العدد 3451 - الجمعة 17 فبراير 2012م الموافق 25 ربيع الاول 1433هـ

أيا وطني... كثُر المدعون بحبك

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حاول أحد الموظفين إيهام من حوله أنه شخص مهم... فلما طرق رجل عليه الباب سارع الموظف إلى حمل سماعة الهاتف متظاهرا بأنه يكلم شخصا مهما... فلما دخل الرجل قال له الموظف: «تفضل اجلس ولكن انتظرني لحظة فأنا أحاول حل بعض المشاكل...» وبدأ يتظاهر بأنه يتكلم بالهاتف لمدة دقائق... ثم أغلق السماعة وقال للرجل: تفضل ما هو سبب زيارتك؟

فقال الرجل: «جئت لإصلاح الهاتف يا أستاذ»!

وهذا ما نحتاجه حقاً في بلادنا... فلنقبل أنفسنا كما نحن، فإن الناس تكره المتصنع... لنقبل أنفسنا والحقائق من حولنا كما هي ولا نحاول أن نتصنع أن كل شيء طيب وأن ما حدث لهو مجرد خروج على القانون. كما أن الناس باتت تكره مضغ علكة استغلال مناخ الحرية بشكل عكسي. مادمنا أساسا لم نتفق على معنى الحرية ومن يمنحها لمن وما هي هذه الحرية ومن له الحق في تحديد مفهموها بشكل فردي فوقي. كفانا الادعاء بالتغني بحب البحرين وكأن البعض للتو يكتشف أنه يحب البحرين وبدأ يتغنى بها شكلاً لا مضموناً. أو بالأحرى كفانا التظاهر بالحديث في الهاتف ونحن نعلم أن من يقف أمامنا هو العامل مصلح الهواتف ولا أحد غيره.

وقفت أمام مثل هذه الحكاية وأنا أعيد، في الفترة الأخيرة، قراءة بعض القديم الجديد مع نبشنا في أسباب ما حصل ويحصل من فتق الجراحات وإدماء الأجساد على قارعة رصيف الوطن. وفيها استوقفتني قصيدة من كتاب «على ضفاف الوطن» للكاتب محمد حسن كمال الدين. وهذا الإصدار، كما نعلم، كتبه المؤلف عن حياة والده العالم المصلح السيدعلي كمال الدين أحد أبرز زعماء حركة الخمسينيات المطلبية والذي يصفه الكاتب وهو ابنه بأن والده كان «أصبح شعلة سرمدية ضد الطائفية البغيضة» التي خطط لها بأن تشرخ المجتمع البحريني اليوم إلى نصفين، ولكن هيهات ما فتئ هذا الشعب يعي دروس الماضي القريب. تلك الحركة الخمسينية التي تنشر «الوسط» بعض حيثياتها خلال مذكرات عبدالكريم العليوات وهو أيضاً أحد رجال تلك الحركة البارزين. أما القصيدة فما قيل بها ينطبق تماماً على حاضرنا في قول شاعرها:

أيا وطني... كم يدعي القوم حبهم

إليك، وكم في حب ربعك مدعي

فما ضرهم لو أخلصوا الود والهوى

وكانوا يداً بيضاء في كل مجمع

أيا وطني... إني لأبكيك والأسى

يحز بقلبي، واللظى ملء أضلعي

لقد نهبوا الخيرات منك فأصبحت

ربوعك يا مهد الجنان كبلقع

وصبوا عليك اليوم جامات حقدهم

كأنك فيهم مذنب لم يشفع

ومن استشهد بهذه الكلمات وهو المناضل العالم الراحل السيدعلي بن السيدإبراهيم كمال الدين، هو من وقف لا في شرق ولا غرب البحرين، بل وقف وسط العاصمة المنامة بمسجد مؤمن العام 1954 والحشود الغفيرة من المواطنين حوله ومعظمهم تتأجج صدورهم بما ران عليها من فعل البطش أيام المستشار (بلغريف)، ليهدئ الأوضاع، لا ليستغلها، وذلك برش ماء كالورد على وجوه الحاضرين وهو يطلق صرخته المدوية في سماء البحرين «إن الطائفية حجاب بين العبد وربه». فأين بعض القيادات التي تدعي الوطنية اليوم من هذه الصرخة وهم يتغنون بالوطنية في خطاباتهم ليلاً ونهاراً بينما هم يقدمونها قرباناً على مذبح المصالح الآنية الدنيوية ويلوذون بعرين الأسد من صقيع الشارع الذي يكوي أجسادهم وهم في عز الشتاء! ولماذا ينسون أنهم يقفون أمام مصلح هواتفهم وهو يعلم بكل قطعة فيه ومهمتها في تلك الهواتف البحرينية.

وأين نحن اليوم من ذاك الضابط البحريني الذي أُرسل في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر في زمن (بلغريف)، وليس بعد منتصف الليل وكأن النهار ليس له عيون، ليطرق الباب، وليس ليكسره عنوة رغم وجود أمر معه، ويحادث السيدعلى كمال الدين بهذه الكلمات المهذبة، وليس بالشتم: «يا سيد... من فضلك... المستشار يريد الاجتماع بك في القلعة والسيارة موجودة تحت أمرك». فيجيبه السيد بكلمات ألطف ولكن بحسم: «أشكرك أخي... اذهب أنت، وأنا سآتي بنفسي إلى القلعة، وسأحتاج إلى ساعة كاملة من الوقت حتى أصل... أرجوك إبلاغ المستشار بذلك». وهنا يكتفي الضابط البحريني بهذا الجواب ويشكر السيد المطلوب القبض عليه ويودعه بتحية طيبة فيها كثير من الدلالات التي لا نكاد نستشعرها اليوم في شوارعنا، فلماذا؟ وأين أولئك من هؤلاء؟ وإلى متى سنبقى لا نقبل أنفسنا كما نحن ونعرف حجمها الحقيقي... فإن الناس تكره المتصنع والمبالغ حتى في التعامل مع الغير في أوقات الأزمات. تكره المتعالي كما تكره «المفهي» وتحب المتواضع والمصغي، تكره الكاذب ومتصنع الدجل على قنوات الفضائيات، وتحب الصادق الصدوق حتى ولو تحدث من علبة الكبريت وهو يسكن في «عشة» أو «برستج» ويأكل «مملح» أو خبز «خبيصة» بلا زيت. عودوا لأنفسكم الحقيقية وانزعوا «البشوت» واستشيروا أحد أطباء الأنف، من غير الموقوفين عن العمل، لتحصلوا على علاج للأنوف المزكومة والمعقوفة دائماً، وتعلموا من قاموس الشعب الأصيل كيفية ومعنى حب الوطن، ثم انظروا ماذا فعلتم بمن حولكم وتوبوا إلى بارئكم، غفر الله لكم

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3451 - الجمعة 17 فبراير 2012م الموافق 25 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:45 ص

      سلمت

      سلمت يداك على هذا المقال أي متى يعودوا الى رشدهم ويستغفروا بارئهم أي متى؟؟

    • زائر 5 | 12:47 ص

      أيا وطني

      اين انت يا وطني ؟ وماذا فعلوا بك ؟ هل باعوك بأبخس الأثمان في سوق النخاسين؟ مقالك اكثر من رائع ، أتمني من الجميع استيعابه وتدبره ، والله يهدي الجميع .

    • زائر 4 | 12:45 ص

      الموضوع روعة يادكتور

      لقد عبرت عما يدور في بلدي البحرين وكشفت زيف وكذب المتمصلحين والكذابين والذين التبست عليهم الأمور فصاروا يتهمون الأشخاص المطالبين بحقوقهم وكرامتهم بأنهم خونة وموالين لإيران وأنهم لا يحبون البحرين , نقول لهولاء بأننا عرب ومسلمون وإننا لم يتم جلبنا من الخارج بل أن أجدادننا هم السكان الأصليون لهذه الأرض ولهذا السبب فإننا نسمى بالبحارنة

    • زائر 3 | 12:11 ص

      أيها الكاتب...

      شكرا لكم على كل كلمة طيبة تكتبها بقلمك وتشرحها مشاعرك تجاه جراحات وطنك لا بقلم غيرك- يا صاحب القلم المضحك المبكي الهادف دائما!!!!.
      أبوجعفر

    • زائر 2 | 11:54 م

      نعم يبن السلمان تعلموا من الشعب الاصيل كيفيه حب الوطن

      وهنا مربط الفرس
      بلادي وان جارت عليا عزيزة
      واهلي وان شحوا عليا كرام
      عندما ينعتك البعض انك اذناب هذه الدوله او تلك ناسيا ومتناسيا انه هو من اتى من هذه الدوله او تلك وهذ ما يؤكده عرب الله من الحد الى الزلاق عندما اناقش امر هذا النعت الذي يحاول البعض لصقه بجماعه هم عرب ااصل من جد جده مع عقلاء وعرب الحد والزلاق يكتفون برد واحد فقط هذا مهرج نسى اصله وفصله ويحتاج للتذكير بأي مركب اتى اباه وجده رحمهم الله الى البحرين ومن اي عرب كانوا...ديهي حر

    • زائر 1 | 10:52 م

      صباح الامل والدعاء الصادق

      ختمت استاذي الحبيب مقالك بهذا ه الدعوه القلبيه الصادقه ومن قبلك دعا نبي الله موسى بن عمران قومه فقال(ياقومي توبوا الى بارئكم واقتلوا انفسكم) اه وانفساه من عدل لايجور اه وانفساه من كتاب لايغادر صغيرة ولاكبيره الااحصاها

اقرأ ايضاً