العدد 1426 - الثلثاء 01 أغسطس 2006م الموافق 06 رجب 1427هـ

حربان برية وداخلية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت أمس الحرب البرية بين القوات الإسرائيلية وقوات حزب الله. ويتوقع أن تكون الحرب عنيفة نظراً إلى طبيعة الأرض التي تكثر فيها الوديان والمرتفعات والهضاب. وحزب الله في الميدان أقوى وأكفأ في المواجهة مع القوات الغازية. هذه الحرب البرية ستشهد الكثير من معارك الكر والفر بين جيش نظامي يستخدم الآليات الثقيلة ويعتمد على الغطاء الجوي والقصف المدفعي وبين قوات متحركة تتبع تكتيكات مرنة ومواجهات متنقلة وغير ثابتة.

وبسبب هذه الظروف الطبيعية والميدانية يصعب متابعة التفصيلات الجارية على الأرض نظراً إلى تداخل القوات وصعوبة تحديد مواقعها. لذلك يتوقع أن تأخذ الحرب البرية وقتها حتى تتضح معالمها وتنكشف صورتها من تحت الغبار.

مضى حتى الآن 22 يوماً على العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان (دولة ومقاومة) ولاتزال الصورة السياسية مشوشة وغير واضحة المعالم. فالحكومة الإسرائيلية تطلق يومياً تصريحات متعارضة آخرها كان المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيسها إيهود أولمرت. فرئيس الحكومة أعلن ما يشبه الحرب الطويلة تحت شعارات ترضي الجمهور الإسرائيلي وترفع من معنوياته تحضيراً لمواجهة يتوقع أن تتكبد خلالها القوات المهاجمة الكثير من الإصابات.

الحرب البرية بدأت في وقت تبدو فيها الفضاءات الدولية غير موحدة في امزجتها السياسية. فرنسا مثلاً تؤكد أهمية وقف إطلاق النار والبدء في البحث عن حل سياسي يقضي بإرسال قوات دولية تابعة للأمم المتحدة. أميركا ترفض الاقتراح الفرنسي وتصر على إرسال قوات دولية قبل وقف إطلاق النار. وهذا يعني أن الولايات المتحدة تركت الباب مفتوحاً لحكومة أولمرت لتقوم بترتيب أوضاعها العسكرية بما يتناسب مع أهدافها السياسية.

الأهداف السياسية التي حددتها تل أبيب لاتزال غامضة بدورها، وهي تخلط بين المشروع السياسي العام وخطة إدارة العمليات المسلحة ضد حزب الله. ولهذا تطلق دائماً تصريحات مشوشة، فمرة تتحدث عن توغل، ومرة عن غارات، ومرة عن إعادة احتلال إلى عمق لا يتجاوز الكيلومترين، ومرة توسع الحزام الجغرافي إلى سبعة كيلومترات. وهكذا.

هذا التعارض في التصريحات يكشف عن ذاك الارتباك الذي تمر به حكومة أولمرت بسبب وجود اتجاهات غير متفقة على مسألة التورط في الساحة اللبنانية. فهناك تيار (محدود التأثير) يرفض حتى الآن فكرة الاحتلال والدخول من جديد الأراضي اللبنانية. وتدعم هذا التيار وجهة نظر أخرى توافق على احتلال مؤقت للشريط الحدودي بهدف دفع قوات حزب الله شمالاً ثم الطلب من الأمم المتحدة إرسال قوات دولية تأخذ الأمكنة التي تموضع بها.

إلا أنه، كما يبدو من المعلومات التي تتناقلها الصحف والوكالات، هناك تيارات متطرفة في رؤيتها ترفض فكرة وقف النار أو المساومة قبل تحقيق انتصار جزئي على حزب الله. وتستفيد هذه التيارات المتشددة من أجواء التحريض التي نظمتها الأحزاب الإسرائيلية للشارع. فالناس في الدولة العبرية في وضع متشنج ويطالبون الحكومة بحرب برية مفتوحة تقضي على كل الشبكات الأهلية في القرى والبلدات الجنوبية بذريعة منع حزب الله من عودة قواته إلى الحدود الأمامية.

هذه الأجواء المشحونة بالحقد والكراهية طغت على الاعتراضات الداخلية وشجعت أولمرت على إعلان سلسلة تهديدات ضد حزب الله مستفيداً من الاحتقان الشعبي الموتور والدعم الأميركي المطلق الذي جدده الرئيس جورج بوش في كلمة تحريضية هدد فيها سورية وإيران من مغبة دعم حزب الله.

أولمرت إذاً في وضع داخلي ودولي مريح نسبياً لا يهدده بالسقوط على رغم تلك الارباكات التي صدرت عن حكومته في الأيام الأخيرة. وهذا الوضع أعطى أولمرت مساحة للمناورة السياسية والتلاعب بمشاعر الناس من خلال إطلاق المزيد من الوعود لتلك النتائج المتوقعة من حربه العدوانية. كذلك تكشف هذه التصريحات المتطرفة عن وجود تماسك نسبي في جبهته الداخلية تغذيها روح العداء والعنصرية، وهذا لم يكن متوافراً لحكومة مناحيم بيغن - ارييل شارون حين قررت إعلان الحرب والبدء في عدوان يونيو/ حزيران 1982. آنذاك قاد تكتل الليكود الحكومة منفرداً بينما حزب العمل كان خارج السلطة، الأمر الذي أعطاه فرصة لتحريك الشارع بغية اضعاف حكومة بيغن - شارون. ونجح حزب العمل ولأسباب خاصة وجزئية في تشكيل قوة ضغط في الشارع الإسرائيلي انتهت في الحث على قيام مظاهرة ضخمة في تل أبيب تحت لافته «السلام الآن».


عدوان اليوم

في عدوان 2006 تبدو الأمور مختلفة. فحزب العمل شريك في الحكومة ويقود الحرب إلى جانب أولمرت في ائتلاف وزاري يجمع معظم التيارات والتكتلات باستثناء الليكود بقيادة نتنياهو. والليكود أكثر تطرفاً ويدعم الحرب من دون تحفظ بل ويزايد أحياناً على الحكومة الائتلافية ويتهمها بالتخاذل والتقصير.

الأجواء الداخلية إذاً لاتزال تعمل لمصلحة أولمرت وهي تختلف عن تلك التي واجهت بيغن - شارون في العام 1982. وهذا التطور الداخلي يراهن عليه أولمرت لفتح جبهة برية يتوقع منها أن تساهم في دفع حزب الله إلى خارج المناطق الحدودية.

إلا أن التأييد المحلي لا يكفي ولذلك تلجأ حكومة تل أبيب إلى الغطاء الأميركي وأخذه واسطة دولية لتوسيع رقعة الحرب والدخول في مواجهة ميدانية مكلفة مع قوات الحزب.

قوات الحزب لاتزال صامدة في الخطوط الأمامية. وحتى الآن لم تنجح «إسرائيل» في تحقيق اختراق جدي. وكل فترة تعلن فيها عن تقدم على الأرض تحصل حركة التفاف تجبرها على التراجع إلى المكان الذي انطلقت منه. وهذا النوع من الكر والفر سيعطي حزب الله أفضلية في تكبيد الجيش الإسرائيلي المزيد من الخسائر في الجنود والآليات.

المشكلة عند حزب الله ليست في عدم قدرته على الصمود والتصدي. فهذه النقطة محسومة لجانبه. المشكلة هي أنه يخوض تلك الحرب منذ أكثر من ثلاثة أسابيع منفرداً ومن دون غطاء إقليمي وعربي ودولي. فالحرب مفتوحة ومكشوفة وهي تحتاج إلى جبهة داخلية عريضة ومتينة تستطيع تحمل كل الضربات وردود الفعل والضغوط التي تنهال على لبنان من كل حدب وصوب.

حتى الآن لاتزال الجبهة الداخلية متماسكة باستثناء تلك القلة القليلة الفاجرة التي تظهر على الفضائيات ومحطات التلفزة وتتحدث بلغة تقسيمية وتحريضية انطلاقاً من انقسامات تافهة أصبحت خارج الزمن. فهذه القلة الحاقدة لم تستوعب حتى الآن خطورة ما حصل وهي مصرة على الكلام بروحية قوى «8 آذار» و«14 آذار» بينما تاريخ لبنان انعطف برمته بعد 12 يوليو/ تموز الماضي.

هذه هي مشكلة حزب الله. فهو يقاتل على خطوط التماس في الجنوب والقرى الأمامية، وهناك في الداخل اللبناني مجموعات لاتزال تعيش أجواء التمزق وتردد شعارات بلهاء تعود بالتاريخ إلى زمن تجاوزه لبنان. وهذا النوع من المتكلمة يزعزع الثقة ويثير الفتنة ويشعل البغضاء في وقت يحتاج حزب الله إلى كل طاقة تعزز الاستقرار وتعطي الأمل لمستقبل يحلم به كل اللبنانيين.

الحرب البرية بدأت أمس وتحتاج إلى وقت لمعرفة مسارها. وخطورة مثل هذه المعارك أنها تعتمد على قوة الداخل والغطاء الإقليمي والدولي حتى تستقر على نقطة توازن تسمح بالمفاوضات من موقع غير ضعيف. وهذا كما يبدو تعتمد عليه حكومة أولمرت في وقت لايزال حزب الله يبذل جهوده لمنع تصدع الجبهة الداخلية... بينما رموز «8» و«14» مصرة على التزاحم للظهور على الشاشات وإعلان خلافات مضى عليها الوقت وتجاوزها الزمن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1426 - الثلثاء 01 أغسطس 2006م الموافق 06 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً