العدد 3404 - الأحد 01 يناير 2012م الموافق 07 صفر 1433هـ

عامٌ فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لقد انطوى عامٌ من أعمار الشعوب العربية... وبدأ عامٌ جديدٌ.

كان عاماً نادراً وطويلاً وغير مسبوق في تاريخنا الحديث. عامٌ لن يكون ما بعده كما سبقه... فحتى الآن أطاح بثلاثة من الجلاوزة الذين كان يراهم العالم رؤساء جمهوريات، ولما سقطوا تبرأ منهم وألحقهم بأسلافهم من الطغاة والمستبدين.

طوال العقود الثلاثة الأخيرة، كانت الأعمدة الصحافية تتكلّم على رأس كل سنة، عن تشابه الأزمنة وحلقات الضياع وعبثية الحياة، أما هذا العام فلم يكن متشابهاً على الإطلاق. كان مؤلماً، موجعاً، مضرّجاً برائحة الدم والبارود والغازات الخانقة والجيل الجديد السام من مسيلات الدموع.

طوال ثلاثة عقود، كان الكتّاب يستشهدون في أيام الأعياد ببيت المتنبي الذي قئناه: «عيدٌ بأية حال عدت يا عيد». أما هذا العام، فكان أصدقهم من يستشهد أيام الأعياد ببيته الآخر ويشير بإصبعه إلى الفتيان العرب:

«وإذا كانت النفوسُ كباراً... تعبت في مرادها الأجسام».

نفوسٌ كبارٌ، وجيلٌ لا يشبهنا هذا الطالع في هذا الزمان كأزهار الربيع، لا ينثني ولا ينكسر ولا يخاف. هذا هو الجيل الذي يصنع التاريخ.

المنطقة تغلي على مرجل، ومن ينكر ذلك فإنه غير مدرك للتحولات الكبرى. فبعد ستين عاماً من الإذلال الجماعي للشعوب، وفشل مشاريع الدول ما بعد الاستقلال، وتَحوُّل دول برمتها إلى مزارع خاصة، انفجر البركان ليطيح بكل مشاريع الكذب والدجل ويهدم هياكل الجمهوريات الورقية.

عام 2011 ما هو إلا بداية القصة. إنه بداية زمجرة البركان، الذي عصف ببلدان الربيع العربي... أمّا النهاية فلن تكون مشابهةً لما كان. إنه عصرٌ جديدٌ لم نعرفه ولم نتوقعه. عصرٌ لا نشبهه ولا يشبهنا نحن أبناء القرن الماضي، لأنه ربيعٌ من صنع هؤلاء الشبان.

هذه هي البدايات... فتحسّبوا للنهايات. طريقٌ طويلٌ وصعبٌ ووعرٌ... على جانبيه دماءٌ ودمعٌ غزير. آهات أمهات ثواكل. أيتامٌ كثرٌ وأرامل. شهداء في ميعة الصبا تتناثر أشلاؤهم في شوارع العواصم العربية وميادينها. عامٌ لا يشبه ما قبله. إنه عام الحلم العربي الكبير.

في قصة يوسف الصديق (ع) التي رواها القرآن الكريم في سورة من 111 آية، جاءوا يستفتونه في رؤيا الملك التي عجز عن تفسيرها المنجّمون والكهنة: «أفتنا في سبعِ بقراتٍ سمان يأكلهن سبعٌ عجافٌ، وسبعِ سنبلاتٍ خُضرٍ وأخرَ يابسات»، «قال تزرعون سبعَ سنينَ دَأباً فما حصدتُمْ فذروهُ في سنبُلِهِ إلا قليلاً مما تأكُلون»، تحسّباً لسبع سنوات شداد، يأكلن ما ادّخروه في صوامعهم، ويبشّرهم بيوم الخلاص من الجوع والذل، والحاجة والمسكنة، واستعادة الكرامة، بعد أربعة عشر عاماً: «ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يُغاث الناس وفيه يَعصِرون».

قليلةٌ هي الأعوام التي تحدّد مسارات الشعوب ومصائرها لعقود أو قرون، ومنها العام 2011. عامٌ مليء بالألم والجراح، إلا أنه عامٌ واعدٌ باستعادة كرامة الشعوب، وإنجاز الاستقلال الثاني للدول والجمهوريات التي تحوّلت إلى دكتاتوريات فجّة مع غياب واستلاب وعي الشعوب.

لقد خرجت الشعوب العربية من قمقمها وفاجأت أباطرتها بغضبتها، وما عاد ممكناً إعادتها قسراً إلى أوجِرَتها. لقد قدّمت في العام 2011 من قرابين الحرية ما يكفي ويزيد... لولادة عهدٍ مشرقٍ جديدٍ

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3404 - الأحد 01 يناير 2012م الموافق 07 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 11:49 ص

      سيدنا مسيك بالف خير

      انها سبعين عجاف يا سيد ما نال المواطن العربي من 1942 الى الان من ظلم وجوع وهدر للكرامات . اجترت شعوبنا العربيه خلالها كل انواع العلاقم التى لايستسيغ اي مخلوق لعقها فالى ان يحق الحق تبقى الشعوب العربيه مرتهنه للمجهول ورحى القتل والتدمير تطحن الاحرار في بلاد العرب رغم مسلسل سقوط الطغاة المتسلطين

    • زائر 10 | 3:16 ص

      عام 2011

      (عام أطل على الأنام بثورة**في تونس قضت مضاجع بن علي)
      (إذ فر منها هاربا في ليلة**كابوسها من فكره لا ينجلي)

    • زائر 6 | 12:26 ص

      بانتظار الحصاد

      سلمت يا سيد.. فعلاً سيأتي هذا اليوم، الحمد لله فكل هذا بعين الله، ونتمنى أن يكون 2012 عام حصاد

    • زائر 5 | 12:19 ص

      رب العباد

      واذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان نحن دعائنا وتوكلنا على الله لنرى العدل والقسط يقام على وجة البسيطة

    • زائر 1 | 11:36 م

      الله المعين

      سيأتي حتماً عامٌ فيه يغاث الناس وفيه يعصرون.المسألة مسألة وقت وتحتاج الى صبر وتوكل على الله الذي لا يمهل ولا يهمل عباده الصالحين.

اقرأ ايضاً