العدد 3459 - السبت 25 فبراير 2012م الموافق 03 ربيع الثاني 1433هـ

الأزمة السورية والتسوية السياسية

بان كي مون comments [at] alwasatnews.com

الأمين العام للأمم المتحدة

لقد انطلقت رياح التغير التي تعصف بالمنطقة من تونس منذ ما يزيد عن سنة. فها هي شعوب المنطقة تطالب بالاستجابة إلى مطالبها. ولقد طلبت إلى القادة مراراً وتكراراً أن يستجيبوا إلى مطالب شعوبهم. فالقوة الغاشمة لا يمكن أن تطفئ إطلاقاً شرارة التّوق إلى العدالة والحرية.

والأزمة في سورية لم تبدأ بالمطالبة بتغيير النظام. فالشعب أراد الإصلاح وإنهاء القمع والاستبعاد والتهميش. وطالب بالعدالة الاجتماعية، وتوزيع مكاسب التنمية على نحو أكثر إنصافاً، والتمتع الكامل بالحقوق والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولكنه وُوجه باعتداءات عنيدة.

وها قد مضت سنة تقريباً، وأصبح العنف الذي طال أمده يطرح الآن اختباراً قاسياً على المجتمع الدولي والأمم المتحدة في مجالات ثلاثة هي: حقوق الإنسان، وإتاحة إمكانية توصيل المساعدات الإنسانية، والتوصل إلى تسوية سياسية.

أولاً، انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع.

منذ بداية هذا الشهر، كثّفت الحكومة السورية سياساتها القمعية، وشنت هجوماً كاسحاً في محاولة لسحق المنشقين. فالاستخدام العشوائي للدبابات والقذائف والصواريخ والمدفعية ضد الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية في حمص وغيرها من المدن أمر غير مقبول. وأدعو جميع الأطراف، بما في ذلك العناصر المسلحة إلى وقف العنف. ولا يمكن أن يبرر وجود الجماعات المسلحة التي تتحدث عنها التقارير الهجمات التي تشنها الحكومة ضد المدنيين من السكان.

إن طبيعة وحجم الانتهاكات التي ترتكبها القوات السورية تدل على أنه من المرجح أن جرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت منذ مارس/ آذار 2011. ويتعيّن على المجتمع الدولي أن يوحد موقفه لكفالة مساءلة مرتكبي هذه الجرائم، ابتداء من الاجتماع المقبل لمجلس حقوق الإنسان الذي سيعقد للنظر في التقرير الجديد للجنة التحقيق المستقلة الصادر لتوه.

ثانياً، إن الحالة الإنسانية ما فتئت تتردى بسبب تفاقم الأزمة، ولا سيما في مناطق حمص وحماة وإدلب ودرعا. فقد حوصرت العائلات في منازلها أياماً وباتت غير قادرة على اقتناء الغذاء أو الماء أو الرعاية الطبية. وفي أثناء ذلك، يتواصل القصف العشوائي للأحياء المدنية، مسفراً عن إصابة عدد كبير من المدنيين. وقد سلط خبر وفاة الصحافيين الأجانب بسبب القصف، والذي تناولته التقارير على نطاق واسع، المزيد من الضوء على التنكيل الفظيع المسلط يومياً على الشعب السوري. وفي داخل سورية، فرّ ما بين 100000 و200000 شخص من مناطق القتال ولجأوا إلى أسرهم أو أصدقائهم في مدن أخرى.

إن الأمم المتحدة ملتزمة التزاماً كاملاً بتلبية احتياجات الشعب السوري. وما فتئنا نفعل ذلك من خلال الهلال الأحمر السوري، شريكنا الرئيسي في مجال المساعدة الإنسانية في الميدان، وكذلك بواسطة وكالات الأمم المتحدة، التي تقوم بتوزيع الأغذية والإمدادات الطبية والأغطية. وقد زدنا الآن في دعمنا للهلال الأحمر السوري، كما ضاعفنا جهودنا من أجل كفالة الوصول دون عوائق إلى أشد المدن تضرراً بالقتال، ولا سيما مدينة حمص.

وينبغي أن نكفل أن السلطات السورية هي التي تتيح لنا تلك الإمكانية بطريقة لا تزيد من حدّة التوترات. وإني أؤيد تماماً دعوة لجنة الصليب الأحمر الدولية إلى فسحة أو هدنة إنسانية يومية لتتمكن الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري من توصيل المساعدات الإنسانية. وسيسافر وكيل الأمين العام للشئون الإنسانية، فاليري آموس، إلى سورية في أقرب فرصة ممكنة للتفاوض مع السلطات السورية بشأن إتاحة إمكانية الوصول إلى المناطق المتضررة.

وإننا نعمل أيضاً مع حكومات البلدان المجاورة من أجل كفالة توفير المساعدة والحماية للمواطنين السوريين وغيرهم من الأشخاص الفارين من العنف. وإننا نقدر الجهود التي تبذلها كل من تركيا ولبنان والأردن في هذا الصدد، علماً بأن 20000 شخص قد سُجلوا كلاجئين في هذه البلدان. وتضامن المجتمع الدولي على نطاق أوسع مهم كذلك، ومن الممكن أن يُطلب إليه تقديم الدعم المالي عند الضرورة. ولتمكين الجهات المانحة والوكالات من تبادل المعلومات وتعبئة الأموال، فإننا بصدد إنشاء منتدى إنساني سوري يشترك في رئاسته مكتب تنسيق الشئون الإنسانية، وجامعة الدول العربية والمكتب الإنساني للجماعة الأوروبية.

وفي نهاية المطاف، لا يمكن حل هذه الأزمة إلا عن طريق التسوية السياسية.

وإني أدعو الجميع إلى التكلم بصوت واحد في الرسائل التي يريدون إبلاغها وفي الأعمال التي يقومون بها. ومن الضروري تفادي المزيد من التسلح والانحدار نحو الفتنة الطائفية. ويجب أن نعمل على المحافظة على التعايش السلمي بين الطوائف السورية المتعددة.

وإني أؤيد تماماً الجهود التي تبذلها الجامعة العربية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، وفقاً للقرار الذي اتخذته الجمعية العامة الأسبوع الماضي. وكل دولة عضو في المجتمع الدولي تتحمل نصيباً من المسئولية عن وقف العنف وكفالة سلامة الشعب السوري.

ويجب أن تكف السلطات السورية عن ممارسة جميع أشكال العنف، واحترام حقوق الإنسان، وحماية السكان، وإطلاق سراح جميع المساجين المحتجزين تعسُّفاً، وسحب القوات المسلحة من البلدات والمدن، وضمان حرية التجمّع والسماح بوصول المراقبين الوافدين من الخارج إلى الأماكن المتضررة دون عوائق.

وبالإضافة إلى هذه المطالب الفورية، أعربت الجمعية العامة في قرارها عن تأييدها الكامل لقرار الجامعة العربية تيسير الانتقال السياسي بقيادة سورية. وتدعو الخطة السلطات السورية والمعارضة إلى الشروع في حوار جاد بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على تحول سلمي إلى نظام سياسي ديمقراطي وتعددي. وسوف نعمل عن كثب مع الجامعة العربية من أجل بلوغ هذه الأهداف. وقد أعلنت البارحة مع الأمين العام للجامعة العربية تعيينَ الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، مبعوثاً خاصاً مشتركاً للأمم المتحدة والجامعة العربية معنياً بالأزمة السورية. وسوف يبذل السيد أنان المساعي الحميدة من أجل وقف جميع أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، وإنهاء الأزمة الإنسانية السائدة، وتشجيع التوصل إلى حل سياسي سلمي بقيادةٍ سورية يكون شاملاً للجميع ويلبي التطلعات الديمقراطية للشعب السوري من خلال إقامة حوار سياسي شامل بين الحكومة السورية وجميع أطياف المعارضة السورية.

والمبادئ التي نسترشد بها في عملنا هذا واضحة، وهي نبذ العنف، وتولي سورية زمام عملية الانتقال السياسي، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والمساءلة، والنزاهة، واستقلالية المساعدة الإنسانية. وإني آمل أن يتصرف المجتمع الدولي بطريقة منسجمة ومتسقة لتيسير تسوية الأزمة بالوسائل السلمية.

ولقد حان الوقت لوضع حدٍّ لإراقة الدماء والمعاناة. وإني أحثُّ هذا الاجتماع على التوصل إلى أرضية مشتركة للعمل من أجل التخفيف من وطأة محنة الشعب السوري المتفاقمة. ومن هذا المنطلق، أتمنى أن يُحقق اجتماعكم نتائج إيجابية

إقرأ أيضا لـ "بان كي مون"

العدد 3459 - السبت 25 فبراير 2012م الموافق 03 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:24 ص

      رب ارجعوني,,,,,,,,,

      بان كيمون في مسلسل العين الواحدة, ,,, جرأة بلا مثيل ولا أذن يسمع العويل

    • زائر 3 | 12:29 ص

      أبو علي

      بانكي مون
      ينظر البعض لك على أنك مجرد ألعوبة بأيدي الأمريكان ولها فانت غير مصدق، ويستشهدون بمواقفك من حزب الله واسرائيل سابقا بأنه دليل يفضح مواقفك حاليا

اقرأ ايضاً