العدد 3428 - الأربعاء 25 يناير 2012م الموافق 02 ربيع الاول 1433هـ

أين حمرة الخجل؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إقامة دولة فلسطينية مستقلة هي جريمة وتهدد عملية السلام في الشرق الأوسط، لكن إقامة دولة جنوب السودان هو حق ومطلب دولي، ويُعزِّز من عملية السلام في السودان. التدخل الأميركي في العراق هو احتلال، لكنه في ليبيا تحرير! إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بعد محاكمة طويلة ومرئية هو ظلم، لكن أن يُقتل الزعيم الليبي السابق معمَّر القذافي عارياً وبتلك الصورة البشعة فهو عدل! أن تستخدم روسيا حق النقض في مجلس الأمن ضد أي عمل عسكري في سورية، هو خيانة لدماء السوريين، لكن أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض لصالح الكيان الصهيوني، فهو من أجل إنجاح عملية السلام.

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يمنع العراقيين من زيارة قبر صدام حسين في تكريت، لكن المالكي نفسه يزور مدافن آرلنجتون الوطنية في واشنطن خلال زيارته لها، ليقدم التقدير والاحترام لأكثر من أربعة آلاف جندي أميركي قتلوا في العراق منذ غزوه في العام 2003. البعض يرى أن ما جرى في تونس ومصر وليبيا هو ثورة، لكنه يرى أن ما يجري اليوم في سورية هو إرهاب وتخريب وحركة طائفية! البعض أيضاً دعا القذافي من قبل، ويدعو الأسد اليوم للتنحي عن السلطة، في حين أن أصحاب الدعوة ذاتهم موجودون ومُعمِّرون في السلطة منذ عشرات السنين ويحكمون بلادهم بالحديد والنار، ويودُّون أن يبقوا فيها حتى يأذن الله في أمرهم.

فرنسا، تدين نفي إبادة الأرمن من قِبَل الأتراك في العام 1915، في حين أنها هي من أبادت الجزائريين ورمتهم في نهر السين مساء السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 1961، بل وساهمت في إبادة مليون جزائري غيرهم إبان ثورة التحرير. دول إسلامية تدعم آرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة في النزاع الحدودي على ناغورني كاراباغ. دول إسلامية أخرى لا ترى في إسرائيل الصهيونية مشكلة، لكنها ترى ذلك وأكثر في إيران المسلمة. الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بنظر الإسلاميين من الإخوان المسلمين والسلفيين كان عميلاً لإسرائيل عندما وقع على اتفاق أوسلو مع رابين في العام 1993، لكن الإسلاميين السلفيين اليوم في مصر يصرِّحون علناً بأنهم يحترمون معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ولا يسعون إلى إلغائها.

مساعد وزير الخارجية الأميركية لشئون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان هو صهيوني ومتآمر في لبنان، لكنه رجل سلام ومحبَّة في دول أخرى. إيران عدوٌ عقائدي وسياسي لتنظيم «القاعدة» لكنها تستضيف عدداً كبيراً من قيادات التنظيم وعوائلهم على أراضيها. الحوثيون قاتلوا الرئيس اليمني المغادر علي عبدالله صالح في ست حروب طاحنة، لكنهم وقفوا إلى جانبه في معركته الأخيرة مع الثوار. سعد الدين إبراهيم كان عميلاً للأميركان عندما يلتقي بهم كما كان يراه الإسلاميون والحكم معاً، لكن المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر محمد بديع يلتقي قبل أيام السفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسون من دون مشكلة أو اتهام من أحد.

أحزاب شيعية في العراق صديقة للأميركان، وأحزاب شيعية في لبنان عدوَّة للأميركان. أحزاب سُّنيَّة في العراق عدوَّة للأميركان، وأحزاب سُنيَّة في لبنان صديقة للأميركان. المحكمة الجنائية الدولية تحاكم المذيع الكيني جوشوا أراب سانغ بتهمة التحريض على القتل والإبادة الجماعية، ولا تحاكم الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بتهمة الإبادة في العراق وأفغانستان. مقتل أربعة حراس أمن بريطانيين في العراق منذ العام 2007 اختطفتهم عصائب الحق هو كارثة لأهاليهم، لكن مقتل ثلاثة آلاف سوداني في الجنوب في بحر أسبوع هو نتيجة صراعات قبلية ولا مشكلة سياسية فيها، بل ولا تحتاج حتى إلى تحقيق دولي.

هذه النماذج من التناقضات تؤسس لإشكالية جدلية كبيرة في العمل السياسي. لقد أصبح التناقض مسموحاً للجميع من دون خجل. يجوز هنا ما لا يجوز هناك. ويحرم هنا ما لا يحرم هناك. الموضوع واحد، لكنه يصبح عدلاً هنا، وجوراً هناك. لقد أظهرت التجارب أنه إذا ما أردنا تشريح مواقف الدول الغربية، التي لا تدين بدين، فإن أبسط التفسيرات بشأنها، هي أن مصالحها هي التي تكيِّف سياساتها والقيم الإنسانية التي ترفعها. أما الدول التي تدين بالإسلام فإن دينها عادة من يُتطوَّع من أجل أن يتلاءم مع سياساتها. بمعنى أن الدِّين هو الخاضع لإرادة السياسة، بل وحتى القيم كذلك وليس العكس. إذاً لا فرق بين هؤلاء وأولئك إلاَّ في التسميات.

ما أنتجته الثورات العربية منذ يناير/ كانون الثاني الماضي ولغاية اليوم، هو أنها لم تزِح أنظمة وتزعزع أخرى فقط، وإنما كانت فرصة أيضاً لغربلة الكثير من المواقف السياسية، وتلك المسمَّاة بالمبدئية. بَلدَان مختلفان في الجغرافيا فقط. يصبح العنوان فيهما هو التغيير نحو الديمقراطية والحرية. والوسيلة هي التظاهر. لكن يُنعَت هؤلاء بالثوار في هذا البلد، والآخرين في البلد الثاني بالإرهابيين كما هو الحال في سورية، وقِس على ذلك. كيف يُمكن أن نفهم هذا التناقض! ما يجري أمام ناظرينا في هذا العالَم هو حفلة مباراة لِمَن لا يخجل أكثر. هذه هي الحقيقة. فما يفرضه المنطق والعقل، هو أن القيم والحقوق والصدق والكذب والعدالة هي أمور لا تتجزأ، ولا يُمكن فصل موضوعها عن مصداقها طبقاً للمصالح، وإلاَّ لما أصبحت قيماً

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3428 - الأربعاء 25 يناير 2012م الموافق 02 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:44 ص

      جميل

      كلام موزون

    • زائر 7 | 2:36 ص

      في الداخل عندنا الان مصداق لقوله تعالى

      قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)

    • زائر 4 | 12:28 ص

      صراع بين الحق والباطل

      هذا صراع بين جبهتي الحق والباطل، وانقلابات بين صفوفهما من أجل غربلة الافراد والمجتمعات لترى الحق حقا والباطل باطلا وعندها تقام حجة الله على خلقه (ولله في خلقه شؤون)

    • زائر 2 | 11:08 م

      في الصميم

      اهنئك اخي محمد على هذا الطرح الصريح والواقعي

اقرأ ايضاً