العدد 3458 - الجمعة 24 فبراير 2012م الموافق 02 ربيع الثاني 1433هـ

تواصل الثورات وانقطاع نخبها

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أكملت الثورات والانتفاضات العربية قوسها في التغيير. ثلاث دول في الشمال الإفريقي وصولاً إلى حواف القارة القديمة. هذا القوس المتغير، فرض تواصلاً افتراضيًا قائمًا على التماثل السياسي في التغيير الحاصل، وفي طريقة طرح الشعارات، لكنه فشل في تواصل النخب المدنية العربية مع بعضها. تواصلٌ يمكنه أن يُشكل حالة من التجارب المتبادلة، التي من شأنها أن تمنع حدوث الكثير من الإشكاليات والأخطاء الفادحة، التي عادة ما تقع في عمليات التطور السياسي النظامي، فضلاً عن ذلك الذي يفرضه الحراك الشعبي غير المكبوح في جموحه النفسي أو السياسي أو حتى في تطلعاته وبرامجه بشأن المستقبل.

أغلب القوى السياسية المدنية العربية، استطاعت أن تخترق شرق الأرض وغربها، وتنفَذ إلى الدول والمجتمعات المدنية الأوروبية والأميركية، وقواها السياسية الفاعلة ووزاراتها الخارجية، وكوَّنت لها شبكة هائلة ومنظمة من العلاقات السياسية، لكنها فشلت مع شديد الأسف، في تشبيك ذات العلاقات بالمتانة ذاتها مع القوى الديمقراطية في المنطقة العربية إلاِّ لِمامًا. وهو أشبه بمن يسقي بعيد الأرض، ويترك قريبها، والتي هو واقف على أديمها.

هذا القفز من القوى السياسية المدنية العربية غير مبرَّر، ويحتاج إلى إعادة نظر وتقويم. فالتغيير السياسي الذي جرى هو ضمن محيط متجانس في الدين واللغة والحس القومي، وهو الأكثر التصاقاً ببعضه من حيث المصالح. ثم إن ذلك ومن حيث منطق الاستراتيجيا، يمثل الوعاء الديمغرافي والسياسي المباشر، الذي به ومن خلاله تتحدَّد علاقات الدول، عروبةً وإسلامًا، ومصاهرة. وبالتالي، فإن مسألة التقارب مع هذا الوعاء الممتد، وثقافته السياسية النشطة لا تبدو نافلة في العمل، فضلاً عن كون تركها حرامٌ سياسيًا لما له من أهمية بالغة.

أكبر الأخطاء التي من الممكن أن تقع فيها القوى السياسية المدنية العربية، هي النظرة للنشاط السياسي المدني من خلال كُوَّة قِطْريَّة، وعلى أنه مختلف عن السياق والسقوف التي هم يطالبون بها في هذه الدولة أو تلك، بل العكس، فإن المجتمعات المدنية في المنطقة العربية، هي في مستوى متقدم من اللياقة السياسية، وهي تتفهم، ما تطمح إليه الشعوب في عموم المنطقة. وبالتالي فإن الموضوع لا يحتاج إلى أكثر من تنسيق وتفاهم وتصويب وإقناع، يُمكن من خلاله مَدِّ العمل السياسي المدني من كونه في أقطار مُجزأة إلى حالة منسجمة من العمل السياسي العام.

لقد مَنَحَت الجغرافيا العربية شعوب هذه المنطقة، بكل ما تحويه من أساس لغوي وديني وثقافي وتاريخي مشترك فرصة اختصار مراحل الاتفاق الموضوعي والاستراتيجي فيما بين هذه المجتمعات السياسية المدنية، بغية إقامة عمل سياسي مُوحَّد، يزيد من فاعلية حركته بامتداده الجغرافي، وبوحدة شخوصه وتياراته، التي هي في الأساس موجودة منذ بداية القرن الماضي. وبالتالي فإن الموضوع لا يعدو كونه أكثر من مشهد متكامل، تنقصه بعض أجزاء الصورة الكبيرة. هذا الأمر ليس خيالاً، بل هو واقع، يؤكده المنطق وكذلك التاريخ، وبالأخص، تاريخ مرحلة الأنوار التي عاشتها أوروبا قبل أكثر من قرنين، عندما انتقلت القارة إلى الديمقراطية.

ما الذي كان يجمع لويس دو بونال وفرانسوا دو شاتوبريال وجوزيف دو مستر في فرنسا عن كارل لودفيغ فون هالر في ألمانيا، وصامويل تايلور كولريدج وإدموند بيرك في بريطانيا غير التماهي في النزعة المحافظة (وآخرين في النزعة الثورية التي امتدت حتى المكسيك)، رغم الفروقات التي كانت أصلاً قائمة ما بين القومية الألمانية والقومية الفرنسية والقومية البريطانية. بل إن حتى مؤسس الاشتراكية الفرنسية كلود هنري كونت دو سان سيمون (1760 - 1823) كانت له إسهامات في ذلك، حتى بات الحديث قائمًا إبَّان وبعد المد الثوري، عن مجتمع أوروبي غير مجزء، يضم بالأساس ألمانيا وفرنسا وإنجلترا لتأسيس برلمان فوق وطني، والانتقال من النزعة القومية الأوروبية من ثورية إلى أخرى تنظيمية خلال القرن التاسع عشر.

اليوم، قوى المجتمع المدني العربية عليها مد أكبر جسور التواصل مع بعضها. وهي في المجمل تتفق مع بعضها في الخطوط العريضة للطموح السياسي، وفي أغلب فروع تلك الخطوط. فإذا كان التنسيق قائمًا بين بعض أنظمة الدول، وهي من وجبة خلاف إلى أخرى، فما الذي يمنع من أن تقوم التيارات السياسية الناشطة فيه، بدور تنسيقي تام، وهي متفقة في أصول العمل وفروعه، اللهم إلاَّ في بعض وسائل الحراك، الذي تفرضه حالات كل بلد. لماذا لا نسمع عن لقاءات خاصة وأخرى عامة مفتوحة، ولقاءات ثقافية مشتركة، تبلور مشروعات العمل السياسي والسلمي، التي طوَّرت الكثير من التجارب في العديد من المناطق العربية.

قصارى القول، هو أنه وكلما امتد التنسيق وتم تبادل الخبرات السياسية، وتوحَّد الخطاب داخل المجتمع السياسي المدني العربي، كانت النتائج أسرع وأقوى لإحداث تغييرات باتجاه الديمقراطية ودولة المساواة. ولنا في تجارب البشر والمجتمعات أكبر نموذج، لكي نفهم أن التواصل والاندماج هو لا يوفر سياجاً شعبياً ونخبوياً داعماً فقط، وإنما يمنح القدرة أيضًا على فهم الأشياء بصورة أكثر نضجًا وواقعية

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3458 - الجمعة 24 فبراير 2012م الموافق 02 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:41 ص

      good

      nice artical

    • زائر 2 | 11:53 م

      تونس ومصر

      عقد مؤتمر في تونس وقبله في مصر ونتمنى ان يزداد التواصل لانه لازال متواضع جدا

    • زائر 1 | 11:28 م

      ثوار آخر زمن

      الغريب مما ذكرته هو قيام ثوار بعض البلدان بالتحالف مع قوى ديكتاتورية ضد ثوار بلد آخر كما يحصل اليوم بالنسبة لبعض ثوار مصر وليبيا تجاه آخرين مثلهم
      لا حوال الله

اقرأ ايضاً