أسطورة هذه المقاومة اللبنانية، يكتب عنها المحللون (دولة داخل دولة)، (تنظيم مغلق)، وينتهي الصراع عن أسطورة جديدة قوضت أسطورة قديمة. إذاً، فلتفعل السياسة وآلة الحرب ما تشاء، فلتتآمر شتى القوى على المقاومة داخل لبنان وخارجه، لن يستطيع أحد ما أن يتجاهل أن «المقاومة اللبنانية» أسست أسطورة تاريخية في الشرق الأوسط، سيتذكرها العرب والإسرائيليون على حد سواء.

الشهيد راغب حرب في مخيلة كل لبناني هو مشهد من مشاهد هذه الأسطورة، ففي سنة 1983 كان الجنوب اللبناني يشهد اشتعال ثورة شعبية بقيادة الشيخ راغب حرب، ثورة في وجه «إسرائيل» ذات التاريخ الأسطوري، كان راغب يكرر في كل لقاء أن لا شرعية للاحتلال وان الخيار هو المقاومة».

كان المكان «مسجد جبشيت»، والزمان «صلاة الجمعة» ويفصح المشهد بالشيخ راغب حرب «واقفاً يحمل بندقية رشاشة في يده، ومن على منبره يرفعها، ويحركها مع كل حركة يد، وترتفع مع كل صرخة»، والناس تشاهده أعينها حمراء تفيض بالدمع، ليخرجوا بعد ذلك وتصبح في يد كل «جنوبي» بندقية، لا تخاف من عدو مجنون يقف عند الباب، بالكاد أصبحت ذاكرتهم تدرك أن هذا العدو سحق 6 جيوش عربية في 6 أيام. اليوم أسطورية المقاومة سحقت الأسطورتين معاً، أسطورة الجيوش الستة، وأسطورة الجيش الذي «تأسطر» عليها.

استشهد الشيخ «راغب حرب» في 16 من فبراير/ شباط من العام 1984، وبدأت الأسطورة تنمو في مخيلة الجنوبيين أكثر وأكثر. ومر من هنا عباس الموسوي وآخرون. آخرون تعرفهم أرض الجنوب التي تحتضن أجسادهم واحداً واحداً، جسداً جسداً، أسماً أسماً، حلماً حلماً.

بدأت الأسطورة من الشهيد راغب وهي اليوم تنتهي عند السيدحسن نصر الله، لا ندري إن كانت هذه الأسطورة قادرة على البقاء، لكنها أسست واقعها في موازين القوى السياسية في المنطقة. الذي حاول الشهيد موسى الصدر إنجازه في الجنوب اللبناني بدا فيه الشهيد راغب حرب، وأتمه نصر الله على يد مقاومي حزب الله على مقربة من أعتى جيش في الشرق الأوسط.

الحرب التي تشارف على الانتهاء أو الرجوع - على الأقل - لأبجديات تفاهم نيسان خرجت بما لا يدعو للشك أن حزب الله استطاع تغيير معادلات المنطقة وان يفرض قراءة أكثر حداثة لما يجب أن يكون عليه ذلك الشرق الأوسط الجديد.

هكذا تولد حكايات الحرية وأساطيرها، وقلة فقط من يستطيعون إنجازها... منهم الشهيد راغب حرب والذين مروا من بعده