تحولت بضع طرقات وحوارٍ في منطقة القضيبية إلى ما يشبه المخيمات التي يلوذ بها الآلاف من العمالة الآسيوية المرخصة وغير المرخصة، لتبدو كالواحة التي غزاها الآلاف من الغرباء لإنشاء عاصمة لكيان غامض لا تفهمه كل المعادلات الرسمية وغير الرسمية لتسقط بذلك البيانات والأرقام الإحصائية. فالحقيقة أن عدداً كبيراً من حملة التأشيرة الحرة استوطنوا القضيبية، ولا ينحصر عددهم في 34 آسيوياً فروا من سكن العمال الذي احترق في المنطقة فجر الأحد الماضي.
قد تستقبل بكل اللغات، وقد تشاهد بشراً من مختلف الأجناس والجنسيات. وقد تدور حول مجمعاتها، متمحوراً حول المجمع 321، لتضيع بعد ذلك في جو مخيف تخرج وسطه من البحرين، إلى عدد من المدن الآسيوية. تارة تجد نفسك في كيرالا، وتارة في حيدر آباد، وربما ذهبت إلى الشرق الأقصى لتجد نفسك في بتايا.
القضيبية، التي شهدت الكثير من الحوادث التاريخية والسياسية منذ الخمسينات وربما قبلها، تحمل رمزاً وطنياً مهماً هو قصر القضيبية أو «قصر الضيافة»... لا تحمل فقط شارع الشيوخ أو شارع القصر القديم، إنها تحمل شوارع جديدة أخرى داخلية ربما لم تسجل في عناوين البلدية أو في معلومات الإحصاء.
ويرفض الأهالي الذين يعيشون في القضيبية وصف «عاصمة الفري فيزا»، مؤكدين أن القضيبية ستبقى عامرة بأهلها وبالأصالة البحرينية.
القضيبية - سعيد محمد
قد تستقبلك بكل اللغات، وقد تشاهد بشراً من مختلف الأجناس والجنسيات... وقد تدور حول مجمعاتها... متمحوراً على المجمع 321 وما حوله، لتضيع بعد ذلك في جو مخيف تخرج وسطه من البحرين، الى عدد من المدن الآسيوية... تارة تجد نفسك في كيرالا، وتارة في حيدر أباد، وربما ذهبت الى الشرق الأقصى لتجد نفسك في بتايا... المهم، أنك وسط أجناس مختلفة من البشر في أحياء القضيبية التي شهدت فجر يوم الأحد الماضي 30 يوليو/ تموز الماضي حادثة حريق مأسوية في مبنى لسكن عمال راح ضحيته 16 عاملاً، فيما لاذ بالفرار العشرات، من بينهم من فر من النار، ومن بينهم من فر من النار ومن الإجراءات الرسمية ضدهم باعتبارهم مقيمين بطريقة غير مشروعة في البلاد ومن القادمين بالتأشيرة الحرة... أو ما تسمى على نطاق واسع بالـ «فري فيرزا».
وإذا جاز لنا تسمية منطقة القضيبة بـ «عاصمة الفري فيزا»، فذلك لأن الخليط الخطير الذي تعيشه هذه المنطقة من الجنسيات المتعددة، وعلى الخصوص الآسيوية منها، ومن حملة التأشيرة الحرة تعد الأعلى... ولعل الخطورة تكمن في أن هذه المنطقة البحرينية الأصيلة بدأت تفقد ديموغرافيتها التي عرفت بها بسبب الوجود الكبير الملفت للنظر للآسيويين، والاختفاء التدريجي الملحوظ للمواطنين البحرينيين منها انتقالاً الى المناطق السكنية الجديدة.
في الحواري والطرقات
القضيبية، التي شهدت الكثير من الحوادث التاريخية والسياسية منذ فترة الخمسينات وربما قبلها، والتي تحمل رمزاً وطنياً مهماً وهو قصر القضيبية أو (قصر الضيافة) لا تحمل فقط شارع الشيوخ أو شارع القصر القديم، إنها تحمل شوارع جديدة أخرى داخلية ربما لم تسجل في عناوين البلدية أو في معلومات الإحصاء.
وبحسب أرقام غير دقيقة، فإن عدد السكان في هذه المنطقة يصل الى نحو 10 آلاف نسمة معظمهم من الأجانب الآسيويين، وهذا الرقم الذي قد يرتفع وقد ينخفض، يجعل من هذه المنطقة ميداناً لتكدس الآلاف من العمالة الوافدة وهو الأمر الذي يحمل معه الكثير من الضيق والتذمر من جانب المواطنين البحرينيين من أهالي القضيبية الأصليين الذين لايزالون يعيشون في مسقط رأسهم.
وفي هذه الجولة الاستطلاعية، سنقف أمام الكثير من المنعطفات والحواري داخل منطقة القضيبية وحولها لنعيش الوضع عن كثب:
بين الحورة والقضيبية
لابد من الإشارة الى أن هناك توجهاً للحفاظ على أصالة منطقتي القضيبية والحورة حالها حال الكثير من المناطق في البحرين حتى لا تفقد هويتها، لذلك، وفي الأول من شهر ابريل/ نيسان من العام الجاري، زار سمو رئيس الوزراء منطقتي القضيبية والحورة ورافقه فيها وزير الأشغال والإسكان فهمي علي الجودر ومحافظ العاصمة الشيخ حمود بن عبدالله آل خليفة. وخلال الزيارة جال رئيس الوزراء أرجاء المنطقة واطلع عن كثب على أحوال أهالي المنطقة وظروفهم وما يتطلعون إليه من خدمات ومرافق بالشكل الذي يحفظ للمنطقة طابعها ويلبي احتياجات قاطنيها، واستمع سموه إلى آراء الأهالي ومتطلباتهم، فيما شرح رئيس صندوق الحورة والقضيبية الخيري عادل العسومي لرئيس الوزراء أحوال أهالي المنطقة وحاجتهم إلى مزيد من المشروعات والخدمات والمرافق الحكومية.
وفي ضوء ذلك أصدر رئيس الوزراء أمره بدراسة الوضع الحالي للمساكن في منطقة الحورة والقضيبية وتحديد احتياجاتها من عمليات الترميم وإعادة الإعمار بما في ذلك دراسة تنفيذ مشروع إسكاني جديد في الحورة والقضيبية ضمن موازنة هذا العام والموازنة المقبلة على أن تتضمن الدراسة أيضاً حصراً شاملاً للمباني الحكومية القديمة الموجودة في المنطقة لإدراجها ضمن هذا المشروع، وكلف وزارة الأشغال والإسكان بالتنسيق مع وزارة شئون البلديات والزراعة وجهاز المساحة والتسجيل العقاري والجهات ذات الصلة لتنفيذ ذلك تأكيداً على حرص الحكومة على تحقيق الرضا التام للمواطنين على مختلف خدماتها وانها في سبيل ذلك تسعى دائماً لتطوير خططهاً وبرامجهاً لتكون ملبية لتطلعات المواطنين في مستوى العيش الرفيع، لافتاً سموه إلى أن المواطن البحريني وراحته تشكل الأولوية في أية خطط حكومية حالية أو مستقبلية. كما أكد أن الحكومة مستمرة في عمليات التوسع في المشروعات الإسكانية وبناء المرافق الخدمية في المناطق التي تعاني نقصا من هذه المرافق أو الخدمات، وذلك لتلبية احتياجات المواطنين الذين ينتظرون دائماً المزيد من المشروعات الحكومية.
وتؤكد هذه الزيارة حرص الأهالي والحكومة معاً للحفاظ على هذه المنطقة المهمة، ما يجعل أمر التركيز على المشكلات التي تهدد هويتها من النقاط الحاضرة دائماً والضرورية على الدوام.
ليست عاصمة لهم!
رفض بعض الأهالي من المواطنين الذين يعيشون في القضيبية الوصف الذي استخدمناه «تجاوزاً»... القضيبية عاصمة الفري فيزا، مؤكدين على أن القضيبية ستبقى عامرة بأهلها وبالأصالة البحرينية، لكنهم لا ينفون أبداً مجموعة من المشكلات والمعاناة والظواهر التي أصبحت تعاني منها المنطقة بسبب تزايد أعداد القاطنين فيها من الجنسيات المختلفة، وهو أمر تأثرت به المنطقة كثيراً ويمكن الشعور بذلك من خلال مشكلة الكراجات التي تعتبر واحدة من أكبر المشكلات في القضيبية.
وملاحظة الأهالي هذه دقيقة، إذ اتخذت بلدية المنامة قراراً بتعديل أوضاع الكراجات بمنطقة الحورة والقضيبية. بعد زيارة تمت للاطلاع ميدانيا على وضع الكراجات والأنشطة الخدماتية الموجودة في المنطقة والتي تسبب إزعاجاً كبيراً للمواطنين في هذه المنطقة، ولذلك تم اتخاذ قرار من قبل المجلس البلدي في آخر جلساته بدور الانعقاد الماضي يقضي بتحويل الجزء الخارجي من الأنشطة الخدماتية وتحويلها إلى أنشطة تجارية بدلا مما هي عليه الآن.
ويمتد العمل ليشمل اعادة الحياة الى وجه القضيبية، فالنائب سعدي عبدالله الذي تابع والممثل البلدي للدائرة طارق الشيخ مشكلة الكراجات التي تسبب ازعاجاً للمواطنين، لم يغفلا عن المطالبة بإعادة تأهيل الحدائق، وهي لفتة رأى فيها الأهالي توجهاً لتحسين هذه المنطقة التي غزاها الأجانب.
قصة العاري والسكران
خلال جولة ليلية بالقضيبية، التي تجعلك تتذكر الكثير من الذكريات تبعاً لعمرك اليوم، تشاهد الكثير وتشم روائح متعددة... لكن الرائحة الأكثر انتشاراً هي رائحة الثوم ودخان طهي العشاء، ويمكنك من خلال بعض الأبواب المفتوحة للبيوت القديمة أن تشاهد (بابو) وهو يطبخ العشاء مرتدياً إزاراً... ناسياً أن يلبس قميصاً طبعاً!
عن طريق الصدفة المحضة، دفع ذلك الآسيوي المخمور نفسه دفعاً داخل بيت متهالك له باب حديدي صغير واغلقه بقوة، لتنطلق ضحكات لا تعرف مصدرها بالضبط... لكن هذا المشهد يذكرنا بقصة ذلك الشخص العاري الذي تم القبض عليه عارياً على شارع القصر القديم بالقضيبية والذي تجول حول بعض الفنادق قبل أن تلقي الشرطة القبض عليه! ففي منطقة القضيبية، تتنوع القصص الفكاهية والمأسوية والملونة وتلك الغريبة.
لايزال بعض المواطنين هناك محافظين على الهدوء والسكينة والأمان، لكن في المجمعات التي يتقلص فيها البحرينيون ويزداد فيها الأجانب، يصبح الوضع مخيفاً لكن يبدو أن الدوريات الأمنية قوية الى درجة تؤثر في حجم ونوعية مشكلات السرقة والنزاعات وما شابه حسب قول الأهالي أنفسهم.
وفي جلسة عابرة جمعتنا مع عدد من شباب القضيبية واثنين من البحرينيين من أهالي المنامة لكنهم يعيشون هناك، دارت أحاديث كثيرة لكنها لم تخرج عن إطار التغير الطبيعي للمنطقة حالها حال كثير من مناطق العاصمة التي أصبح أهلها يتركونها للمناطق السكنية الجديدة هروباً من ضغط الحواري القديمة والازدحامات، لتحل محلها كامبونات الأجانب.
ويؤكد الأهالي أن هناك بعض الحواري والمناطق في القضيبية لا يمكن أن تصدق أنها بحرينية، وذلك لتنوع السكان من الجنسيات الآسيوية المختلفة بالإضافة الى أن المحال التجارية والمطاعم يسيطر عليها أولئك وزبائنها منهم أيضاً...
إذاً، هل هناك صور أخرى؟ سنتابع الجولة قطعاً
العدد 1429 - الجمعة 04 أغسطس 2006م الموافق 09 رجب 1427هـ