العدد 1427 - الأربعاء 02 أغسطس 2006م الموافق 07 رجب 1427هـ

الشرق الأوسط التعيس... ليس هناك اليوم إلا هو

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

البعض منا كان يظن أن مخزون العمل السياسي لصناعة السلام وحل النزاعات في المنطقة، كامب ديفيد بين «إسرائيل» ومصر، «سلام الشجعان» بين رابين وعرفات، ووادي عربة، وتأييد الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني للسلام، والانسحاب الإسرائيلي من لبنان، والمبادرات الأميركية والدولية - من كلينتون إلى شرم الشيخ إلى خريطة الطريق - والمحاولات غير الحكومية الفلسطينية - الإسرائيلية الجريئة لاقتراح حلول وسطية تفصيلية - من مثل وثيقة جنيف - ومبادرة السلام العربية، وانغماس جزء من العالم العربي في الإصلاح والديمقراطية، وتفكيك مستوطنات غزة، وهدنة الفصائل الفلسطينية، وانتخاب رئيس فلسطيني يصر على مفردات السلام، وانسحاب اليمين الإسرائيلي إلى الوسط السياسي، قد يزيد من فرص السلام في المنطقة وينهي المواجهات العسكرية والدموية ويرفع سقف الخطوط الحمراء التي تحافظ على الإنسان والمكان.

لكن اليوم، وبعد أكثر من خمس سنوات من الاستنزاف اليومي الذي بدا لوهلة مُونهكاً الإسرائيليين والفلسطينيين، نشهد حصاراً شاملاً على فلسطين، وتدميراً منهجياً للبنية التحتية في لبنان. مشهد يصوغه العسكر.

كما في معارك العقود الثلاثة الماضية، ليس هناك ما يشير إلى أن أياً من الأطراف سيحسم هذه المعركة، بل من المرجح أن هذا الذي يحدث اليوم سيؤدي إلى مزيد من الاستنزاف للحياة والسلام والاستقرار في المنطقة، ومزيد من الضحايا والمعاناة، ومزيد من المتطرفين الأشبه بالمجانين، وتجاوز لمزيد من الخطوط الحمراء... ومزيد من اليأس والكره.

وكالعادة تعلو الأصوات من المنطقة وخارجها: «(إسرائيل) تدافع عن نفسها»، «لبنان يدافع عن نفسه»، «فلسطين تدافع عن نفسها»، «المجتمع الدولي يدافع عن السلم الدولي». فتحت هذا الشعار ينغمس الكل في العنف، وكأن العنف والشراسة هما الخياران الوحيدان. الكل يقذف الآخر، بشكل أو بآخر، بالمتفجرات فيصيب الآخر وينتظر ما سيقذفه به الآخر ليصيبه. الأسوأ أن الأطراف تتعود على العنف الجديد وتتعايش معه من دون إدراك منها لما يراكمه من خلل استراتيجي ثقافي وسياسي واقتصادي واجتماعي. ويعزز التعايش مع العنف والدمار شعارات واهية تهمش صوت الاعتدال والمنطق وتعزز اللامبالاة والتطرف وتمهد لجولة جديدة من عنف وتدمير أشد وتؤجل أجندة الحياة.

وعند كل منعطف للدم يتحول الإعلام العربي والإسرائيلي والدولي إلى ثلاث نسخ من الإعلام لا تشبه بعضها بعضاً، بل يبدو الأمر كأنه إعلام لكائنات من ثلاثة كواكب مختلفة. وتزدحم شاشاتها بـ «الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين»، وعدد منهم يهلوس ويقول كلاماً أقرب إلى التحريض والتعبئة الجماهيرية والعلاقات العامة والحرب النفسية منه إلى التحليل.

وتأتي الوفود السياسية والدبلوماسية. ويتنقل عباقرة السياسة في المنطقة وخارجها بينما توثق الكاميرات حركتهم المكوكية، قرارات واقتراحات ومبادرات ومؤتمرات، ومن المرجح أنها جولة أخرى من عبقرية الفشل السياسي. فالتجاوز المستمر للخطوط الحمراء والانغماس في العنف لم يبق مكاناً لـ «فن الممكن» أو للقانون الدولي أو الإنساني، ولا لتلك المفاهيم الأخلاقية والدينية التي تسكن مدينة القدس ويدعي الكل أنه يقاتل من أجلها.

المشهد ليس فقط مقززاً لأنه مليء بالدم والجثث والدمار وإنما أضحى مملاً لأنه يكرر نفسه منذ أكثر من نصف قرن. الأخطاء نفسها، والمنطق السياسي نفسه، والنتائج نفسها. ولا حسم للحرب بل عمل سياسي ودبلوماسي أقرب إلى حال العجز والتواطؤ منه إلى الحل. وسيدعي الكل، عند انتهاء المعركة، أنه المنتصر.

فالخبرة تؤكد أن لا حل عسكرياً للصراع العربي - الإسرائيلي، بل إن الخيار العسكري يؤخر حله ويعقده. وأن لا حسم لهذا الصراع على قاعدة رابح - خاسر. وأن جميع العمليات العسكرية تميزت بتضخيم الأهداف وسوء تقدير للزمن وإفراط في القوة يصل إلى حد جرائم الحرب. وأن غياب السلام الدائم والشامل على الجبهة الإسرائيلية - الفلسطينية يغذي بؤر صراع أخرى في المنطقة، وبدورها تغذيه وتسمح لأجندة إقليمية ودولية أن تخترقه وتستخدمه كورقة سياسية.

يعيش اليوم على أرض فلسطين التاريخية، تلك البلاد المهمة والصغيرة جغرافياً، سكان نصفهم تقريباً من الفلسطينيين بينما النصف الآخر من اليهود - الإسرائيليين. لقد أضحى من الواضح أن أياً من الشعبين لا يستطيع السيطرة على مصير الآخر أو إلقاءه خارج المكان. ولا خيار أمامهما سوى التعايش، ولا يمكن لذلك أن يحدث إلا بخلق ظروف ملائمة وعادلة تسمح بتحقيق حل الدولتين، ذلك الحل الذي يصبح غير ممكن مع مرور الزمن. وفي قلب تلك البلاد مدينة مقدسة تسكنها بامتياز مقدسات وتاريخ للأديان التوحيدية الثلاثة، ولذلك فإن صعود التطرف العقائدي، في المنطقة والعالم، يثير الخيال والخوف من المصير الذي يأخذنا إليه هذا الصراع. فالتطرف يستفيد من غياب الحل لإثارة الحساسيات الدينية والتوتر الطائفي، ولتغذية المزاج العام بأساطير تفتح شهية التدمير المقدس الذي يحول المكان إلى خراب.

اليوم وأكثر من أي وقت مضى هناك حاجة إلى حل جدي وجذري للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والعودة مباشرة إلى طاولة المفاوضات لحل جميع القضايا الأساسية حلاً جذرياً وواقعياً على أساس حل الدولتين. والعمل على إحياء قيم السلام، والبناء على ما تم إنجازه من مبادرات بما فيها مبادرة السلام العربية، وانغماس جدي ومكثف للمجتمع الدولي، ودور أكثر نزاهة وفعالية للوسطاء الدوليين والإقليميين. ولابد من تحييد الأجندة الإقليمية والدولية عن هذا الصراع، ومنح مساحة كافية لصوت العقل والمنطق ليشارك في صناعة السلام بدلاً من تعجيزه بالشروط والتهميش. ولابد من التركيز على بناء وحماية لبنان ونموذجها الديمقراطي والحداثي الذي بدا واعداً قبل الانفجار الحالي، وتعزيز سيادته واستقلاله والحوار السلمي بين مكوناته. ولا مفر من رفع سقف الخطوط الحمراء، هذا السقف الذي وصل اليوم إلى حد القاع وأضر بالقيم الإنسانية.

اليوم، ليس هناك شرق أوسط كبير أو صغير أو جديد أو ديمقراطي أو... بل شرق أوسط حزين ومعذب. * كاتب أردني - المقال ينشر بالتعاون مع خدمة "كومن غرواند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1427 - الأربعاء 02 أغسطس 2006م الموافق 07 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً