العدد 3414 - الأربعاء 11 يناير 2012م الموافق 17 صفر 1433هـ

الإسلام السوريّ... ما له وما عليه (1)

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

الحديث عن الإسلام السوري ليس حديثاً. فمنذ استقلال سورية يشغل الإسلام جزءاً من حيّز الفعاليّة السياسيّة والأهليّة في الدولة.هذا الحديث يُستَجد كلما دخلت سورية في حالة من الفعل السياسيّ، أو عند إحداث أمر سياسيّ وإجرائي فيما يتعلق بالعرب أو بمصيرهم ومستقبلهم.

مثلاً، في هذه المرحلة الحديث عن الإسلام ودوره استجدّه الحراك الشعبي، ولا نستطيع القول: إنّ النظام هو من افتعله، وعند نشوب الحرب الخليجيّة الثانيّة تحرك الإسلاميون السوريون على مستوى أئمة الجوامع والخطباء في الحيز العام لنصرة صدام حسين (رئيس العراق المخلوع)، وعندما فشل صدام في مواجهته في عاصفة الصحراء اتجهوا نحو فلسطين. وعند سقوط النظام العراقيّ البعثيّ انفعل الإسلاميّون السوريون شأنهم شأن غيرهم من الإسلاميّين العرب وانضموا إلى جوقة «المجاهدين العرب» الذين أتوا إلى العراق من كل حدب وصوب للدفاع عن نظام صدام حسين. وما إن أخفق صدام حسين في إنقاذ نفسه ونظامه حتى تحول الإسلاميون إلى «مجاهدين» لمحاربة قوات التحالف الدولي معلنين العراق عدداً من الإمارات الإسلاميّة. لكن سرعان ما فشل مشروعهم، وعانوا الويلات حيث قتل بعضهم والبعض الآخر تمّ اعتقالهم أو ربما فرّوا من العراق. وفي أثناء حرب يوليو/ تموز في لبنان تحول كل الإسلاميين إلى ما يشبه جنوداً لدى «حزب الله»، وما إن بدأت الحرب الإسرائيليّة على لبنان حتى استنفر كلُّ الإسلاميين مقدِّمين أرواحهم فداءً لـ «حزب الله» متحدّين كل الصعوبات، متناسين الطائفيّة، ونادراً مّا كنت تسمع حزب الله على أنه «حزب شيعي». كانت الصفة الوحيدة الذي يتمتع بها «حزب الله»هي «حزب المقاومة».

والحقّ، أنّ الإسلاميين السوريين شاطروا غيرهم من الإسلاميين العرب، حيث انضمّوا إلى التظاهرات التي تقام ضد بعض السياسات الغربيّة في المنطقة، وتحديداً عند افتعال قضيّة الرسوم الكاركاتيرية المسيئة إلى الرسول (ص) متناسين قضاياهم المحليّة. ولكن عندما فصلت السلطات السوريّة المنقّبات عن مؤسسة التدريس في سورية لم يحرك الإسلاميون السوريين ساكناً.

يمكن القول إنّه منذ أن تسلم حزب البعث السوري الحكم، نشط الإسلاميّون سياسيّاً مرتين، مرّةً من بين 1979 و1982 ، والفترة التي كانت قاتلة بالنسبة إليهم، ومرّةً أخرى في مرحلة «ربيع دمشق» بداية تسلم بشّار الأسد الحكم. وحيث يشاركون الآن في الحراك الشعبي، فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، من هو الإسلام الذي يشارك في الحراك؟ في الحقيقة إن للإسلام دوره في تفعيل الحراك، إلا أنّ هناك ألواناً للإسلام السوري، فمثلاً:

جماعة «الإخوان المسلمين»، إنّه حزبٌ تاريخيّ، له مساهمات في الحياة السياسيّة السوريّة، ساهم إلى جانب القوى والأحزاب السوريّة في ممارسة الحياة الديمقراطيّة ما بين 1947 و1957 حتى أثناء منافسته للانتخابات لم تسجل نقطة سوداء فاقعة في سجله الديمقراطي. كان ممثلوه إلى جانب خالد بكداش - الشيوعيّ العريق الذي مات ولم يؤمن ببرسترويكا غورباتشوف وغلاسنسونت حتى أنّه لم يقرأ «أنباء موسكو» الجريدة الوحيدة لتنقل أخبار التغيير والعلانيّة في بلاد السوفيات للعالم العربي- يجتمعون تحت سقف البرلمان السوري. إلا أنّ هذا الحزب العريق لم يستطع الحفاظ على سلوكه الديمقراطيّ.

يمكن القول إن وقوعه في مطبّ العنف مع النظام أفقد رونقه (أو صبغته) الديمقراطيّ أو السلميّ، وما إن شارك في دوامة العنف مع النظام في ثمانينات القرن الماضي حتى ابتعد الشارع السياسيّ والشعبيّ عنه وصار حزباً مخيفاً. لم يحسن «الإخوان» الخروج على السطح إلا مع بداية «ربيع دمشق»، ويبدو كأن هناك إلحاحاً أو نيّة للأحزاب والقوى والشخصيّات السوريّة القوميّة والعلمانيّة لاستعادتهم وإعلان الشراكة معه ولا سيما في «إعلان دمشق» للتغيير الديمقراطي.

كأنّ التعاون هذا قد صار دافعاً لحزب الإخوان كي يصدر وثيقةً ويتبنَّى دولة المدنيّة ودولة المواطنة الحقّة في بداية هذا العقد، إذ حاول أن يتواجد في نشاط «ربيع دمشق» وطرح أفكاراً ومواقف كانت تأتي عبر الرسائل- قرأ الناشط علي عبدلله رسالة «الإخوان» في منتدى الأتاسي وصار سبباً لاعتقاله لمدة.

في داخل سورية لم ينضم «الإخوان» بشكل مباشر إلى «إعلان دمشق»، لكن في الخارج عيّن هذا الحزب ممثلين له في منظمات «إعلان دمشق» بشكل مباشر. الخطأ الكبير الذي وقع فيه ثانيةً هو انضمامه إلى التحالف مع عبدالحليم خدام في «جبهة الخلاص الوطني» الأمر الذي أثار مخاوف الكثير من الأوساط، وكان السؤال الوحيد يطرح في ذاك الوقت هو، كيف قفز «الإخوان» على ما فعله خدام في أحداث الثمانينات؟ وما لبث وبعد أن خفّ ضوء «إعلان دمشق» إثر زجّ قيادته إلى السجن بعد تشكيل مجلس وطني له، التجأ الإخوان إلى البحث عن منفذٍ للحوار مع النظام السوريّ. وما أن أعلنت إسرائيل الحرب على غزة حتى أعلن «الإخوان» تجميد معارضته للنظام، وأصدر بياناً وأعلن وقوفه إلى جانب النظام. وتحدث الإعلام الأجنبيّ والعربيّ عن وجود مفاوضات بين النظام السوري والإخوان، والغريب أنه (حزب الإخوان) لم يبادر إلى نفي هذا الخبر أو تأكيده، ممّا أعاد إلى ذاكرة المهتمّين انتهازية «الإخوان» وتذبذب مواقفه. وعندما افتعل الثورة في مصر بعد نجاحها في تونس وفيما كان النظام السوري يقف إلى جانب الشعب المصري ويقول إن رياح التغيير سوف لن تمر من سورية حتى دعا «الإخوان» النظام السوري إلى التنازل وإجراء الحوار مع المعارضة والانتقال بسورية إلى النظام الديمقراطي. ومع انطلاق الثورة في سورية ادّعى «لإخوان» أنه هو وراء الثورة إلا أن الوقائع على الأرض تنفي ذلك. للإخوان دور نسبي في الثورة، والكثير من السوريين لا يرون في «الإخوان» أيّ أمل، ولعل السبب هو تنقلاته من مكان إلى مكان، وقفزه على ضحايا الثمانينات ليتحالف مع خدام، كما أنّه لم يقدّم اعتذاره إلى السوريين في تحمله المسئولية المشتركة مع النظام في أحداث الثمانينات. والخطأ الثالث هو اعتماده بشكل كلّي على تركيا مما أساء إليه أكثر لأنه لا يمكن لهذا التعاون التركي الإخواني أن يبعد عن أنوفنا ريح الطائفيّة. إلا أن ما يحدث وحدث مع «الإخوان» لا يعتبر نهاية التاريخ بالنسبة له إذ توجد إمكانية إصلاح ما يمكن إصلاحه، فيما إذا أراد الإخوان ذلك، ولعلهم اليوم أمام استحقاق يدفعهم إلى التفكير بروح قبول الآخر والاعتراف آخذين في الاعتبار هواجس المكونات الحزبيّة والطائفيّة والعرقيّة

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3414 - الأربعاء 11 يناير 2012م الموافق 17 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً