العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ

رسالة عامة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا تستطيع أن تفعل حكومة إيهود أولمرت في قطاع غزة أكثر مما فعلته؟ تحطيم البنية التحتية نفذته الطائرات الحربية. ضرب المرتكزات الاقتصادية نفذ. اعتقال مسئولاً في الحكومة والمجلس النيابي حصل. محاصرة القطاع وقطع الكهرباء عن في المئة من سكانه بات موجوداً بحكم الواقع. الغارات اليومية على المراكز والمنازل وبيوت قادة الفصائل مستمرة ليل نهار.

كل ما تستطيع أن تفعله حكومة أولمرت أقدمت عليه في الساعات الأولى من العدوان. ولم يبق إلا القليل لارتكابته. فالشعب الفلسطيني أصلاً لا يملك الكثير ليخسره. وكل ما يملكه هو أساساً مرشح للضرب من بعيد والتحطيم والتدمير أو الاجتياح وإعادة الاحتلال. فالوضع الفلسطيني مفتوح على كل الاحتمالات ولا جديد عند أولمرت لتقديمه وكل ما فعله وافتعله هو مجرد استمرار لسياسة العدوان والاقتلاع والتشريد والتجويع والحصار والإذلال التي تأسست عليها فكرة المشروع الصهيوني وتلك الدولة العبرية التي جاءت بالبلاء إلى المنطقة العربية الإسلامية منذ القرن الماضي.

ماذا تستطيع أن تفعل حكومة أولمرت أكثر مما فعلته وارتكبته من عمليات دمار وتحطيم وتخريب وإرهاب؟ فالسلطة لا تملك الكثير حتى تقدم المزيد من التنازلات. وماذا تستطيع حكومة «حماس» أن تقدمه لتل أبيب أكثر مما قدمته الحكومات الفلسطينية السابقة؟ لا شيء يمكن أن تضيفه «حماس» على تلك التراجعات التي قدمتها السلطة الفلسطينية في فترة السنوات الماضية.

أولمرت يعلم أن الجانب الفلسطيني أعطى كل ما عنده وفاوض تحت السقف الدولي وتنازل عن حقوق تنص عليها القرارات الدولية... ومع ذلك لم ترض «إسرائيل» واستمرت حكوماتها تناور وتنافق لانتزاع كل ما تبقى من حقوق وملكيات اتفقت المراجع الدولية على أنها من حصة الشعب الفلسطيني.

إذاً، لماذا فعلت حكومة أولمرت ما فعلته؟ ولماذا أقدمت على ما اقدمت عليه؟ فما حصل لن يستوعب المشكلة ولن يسيطر على حركة الواقع وتفاعلاته. والمشكلة أكبر من تلك الغارات. والذريعة التي أعلنتها غير مقنعة وهي ليست كافية لتبرير العدوان ومعاقبة شعب ومحاصرته وتجويعه. حتى لو كانت الذريعة هي فعلاً تشكل السبب الرئيسي والمباشر لسياسة العقاب الجماعي والانتقام من المدنيين وشعب اعزل من السلاح، فإن ما حصل زاد الوضع تعقيداً وأعطى المجال لفتح باب استئناف الصراع على قضايا مسكوت عنها.

ماذا إذاً تريد حكومة أولمرت إثباته من خلال استعراض قوتها العسكرية وتفوقها الحربي؟ الاحتلال أو إعادة الاحتلال أم إظهار جوانب معينة في سياسة الاختبار العامة لموازين القوى في المنطقة.

إعادة الاحتلال مسألة صعبة ومعقدة ولذلك اعتبرت غير مطروحة على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية كما قال أولمرت. الكشف عن مكامن قوة «إسرائيل» العسكرية في الحروب النظامية، ليس جديداً فهناك ما يشبه التوافق على أن «إسرائيل» هي الطرف الاقوى في المعادلة الحربية النظامية. تبقى نقطة غامضة بحاجة إلى توضيح وهي احتمال أن تكون العملية محاولة لاختبار موازين القوى في المنطقة ومدى استعدادها للمواجهة بامتحان نواياها من خلال تركيز الضرب على الحلقة الأضعف في المعادلة.

هذه النقطة المفترضة قد تكون هي الدافع الرئيسي وراء ارتكاب تلك الاعتداءات على البنى التحتية للقطاع. فأولمرت ربما يريد تحويل غزة إلى نموذج ميداني تختبر فيه «إسرائيل» جوانب من قوتها النظامية التدميرية واستخدامه وسيلة لتوجيه رسالة إلى من يعينه الأمر، خلاصتها: انها قادرة على تكرار ما حصل في القطاع في أي مكان آخر قريب من حدودها أو بعيد.

اختيار غزة ساحةً للعدوان قد يكون مجرد منبر عام يلخص بعض العناوين التي يراد قولها للجهات التي ترى حكومة أولمرت أنها تشكل مراكز قوة ولاتزال تواصل تحديها لمشروع الهيمنة وما يتطلبه من سياسات تستهدف تقويض المنطقة واضعاف عناصر الممانعة فيها.

أولمرت طوق القطاع الذي يسكنه أكثر من مليون فلسطيني بخمسة آلاف جندي. وأقدم على تحطيم بناه التحتية في اقل من ساعات. وحاصره ومنع عنه الماء والكهرباء وقطع اتصالاته مع العالم في أقل من ثلاثة أيام.

هذا النموذج الاختباري في القطاع ربما يكون الهدف منه توجيه رسالة إلى قوى اقليمية عربية ومسلمة في المنطقة. والرسالة تقول إن «إسرائيل» قادرة بسلاحها الجوي الأميركي الحديث على الوصول إلى نقاط أبعد وارتكاب السياسة التدميرية نفسها من دون حاجة إلى احتلال أو اعادة احتلال. فالتحطيم هو استراتيجية الدولة العبرية الجديدة وهي لا تريد اكثر من تقويض المؤسسات والبنى التحتية والعزل وزعزعة الاستقرار ونزع ثقة الناس بالسلطات المنتخبة.

الهدف من وراء العدوان على غزة يتجاوز حدود القطاع. وما حصل ليس بسبب اختطاف جندي يحمل «الجنسية الفرنسية»، وإنما شكل حادث الاختطاف مناسبة لتوجيه رسالة عامة إلى المنطقة تؤكد أن «إسرائيل» ليست في أزمة... وإذا كانت هناك من أزمة فهي تستطيع تصديرها ونقلها جواً من مكان إلى آخر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1395 - السبت 01 يوليو 2006م الموافق 04 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً