العدد 3442 - الأربعاء 08 فبراير 2012م الموافق 16 ربيع الاول 1433هـ

جانب من إرهاصات ما بعد الهيئة... والإستقلال

عبدالكريم العليوات يتذكر (12)...

عبدالكريم العليوات
عبدالكريم العليوات

الزمن لا يشيخ؛ وخصوصاً للذين هم شاهدون عليه. هم يمثلونه في أكثر من قلب وحسٍّ إضافي في اللحظات الفارقة والحاسمة. هم ثرمومتر الزمن. البعض يريد للزمن أن يشيخ ويهرم ضمن شروطه واصطفافه أو حتى مزاجه. ذلك لن يحدث؛ لأن الزمن ليس أجيراً عند أحد بالمياومة أو براتب مقتطع يحدده صاحب مزاج أو وهم.

عبدالكريم العليوات واحد من شهود مرحلة فاصلة امتدت منذ منتصف القرن العشرين وشهد أحداثاً وتحولات.

وحين يتذكر هنا لا ليذهب في السرد، بقدر ما يذهب في محصلات ذلك السرد. يواصل عبدالكريم العليوات حديث الذكريات.


بعد عقد من الهيئة

 

منذ انتهاء الهيئة العام 1956 إلى العام 1965 مضت نحو 9 سنوات. وفي منتصف الستينات حدثت انتفاضة مارس/ آذار 1965، وهي انتفاضة عمالية؛ إذ شارك فيها العمَّال والطلبة، وكان للشيوعيين والقوميين دور كبير في تحريكها.

وفي حين مثلت الهيئة حالة من الحركة الشعبية العامة شملت كل قطاعات المجتمع البحريني؛ فإن انتفاضة مارس كانت حالة عمَّالية، لكنها ليست حركة عامة. ومن بين الشخصيات التي ساهمت في قيادة هذه الحركة إبراهيم أحمد فخرو.

أما على الصعيد الشخصي فلم أشارك في هذه الحركة، والتزمت عملي، ولم أهتم بالشأن العام إلا من بعيد.


أجواء المنامة بعد الهيئة

 

مع دخول البحرين مرحلة قاسية بعد ضرب الهيئة؛ قلَّ النشاط الثقافي والسياسي إلى حد كبير، لكن مع ذلك ظلت هناك بعض الأنشطة ذات الطابع الفكري والثقافي والسياسي عموماً. ويعتبر نادي العروبة في تلك الفترة من بين أهم الأندية في التنشيط الثقافي، وخاصة في المنامة.

وفي هذا المجال - مع أنني لم أكن عضواً في النادي - أتذكر أنني حضرت مناظرة بشأن علاقة الرجل بالمرأة، وهي عبارة عن لقاء شهري ينظمه نادي العروبة للجمهور، وكان الحضور على ما أتذكر، كبيراً، وكانت هناك آراء متباينة ومختلفة بشأن الموضوع. ومن بين المتناظرين المرحوم حسن جواد الجشي، ولا أتذكر الثاني، لكنني أعتقد أنه علي التاجر. وقد حدث نقاش بين مؤيد، وبين معارض.

فيما يتعلق بمواقف نادي العروبة؛ فقد كانت حادة بمعايير تلك الأيام. أما مؤسسو هذا النادي فهم نخبة من المجتمع أمثال جعفر الناصر، وحسن الجشي، وعلي التاجر، وآخرين لا أتذكر أسماءهم الآن.

وبالنسبة إلى الفكر التحرري في الخمسينات والستينات فيمكن القول: إن نادي العروبة كان يمثل هذا الاتجاه، وإلى جانبه النادي الأهلي.


الوالد في سانت هيلانة

 

حكم على قادة الهيئة (الباكر والشملان والعليوات) في (22 ديسمبر/ كانون الأول 1956) بالسجن 14 سنة. وتحركت شركة محاماة شريدان وعضو بحزب العمال وآخرون وأوصلوا القضية الى المحاكم البريطانية. وقد رأت المحاكم البريطانية أن اعتقال بحرينيين في سجن بريطاني غير صحيح لأن البحرين ليست مستعمرة بريطانية وإنما محمية بريطانية. وأصر المحامون على أقوالهم، مشيرين الى أن ترحيلهم من البحرين حدث قبل أن يعلن قرار الترحيل، وقرار الترحيل صدر عن جهة حكومية بريطانية ووصل إلى البحرين، وتم إشهاره بعد عدة ساعات من رحيل الباخرة. وهذا الأمر تم إثباته ما حدا بالمحكمة اعتماد حق الأشخاص في محاكمة عادلة بحضورهم شخصيّاً أمام القاضي، بحسب مبدأ Habeas Corpus وحكمت المحكمة البريطانية ببطلان قرار الترحيل والسجن في «سانت هيلانة»، وتم إطلاق سراحهم في 7 يونيو/ حزيران 1961.

وهكذا كانت قصة نفي الوالد مع الباكر والشملان إلى جزيرة «سانت هيلانة» في المحيط الأطلسي، بينما سجن في البحرين كل من إبراهيم فخرو وإبراهيم بن موسى، ولم يسجن عبدالله أبوديب لكبر سنه، وذهب السيد علي كمال الدين إلى العراق.

رفعت الشكوى القضائية لصالح الثلاثة في المحاكم البريطانية في بداية الأمر باسم الشملان، إلا أنها لم تنجح. ثم رفعت مرة أخرى باسم الباكر فنجحت، وتمت تبرئتهم وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وأسقط الحكم الصادر بحقهم، وتم تعويضهم.

من جانبي قمت بزيارة لجزيرة سانت هيلانة العام 1998، للتعرف على سجن الوالد ورفيقيه، وكان الهدف من زيارتي التعرف عن قرب على سجن الثلاثة، وكيف كانوا يعيشون في هذه الجزيرة النائية.


في ضيافة حاكم دبي

 

عندما قرروا العودة إلى البحرين نصحهم الانجليز بعدم العودة إلى البحرين، لأن الحكومة في البحرين متشددة تجاههم. فغادر الثلاثة سانت هيلانة وتوجهوا إلى لندن ومكثوا نحو 10 أيام، قام أثناءها حاكم دبي، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بعمل وليمة كبيرة تليق بشخصياتهم ومقامهم كوطنيين من الخليج. بعد ذلك ذهب كل من الوالد والشملان إلى لبنان ومنه إلى سورية، وكان في استقبالهما أحد الأشخاص الذين أتعامل معهم في شئون المكتبات وهو عادل عيتاني؛ إذ رتب لهما مكان إقامة بعيداً عن وسط بيروت، بعد ذلك لحقهم الباكر، إلا أنه انفصل عنهم لاحقاً.

الشملان ذهب الى سورية، ولحق به والدي، في حين ظل الباكر في بيروت إلى أن توفي في العام في يوليو / تموز 1971، ودفن في قطر.

عاش الوالد في سورية ست سنوات، من 1963 إلى 1969، وغادرها الى العراق.


الوالد في العراق

 

انتقل الوالد إلى العراق في نهاية الستينات وتلقاه بعض أصدقائه القدامى وعلى رأسهم رفعت الحاج سري.

بحكم صداقته بالوالد، قام الحاج رفعت بالتوسط للوالد للحصول على اللجوء السياسي، فمكث في العراق نحو 5 سنوات، كوَّن خلالها صداقات مع العراقيين، وكانت معاملة أهل العراق للوالد طيبة، وخاصة مع البحرينيين، وخاصة مع اللاجئين السياسيين.

توفي الوالد رحمه الله في 14 يناير/ كانون الثاني 1969 بالكاظمية ثم نقل إلى النجف الأشرف ودفن هناك، وكانت العائلة بر فقته، وبعد وفاته عادت إلى الوطن والدتي وزوجتي أم سمير، لتقبل التعازي بوفاة الوالد.


إرهاصات الاستقلال

 

ما إن بدأت بوادر الانسحاب البريطاني من البحرين واستقلالها حتى توالت الحوادث بظهور الدعوة الإيرانية لفرض السيادة على البلاد وضمها إلى إيران، لكن العلامة البارزة، هي أن الشيعة والسنة رفضوا تلك الرغبات بشدة. ووقفوا بوفاء وإخلاص مع حكومتهم وأرضهم رافضين التبعية إلى إيران أو غيرها؛ ما دفع شاه إيران حينها إلى القبول بحق البحرين في تقرير مصيرها هذا الإعلان من قبل الشاه دفع كلاًّ من إيران وبريطانيا بموافقة البحرين في أواخر مارس/ آذار العام 1970 إلى تقديم طلب إلى السكرتير العام للأمم المتحدة يوثانت لإرسال لجنة أو مبعوث من قبله لتقصي الحقائق في جزر البحرين لمعرفة رغبات سكانها وما إذا كانوا يفضلون أن تكون بلادهم دولة عربية مستقلة أم تنضم إلى إيران، وجاء موقف شيعة وسنة البحرين كما هو دائماً حرّاً كريماً أبيّاً رفضاً لأية هيمنة خارجية، وأثبتوا بحق أنهم يحبون أرضهم ووطنهم ولا يقبلون له الهوان والذل والسيطرة من أية دولة خارجية مهما تكن وكانت نتائج الاستفتاء الذي أشرف عليه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جينو سباردي راغبة في الاستقلال والحرية تحت قيادة سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه.

وقال الشعب البحريني كلمته وجاءت بأغلبية ساحقة لتؤكد أن هذا الشعب العربي المسلم لا يزايد على عروبته ولا يساوم على سيادته ولا يقبل لها بديلاً.

كلمة واحدة أعلنها الشعب الأصيل «البحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة كاملة»، وبالطبع وافقت إيران على هذه النتيجة، وعليه قضى مجلس الأمن بحق شعب البحرين في الانتماء إلى دولة مستقلة ذات سيادة في إعلانه الذي صدر بتاريخ 11 مايو/ أيار 1970.

بعد هذا الاستفتاء الشعبي على استقلال وعروبة البحرين وموافقة مجلس الأمن، بدأت الترتيبات لاستقلال البحرين كدولة عربية مستقلة في العام 1970.


المجلس التأسيسي

 

بمجرد إعلان الاستقلال في 1971 بدأت البحرين تُعد العدة لحياة سياسية جديدة تمثلت في قيام مجلس تأسيسي منتخب في العام 1972 لمناقشة وإقرار أول دستور للبلاد في تاريخها الحديث، وكنت أحد أعضاء هذا المجلس، وكانت رواتبنا 300 دينار في ذلك الوقت، وكان هذا المبلغ زهيداً، لكن بدافع العمل الوطني كنا لا نأبه به، وخاصة أننا بحكم حبنا لوطننا فقد صرفنا النظر عن الامتيازات الشخصية.
في هذا المجلس الذي استمر لمدة ستة أشهر قمنا بمناقشة مسوَّدة مشروع الدستور المقدَّم من الحكومة، وهو دستور تعاقدي، وهو يمثل التزاماً بين الحكومة والشعب. ومن المواقف التي أتذكرها أن علي فخرو كان من كتلة الحكومة بحكم منصبه كوزير، لكنه في كثير من المناقشات والأحيان كان يقف إلى جانب ممثلي الشعب في هذا المجلس. أما على صعيد الموقف الشعبي؛ فقد كان الشعب من مناصري الدستور، وكان أحد مطالبه منذ زمن.

 


 


تيارات المجلس التأسيسي

 

بالنسبة إلى أعضاء المجلس التأسيسي فقد كانوا يمثلون مختلف اتجاهات المجتمع من الناحية السياسية والاجتماعية. ففي المجلس كان هناك التيار الديني وفيه التيار الناصري، أما التيار اليساري فلم يشارك في انتخابات المجلس التأسيسي.

وبهذه المناسبة؛ أذكر أن محمد جابر صباح (أصبح عضو المجلس الوطني فيما بعد) قد جاءني وطلب مني عدم الاشتراك في المجلس التأسيسي، لكنني رفضت طلبه، وقلت له أنا لست يساريّاً، وغير ملزم بموقف الحركة اليسارية.
قررت الدخول في انتخابات المجلس، وفزت فيها بأعلى الأصوات، وكان معي من المترشحين سعيد الماحوزي.
 

 


 

 

 مقترح الحكومة غير الدستوري

استمر المجلس التأسيسي أقل من سنة تمت خلالها مناقشة مسوَّدة الدستور، وإقراره ثم رفعه إلى سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان. وفي نهاية فترة المجلس فوجئنا باشارات الى بعضنا من الحكومة مفادها: أن نبقى كأعضاء برلمان، لكننا رفضنا ذلك جملة وتفصيلاً، وأنه بحسب الدستور الذي ناقشناه مادة، مادة، لا يحق لنا أن نكون أول من يخرقه، وأن نصبح أعضاء برلمان. فمهمتنا محددة، والدستور لا يسمح بذلك. والأدهى من ذلك أنه إذا وافقنا على أن نتحول إلى أعضاء برلمان سيصدر مرسوم أميري بذلك من أجل تثبيتنا. لكننا رفضنا هذا المقترح لأنه يتعارض مع الدستور الذي ينص على أن تسيير الشئون العامة يجب أن يكون من خلال قانون صادر من السلطة التشريعية المنتخبة، أما الحكم من خلال المراسيم فلا يساعد على تنظيم الحياة السياسية العصرية بين الحاكم والمحكوم.
رشحت نفسي للمجلس الوطني العام 1973، ولم أنجح في هذه الانتخابات.
عاشت البحرين حتى منتصف السبعينات حياة دستورية ناجحة، لكن تم حل المجلس الوطني في أغسطس/ آب 1975 بعد أن عارض أعضاء المجلس مشروع قانون بتدابير أمن الدولة، وبعد ذلك تم تسيير الأمور من خلال مراسيم، وهو معاكس لرغبة شعب البحرين التي ثبتت في تجربة الاستقلال وانتخابات المجلسين التأسيسي والوطني.
 

العدد 3442 - الأربعاء 08 فبراير 2012م الموافق 16 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً