراقيين يعيشون في شقة متواضعة في عمّان استعداداً للهجرة إلى أماكن مختلفة في العالم كالولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة، وتبرز في القصة اللهجة التهكمية الساخرة التي تقوم على التلاعب اللفظي، وترسم مشهداً فانتازياً لواقع يحمل الكثير من الغرابة والتناقض. حيث اشتغل الكاتب على ثيمة اللمحات الإنسانية بأسلوب فيه من الإثارة والتشويق والفرادة والبناء المتين.

ونعثر في قصة «المحارب القديم» على حكاية نمطية تتكرر كثيراً في الأعمال القصصية المعاصرة، حيث تتناول القصة حياة لواء عسكري أحيل على التقاعد. وأمّا في قصة «أحلام قصيرة أو أحلام SMS» فقد تناول القاص موضوعاً جديداً يتناغم وروح المرحلة وهو موضوع جهاز الهاتف الخلوي ومدى التأثير النفسي الذي أحدثه ظهور هذا الجهاز في حياة فواز عبدالوهاب الذي يعتبر من الرعيل الأول والذي لا يؤمن بالتحديث ويجد صعوبة في التعامل مع التقنية.

أما فيما يتعلق بالقصص الأخرى، فإنها امتداد لحكايات خالد عن مجتمع المدينة، بشخوصها وكائناتها وأجوائها، في تآلف وانسجام طبيعي... ففي»موقف عادي جداً» نجد الكاتب المسرحي «عبدالسلام عبدالله» يذهب إلى المركز الأمني (المخفر) لتقديم شكوى ضد صاحب العمارة التي يقطنها والذي قام بضربه والاعتداء عليه أمام جميع سكان العمارة وذلك لتأخره في دفع الأجرة الشهرية للمالك، فيعامله مدير المخفر بازدراء ولا يحفل به، فيعود أدراجه للبيت منكسراً حزيناً ليفاجأ وهو يفتح باب منزله بسماع صوت كان قد سمعه منذ ساعات فقط، وما إن التفت إلى باب الشقة المجاورة وإذا به يرى مدير المخفر إلى جواره، وبعد أن استفسر منه عن سبب وجوده في هذا المكان تبيّن له أن مدير المخفر يسكن في الشقة المجاورة له. وأمّا قصة (الفراغ) فإنها تقدم نموذجاً آخر من حياة المدينة التي بدأت تفرض صورها في قصص أبناء هذا الجيل، حيث تسلط القصة الضوء على حياة صحافي أعزب يعيش منفرداً في شقة.

والمتفحص بعمق لمجموعة «نافذة هروب» سيجد صوراً مأساوية نعاني منها ونعيش ونتكيف معها، ونجزم أنها جزء من حياتنا وواقعنا، وهذا خلاف ما نخفي في داخلنا من طيبة قلب ونقاوة ضمير، لن نصل للحقيقة ما لم نواجه الواقع وندافع عن أنفسنا في زمن طغت فيه المادة على القيم الإنسانية ومع هذا هناك أمل كبير أنْ نحكم قلوبنا ونستعيد نقاوة ضمائرنا ونرسم أجمل الصور ونعود لواقعنا الطيب، وهذا بالضبط ما أراد القاص أن يقوله لنا من خلال قصة «قرار حازم» التي تدور أحداثها حول شخصية الصحافي (حازم) والذي أراد أن يواجه مديره ببعض الأسئلة التي تدور في باله عندما يلتقي بمديره ولكنه فوجئ في النهاية بأن مديره كان يحمل عنه انطباعاً طيباً وأنه لا يضمر له السوء كما خمّن في نفسه ودليل ذلك كتاب الشكر الذي وجهه له مديره في العمل

العدد 3404 - الأحد 01 يناير 2012م الموافق 07 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً