العدد 3436 - الخميس 02 فبراير 2012م الموافق 10 ربيع الاول 1433هـ

سورية... إلى أين؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

مع مطلع الألفية، ثمة كتلة وعود وعد بها السوريون في ربيعهم الدمشقي كما غيرهم من الشعوب في إطار الإصلاح السياسي الديمقراطي، وبما يفسح فيه للتعددية وممارسة حياة برلمانية قوامها الشعب مصدر السلطات.

الوعود بالطبع لم يرشح منها حتى الآن غير تفاقم الفقر وارتفاع منسوب الفساد وزيادة الفجوة بين المدينة والريف، وتضاؤل الطبقة الوسطى وتقلص الحريات مقروناً بزيادة حدة القمع. ومنه وبتأثير وتأثر من الربيع العربي ضج الشعب وتفجر الوضع الداخلي وفُتح عش الدبابير على عنف وانتفاضة أسفر قمعها عن سقوط قتلى واعتقالات وتهجير. السلطات السورية نسبت أعمال العنف إلى عصابات إرهابية مسلحة أودت بحياة رجال أمن، ودفعها إلى المضي دون هوادة لتطهير البلاد من الخارجين عن القانون.

حتماً لهذه النتيجة أسباب متعددة، ذاتية وموضوعية، بيدَ إن السبب الرئيس والأسوأ يرجعه المحللون إلى منظومة الأمن الاستراتيجية التي تأسس عليها النظام السوري واعتماده على ممارسة سياسة تسلطية ترتكز على القمع والبطش وإثارة الرعب لكل من يخالفه، متوازيةً مع قدرته على اللعب على التناقضات والاختلافات الفئوية والمذهبية بين فئات وقوى المجتمع السوري المعروف بتنوع إثنياته وتعدديتها.

كما أن هذا النهج تعزز بفعل علاقات دولية وإقليمية متوازنة أجاد النظام الإبحار في غمارها، والمقصود هنا علاقته بالروس والأميركان والأوروبيين. لاشك أن هذه العلاقة وضمن مصالح متبادلة أثرت في تثبيت أركانه إقليميّاً ولسنوات طويلة، كما أتاحت له فرص التحكم في مفاصل المجتمع، وخصوصاً بعد انضمامه إلى التحالف الأميركي - الغربي - العربي لمواجهة احتلال الكويت من قبل صدام. وقتها أخليت له الساحة لقمع جماعة الإخوان المسلمين والقضاء على حركتهم، وكذا الإطباق على أنفاس لبنان لسنوات تخللها جمود على جبهة القتال في هضبة الجولان المحتلة من قبل الكيان الصهيوني، وما طرأ على مسار علاقته الاستراتيجية مع النظام الإيراني وحزب الله في لبنان وما أفرزته من تداعيات.

بيدَ أن البراغماتية التي اتسم بها النظام في سياسته الخارجية ودهاء أقطابه في تجاوز المطبات وتطويع الداخل، لم يسعفهم لاستيعاب ما أحدثته عواصف الربيع العربي حيث تساقطت كأوراق الخريف أنظمة كل من زين العابدين بتونس، ولحقه خلع حسني مبارك في مصر وبعده نظام القذافي في ليبيا، وأخيراً ترحيل علي صالح من اليمن، إلى جانب مخاضات لا تزال تمر بها بلدان عربية أخرى. وتبين بشكل فاقع اختلال قراءة السلطة للمشهد السياسي الإقليمي وترجيحه كفة الميزان لصالح موقف حليفه الإيراني ولاسيما بعد انسحاب الجيش الأميركي من العراق وسحب قواته من أفغانستان، في الوقت الذي كثر فيه حديث المراقبين عن المنعطف الخطير الذي يمر به الحليف بسبب سباق التسلح الذي أدخله فيه الغرب والضغوط على المفاعل النووي والعقوبات الاقتصادية المفروضة وتأثيرها على إضعاف العملة الإيرانية وارتفاع نسبة البطالة وغيرها. أضف إليها تأثير التهديدات النارية المتبادلة بين نجاد و»إسرائيل» وأميركا وحلفائها الغربيين.

وعليه؛ لا مبالغة في القول إن قصر النظر في قراءة المشهد السياسي امتد عند النظام إلى تجاهل تغير السياسة الأميركية تجاه الأنظمة الدكتاتورية ولو بدرجات، وميلها الحذر في التعامل مع حركات الإسلام السياسي الصاعدة وحسب مقاييس محددة يمكن رصدها بوضوح في خطب هذه الحركات «تونس ومصر» كنموذج، وأيضاً المغرب والأردن وغيرهما. خطابات دلالاتها تشير مباشرةً أو بشكل مضمر إلى استيعابها طبيعة العلاقة المطلوبة مع الغرب والولايات المتحدة في إطار الاتفاقيات الدولية، والعمل على إدارة عملية سياسية ودولة مدنية ديمقراطية قائمة على مبادئ الحق والعدالة والمساواة والتعددية واحترام الحريات الشخصية وعدم التراجع عن مكتسبات المرأة وهلم جرا. على الأقل هذا ما تكشفه خطاباتهم التي ستواجه بالفعل تحديات هائلة بين الأقوال والأفعال.

إن استمرار قصور الرؤية وعليه سرعة وتيرة الانتفاضة وزيادة حدة ردود أفعال النظام تجاه المعارضة أوصل الوضع إلى حافة منزلق خطير، لكن هل هذا كل شيء؟

بالتأكيد لا، وخصوصاً بعد تقلص فرص التسوية بين النظام وأقطاب المعارضة المتعارضة مع نفسها أيضاً، والتلويح والتهديد باحتمالية حدوث حرب أهلية، ودخول الجامعة العربية على الخط بضغطها على النظام وإرسال مبعوثيها ثم انسحاب بعضهم باعتبار عدم التزامه بوقف العنف وسحب الجيش من الشوارع، وتقدّمها - أي الجامعة - بمشروع قانون لدى مجلس الأمن يستند إلى خطة عربية - قطرية شبيهة بالسيناريو اليمني في مطالبة الرئيس تسليم السلطة إلى نائبه تمهيداً لإجراء انتخابات حرة والانتقال الديمقراطي للسلطة.

لكن رد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة بشأن القرار جاء ليعزِّز موقف النظام السوري: «المشروع الحالي ليس بعيداً عن صيغة المشروع السابق، لا يمكننا بالتأكيد دعمه، لأنه يرسم خطاً واضحاً بوقف تزويد سورية بالسلاح، ولا يرسمه بالنسبة إلى تهريب الأسلحة للقوى المتطرفة من قبل بعض الدول»، كان يقصد بالطبع ما تردد عن تهريب أسلحة ومقاتلين من الجوار السوري، لمَ لا وروسيا تجد في أي نجاح أميركي ضربة قاضية لنفوذها في المنطقة، وحين أعلنت خارجيتها قبل أيام موافقة السلطات السورية على بدء محادثات غير رسمية مع المعارضة في روسيا، جاء الرد موجهاً وسريعاً من رئيس المجلس الوطني برهان غليون، الذي يقدم نفسه كمعارضة في الخارج: «لن تجرى أية مفاوضات مع النظام قبل رحيل الرئيس بشار الأسد، وأن تنحيه شرطٌ لبدء أي مفاوضات للانتقال إلى حكومة ديمقراطية».

بيدَ أن هذا المجلس يعاني من إشكالية تمس وضعه وموقفه الدافع باتجاه التدخل الأجنبي في سورية، إذ يصفه المعارض السوري هثيم مناع في مقابلة مع إحدى الفضائيات: «بأن تركيبته انفجارية، وتشكله غير ديمقراطي بل وتآمري وتحت الطاولة وخصوصاً مع جلوس مجموعة منه في اسطنبول لمدة أشهر»، مشيراً إلى أن طريق مجلس الأمن غير سالك. لماذا؟ لأنه برأيه لا يمكن شراء الفيتو الروسي بالأموال، وهذه المسألة وراءها عمل أميركي، تدخل الناتو يمثل خطاً أحمر للروس لما فعله في ليبيا وما خلفه من 52 ألف قتيل و300 ألف جريح (يعني ما بيبيض الوجه)، وسورية لن نسلمها إلى حلف الناتو»، مضيفاً «الثورة السورية ترفض التدخل المالي والسياسي والعسكري».

خلاصة الأمر؛ لو قاربنا العوامل السابقة وحللناها في سياق تشابكها وتفاعلها بحالة التطويق التي يعاني منها النظام، والتي تجعل من الصراع صراع وجود، كذلك الوضع غير المتجانس بين معارضة الخارج والداخل، ودور من يتحين فرص تصفية حساباته التاريخية مع النظام وحلفائه وغيرها؛ لا ريب تدفع بالوضع إلى مزيد من الانفجاريات المنذرة بحروب أهلية طائفية ليس في سورية وحدها إنما في عموم المنطقة

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3436 - الخميس 02 فبراير 2012م الموافق 10 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً