العدد 1432 - الإثنين 07 أغسطس 2006م الموافق 12 رجب 1427هـ

تشريع العدوان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى 28 يوماً على الحرب الأميركية - الإسرائيلية على لبنان (دولة ومقاومة) وحتى الآن تبدو الأمور تسير سياسياً باتجاه معاكس لمعادلة الصراع التي ارتسمت خطوطها الميدانية في أرض الجنوب. لبنان في هذا الإطار بات في حال انشطار أهلي/ سياسي. والانشطار يضعف «الدولة» في سياق عملية التفاوض. والانشطار أيضاً يضعف المقاومة سياسياً (داخلياً) في وقت تسجل سلسلة نقاط ناجحة في تلك المواجهات القتالية الدائرة الآن في القشرة (الحدود) الفاصلة بين البلدين على الخط الأزرق.

هذا الوضع المتعاكس في إشاراته الدولية والميدانية يمكن تصحيحة نسبياً في حال نجح وزراء الخارجية العرب في تحويل دعمهم المعلن للبنان إلى قوة ضغط على مجلس الأمن تمنع تمرير مشروع القرار الأميركي - الفرنسي أو على الأقل تعدل بعض الفقرات التي تريد واشنطن من خلالها تلغيم الكيان السياسي وتفجيره من الداخل.

المشكلة أن الحكومة اللبنانية وما تمثله من أطياف (طوائف) لاتزال في حال من الغيبوبة. فهي حتى الآن لم تكتشف معاني تلك المتغيرات التي طرأت على المعادلة الداخلية. فالحكومة لاتزال تتمسك بمطالب تعود إلى فترة ما قبل بدء العدوان في 12 يوليو/ تموز الماضي. وكل ما تطلبه من الوزراء العرب ودول مجلس الأمن يقتصر على نقاط إجرائية تجاوزها الزمن. فالحكومة تطالب بفتح ملف الأسرى (تبادل الأسرى) واستعادة مرتفعات شبعا، وخريطة الالغام، والعودة إلى الخط الأزرق، وتطوير وتوسيع مهمات وصلاحيات القوات الدولية (اليونيفل) وتثبيت اتفاق الهدنة بين البلدين الذي وقع في العام 1949.

هذه المطالب الإجرائية صحيحة ومحقة وتشكل الحد الأدنى من البرنامج اللبناني لانقاذ ما تبقى من مقومات سياسية يمكن البناء عليها لاستعادة بعض التماسك لدولة مهشمة ومحروقة. إلا أن هذه الأفكار (السلة) على صوابيتها تنتمي في معظمها إلى فترة ما قبل 12 يوليو. بينما الوقائع الجارية على الأرض تجاوزتها سياسياً وأصبح الآن المطلوب حماية لبنان من مشروع قرار دولي يضعه تحت سلطة إسرائيلية تسمح لحكومة إيهود أولمرت بفتح النيران تحت ذريعة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». هذه النقطة خطيرة جداً في حال نجحت واشنطن في تمريرها. فهي تعطي ذريعة للعدوان الإسرائيلي بأن يستغل أي حادث عفوي أو مفتعل على الحدود (الخط الأزرق) لشن هجمات جوية على الاحياء والقرى وقتل الأبرياء. وهذا يعني أن الحرب أصبحت مفتوحة في كل زمان ومكان وبات لبنان مسرح عمليات لاختبار موازين القوى وتجربة الأسلحة والصواريخ.

مشروع القرار الأميركي - الفرنسي يتجاوز عملياً المطالب الإجرائية ويعطي شرعية سياسية قانونية للعدوان الإسرائيلي لذلك يجب أن تعمل الدولة على منع تمريره قبل تصحيح تلك الفقرات وتعديلها. فالمطالب التي تتقدم بها الحكومة تجاوزتها المتغيرات وهي صحيحة، ولكنها ضعيفة في مواجهة احتمال صدور قرار دولي ملغوم يطلق يد «إسرائيل» ويعطيها شرعية قانونية للقيام بما تراه مناسباً تحت بند «الحق في الدفاع عن نفسها». وهذا البند يضع المعتدي في حال «الدفاع عن النفس» بينما يضع المعتدى عليه في حال الهجوم الذي يتحمل قانونياً مسئولية أي مواجهة قد تحصل في المستقبل.

«حق الدفاع عن النفس» يعني عملياً حق «إسرائيل» في العدوان على لبنان براً وبحراً وجواً في اللحظة التي تراها حكومة أولمرت مناسبة للقصف والدك واستكمال مشروع التحطيم المنهجي والمبرمج وفق التصور الأميركي والخريطة الأهلية التي تتناسب مع رؤيتها. فالمخاض الذي أعلن عنه يستهدف إعادة هيكلة دولة مهشمة ومحروقة يتوزعها امراء الطوائف في مختلف المناطق. و«حق الدفاع عن النفس» يعني ضمناً منع عودة النازحين إلى قراهم ومناطقهم في الجنوب اللبناني في اعتبار أن «إنهاء العمليات الحربية» لا يتضمن وقفاً لإطلاق النار والعودة إلى وراء «الخط الأزرق»، بل بقاء القوات المحتلة في أمكنتها في انتظار تبلور المشهد الإقليمي من غزة إلى طهران. وهذا يتطلب المزيد من الوقت وربما امتدت فترة الانتظار إلى ما بعد 31 أغسطس/ آب الجاري.


الأرض المحروقة

استتباعاً يتضمن بند تجميد العمليات العسكرية المرفق ببند حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها فرصة تعطي تل أبيب غطاء دولياً لاستكمال سياسة «الأرض المحروقة» في الجنوب وصولاً إلى نهر الليطاني. وهذا يعني أن مشروع إعادة الإعمار سيتأخر كثيراً بانتظار أن تعطى إشارة خضراء من الولايات المتحدة. وتأخير مشروع ترميم ما هدمته الحرب وربطه سياسياً بمخاض «الشرق الأوسط الجديد» سيولد سلسلة احتقانات اجتماعية. وهذا الاحتقان سيؤدي إلى تأسيس بؤر توتر أهلية وسيضع ابناء الجنوب (نحو مليون نازح) في كماشة سياسية.

الحرب في النهاية سياسة. والسياسة تعني الدفاع عن مصالح الناس وإدارتها بالاتجاه الصحيح الذي يخدم حاجات البشر ومتطلبات النمو والتقدم تحت سقف آمن ومستقر. والمشروع الذي تقدمت به الولايات المتحدة وفرنسا لدول مجلس الأمن يخدم «إسرائيل» وحاجاتها ويسير بالاتجاه المعاكس ضد مصالح لبنان وحقه أيضاً في تأمين الاستقرار لشعبه وضمان أمنهم الاجتماعي وكرامتهم ومستقبلهم.

هذه المسألة السياسية غائبة كما يبدو عن برنامج الحكومة ومطالبها. فالاعتراضات الإجرائية التي تقدمت بها بيروت على مشروع القرار الأميركي - الفرنسي صحيحة وعادلة، ولكنها أصبحت قديمة ومتأخرة عن اللحاق بالمتغيرات الخطيرة التي حصلت على الأرض منذ بدء العدوان على لبنان. فالنقاط التي عرضتها الحكومة على وزراء الخارجية العرب تصب في مصلحة البلاد، ولكنها أصبحت قاصرة عن التقاط جوهر المشروع التقويضي المطروح على دول مجلس الأمن.

المشروع تصعيدي ويجب على الدولة (المحطمة والمشلولة) أن تنتبه إلى تلك النقاط السياسية القانونية التي تعطي «إسرائيل» شرعية لحق القتل والهدم وتعطيل ورش البناء وعودة النازحين. وهذه النقاط الإضافية هي الخطيرة في الموضوع لأنها تنقل لبنان من دائرة الأمان إلى خط النار ويصبح ساحة مفتوحة على حرب إقليمية واسعة تعرضه دائماً لاجتياحات محدودة تزعزع أركانه وتفكك مناطقه وتفرغ الجنوب من سكانه وتمنع عليه إعادة بناء ما دمرته الحرب.

تصادف اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في بيروت في لحظة مصيرية يمر بها لبنان. وهذه المصادفة المقصودة تتطلب فعلاً من الدول العربية المشاركة في تأمين غطاء لهذا البلد الصغير يمنع مجلس الأمن من تمرير مشروع دولي يستهدف تقويض الكيان والمقاومة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1432 - الإثنين 07 أغسطس 2006م الموافق 12 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً