العدد 3409 - الجمعة 06 يناير 2012م الموافق 12 صفر 1433هـ

إلى متى سينام العرب خارج العراق؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انسحب الجيش الأميركي من العراق بعتاده ورجاله. هذا الأمر لا يعني العراقيين وحدهم، بل يعني المنطقة بأسرها. كيف لا وهي التي استعَرَت بنار تداعياته. هنا، نتساءل: هل سيعِي العرب أن ذلك الانسحاب يعنيهم كغيرهم فعلاً؟ نتمنى ذلك، لكن الأمور لا يبدو أنها سائرة نحو ذلك الوعي.

في السابق غاب العرب عن التأثير في مجريات الشأن العراقي، منذ سقوط بغداد في التاسع من أبريل/ نيسان من العام 2003 ولغاية الساعة، مستثنيًا بذلك الحقبة التي استمرت ثلاثة عشر عامًا، والتي بدأت بغزو نظام صدام حسين للكويت الشقيقة في أغسطس/ آب من العام 1990 ولغاية العام 2003، وذلك لاستثنائية تلك المرحلة، التي كان فيها العراق، يُهيأ للسقوط بالشكل الذي رأيناه، لذلك آثرت الحديث عنه منذ ما بعد الاحتلال.

أضيف على ذلك ربطًا بذلك الغياب الخاطئ، أنه وحتى عندما أرسلت بعض الدول العربية بسفراء لها إلى بغداد خلال السنوات الماضية، فقد كان الأمر أشبه بالترميز السياسي والدبلوماسي فقط، من دون أن يكون لهم دور محوري، يوازي ما كانت تقوم به دول أخرى، وبالتحديد إيران فضلاً عن دور العديد من الدول الغربية، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإلى حدٍّ ما تركيا، كل على شاكلته.

هذا الأمر، هو الذي يجعل من الحديث عن دور عربي ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، أمرا في غاية الأهمية. كثيرة هي المحطات التي أتت فيها فرصة الولوج إلى العراق، لكن الدبلوماسية العربية لم تقتنصها، أو على أقل تقدير، لم تحسن استثمارها كما يجب، لذلك بقيت خارج نطاق التأثير والتأثر الطبيعي، ما خلا ذلك المتعلق بطوفان الاقتتال الأهلي واستعاره على الأراضي العراقية بين عامي 2006 و2008 والذي أثر بدوره سلبًا على مجمل المنطقة طائفيًا وإثنيًا، واجتماع الناس، ومن بينها منطقة الخليج العربي.

طيلة السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي لهذا البلد، لم يفعل العرب ما يكفي لأن يقال انه دور سياسي حقيقي. فعلى المستوى الداخلي، أصبح العرب في مستوى المشاهدة السلبية فقط، لما كان يجري في بغداد، من تذابح واقتتال أهلي. ترِكَ العراق، أسيرًا لتحالفات إقليمية، كان الإقليم نفسه متضررًا منها قبلاً، وبالتالي كانت حاجتهم ماسة إلى أن يكون لهم دور في العراق، لكنهم لم يفعلوا شيئاً يصحح من ذلك الخطأ ولغاية الآن.

وحتى عندما فازت القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي بـ 91 مقعدًا، وهي القريبة جدًا من التوجهات العربية الأوسع، وكانت تطمح لأن تلقى دعمًا عربيًا «حقيقيًا» لم يحصل ذلك. وبعد أن استُبدِلت مسألة أحجام الكتل الفائزة في انتخابات مارس/ آذار 2010 النيابية بموازين أخرى تتعلّق بـ «حُجِّيّة» رأي المحكمة الاتحادية في تفسير الكُتلة الأكثر أو الأكبر، ولم تُعطَ حق تشكيل الحكومة وأعطيت لقائمة أقلّ منها عدداً في المقاعد (دولة القانون - 89 مقعداً) لم يفعل العرب أي شيء، لدعم القائمة العراقية وهي في معركة مصير حتى فات الأوان.

هنا، وبعد كل ذلك، لا يمكننا إلاَّ أن نتساءل: هل العرب لديهم الاستعداد فعلاً لأن يعيدوا النظر في الكثير من سياساتهم تجاه العراق؟ هذا هو السؤال المهم، قبل الحديث عن دور لهم بعد عملية الانسحاب الأميركي من الأراضي العراقية، لأنه هو الأسبق عن أي شيء آخر. في كلّ الأحوال، فإن الدول العربية، ملزمة بأن يكون لها دور إن هي أرادت حفظًا أكثر لأمنها القومي، وتوازن حضورها الاستراتيجي في المنطقة. لأن من الخطأ أن يظل العراق، خارج المنظومة العربية، وبهذا الطريقة العرجاء، وهم الأقرب إليه دينًا ولغة وثقافة.

بعد الأزمة الأخيرة في سورية، وظهور اصطفاف سياسي عراقي سوري، أطاح بجزء كبير من الضغوط الغربية والعربية على سورية، بات العرب أمام تحدٍ إقليمي جديد، يفرض عليهم تجسير ما يتوجب عليهم من علاقة مع العراق، بعد أن استطاعت جغرافيته واستطاع سياسيوه المدينون لدمشق إيواءها لهم طيلة عقود، أن يحوّلوا بُعد العراق الاستراتيجي إلى رئة تنفس سياسية واقتصادية نشطة لسورية بوجه الضغوط. نعم... إن الانغلاق على ذلك البلد لن يفيدهم، بل على العكس سيضر بهم كثيرًا، وسيعزز لدى العراقيين الشعور بأن ذلك التمنع العربي هو في حقيقته معاد للعراق، وهو ما سيعقد من الموضوع.

ولا يراهنن أحد على حاجة العراقيين الماسَّة للدول العربية وعمقها؛ فهذه المعادلة لا يبدو أنها قائمة، فترتيبات هذا البلد في طريقها نحو القسمة السياسية والاقتصادية والأمنية بين دول عديدة، تبدأ من اليابان مرورًا بمنطقة النمور الآسيوية والصين والهند، ثم إيران حيث المفرزة الأكبر، ممتدة نحو روسيا وتركيا وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تفهمها الدول العربية. وإذا كانت العديد من هذه الدول لديها علاقات تاريخية مع الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للعراق فلِم لا تكون إعادة تلك العلاقة عبرها، وخصوصًا أن واشنطن ترغب في ذلك بشدة، وقد طلبته صراحة منذ سنوات، لإحداث المزيد من التوازن الاستراتيجي داخل العراق، أمام قوة النفوذ الإيراني فيه، وأيضًا لتدعيم تجربتها في العراق.

في كل الأحوال، فإن وجود دور عربي في العراق يصبح في غاية الأهمية، وخصوصًا أن هذه المرحلة هي حسّاسةٌ للمنطقة. فكسب العراق، وضمّه إلى الحاضنة العربية، سيأتي بالنفع على جميع الدول. بل هو يدخل في عملية الاستقرار الشامل للمنطقة، وربما يشهد التاريخ على ما أقول، متمنيًا أن تكون تلك الشهادة قد جاءت في ظلّ تصويب لتلك العلاقة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3409 - الجمعة 06 يناير 2012م الموافق 12 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:34 ص

      اختلف

      شكرا للكاتب ولكني اختلف معه اليوم في هذه النقطة حيث ان الكثير من الارهابيين الذين تم القبض عليهم هم جاؤوا مدفوعين من دول عربية هذا الامر يجعل من العراق يتوجس من علاقة عراقية عربية

    • زائر 1 | 12:29 ص

      الدول العربية !!!!!!!!

      لا حاجة للعراق للدول العربية التي يتساقط حكامها كالكارتون خلهم بره أحسن لانه ما يجي منهم لا البلوة

اقرأ ايضاً