العدد 3466 - السبت 03 مارس 2012م الموافق 10 ربيع الثاني 1433هـ

المجتمع المحلي والتربية على حقوق الإنسان

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

يعرف (المجتمع المحلي) في السياق التربوي على أنه «البيئة المحيطة بالمدرسة والتي تؤثر وتتأثر بها»، أما في السياق الحقوقي فإننا نعني به تلك «المجموعة من الأفراد والمؤسسات التي تقيم في بيئة جغرافية واحدة تحكمها الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، ويشكلون فيما بينهم وحدة اجتماعية مترابطة قائمة على الشعور بالانتماء وتمثُّل القيم العليا لحقوق الإنسان في المجتمع».

المدرسة مؤسسة تربوية اجتماعية انبثقت من رحم المجتمع المحلي، وبالقدر الذي تكون علاقة المدرسة بالمجتمع المحلي جيدة، يكون تأثيرها على التحصيل الدراسي إيجابياً، وثمة مصالح مشتركة بينهما، بحيث لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر.

ودور المدرسة هو إشراك أعضاء المجتمع المحلي في وضع خطتها، وتشجيع الطلبة على المشاركة في البرامج التي ينظمها المجتمع، من خلال تنظيم الرحلات المدرسية لمؤسسات المجتمع المحلي وتعزيز مفاهيم حقوق الإنسان والتسامح الديني والسياسي والمواضيع ذات الاهتمام المشترك.

وللمجتمع المحلي عناصر متشعبة ومتنوعة ولا يمكن حصرها، إلا أن أبرزها (الأسرة)، حيث تقدم للطفل درسه الأول في احترام حقوق الآخرين؛ لأن الأسرة هي الحاضنة الأولى في تنمية اتجاهات الطفل نحو حقوق الإنسان، التي تؤهله للانتقال إلى المدرسة حيث التخطيط الهادف والمقصود لعمليتي التعليم والتعلم، ولأن العلاقة لابد أن تكون وثيقة بين الأسرة والمدرسة فإن مؤشر النجاح والفشل مرتبط عند أولياء الأمور بـ (العزو الداخلي) للنجاح، و(العزو الخارجي) للفشل، فعندما ينجح أبناؤهم ويتفوقون في الدراسة فإنهم ينسبون الفضل إلى أنفسهم في تربية أبنائهم، وعند فشل الأبناء يتحكم العزو الخارجي لديهم بأن المدرسة فاشلة أو أنها لا تقوم بدورها المطلوب.

العلاقة بين الأسرة والمدرسة لابد أن تكون واضحة المعالم، فعندما ينشغل الوالدان بالعمل ولا يقومان بزيارة المدرسة للاطلاع على مستوى أبنائهم، أو مع كثرة المشاكل الأسرية كالانفصال والخلافات العميقة، واعتقاد الوالدين بأن التربية عملية مقتصرة على المؤسسة التعليمية ولا علاقة لهم بها، كل هذه العوامل يمكن أن تساهم في تدني المستوى التحصيلي لدى الطالب، وأينما وجدت مساهمات إيجابية وملموسة لأولياء الأمور في العملية التربوية كانت نتائج تحصيل الطلبة أفضل.

وفي هذا المجال فإن (القدوة الحسنة) هي أهم الآليات التطبيقية للتربية على حقوق الإنسان، فالأطفال بحاجة إلى أن يمارس الآباء ما ينادون به من كلمات أو شعارات تنسجم مع مبادئ حقوق الإنسان، والمشكلة عندما يقول أحد الوالدين لابنه: «إذا كتبت واجباتك سأزيد لك المصروف اليومي»، فيتسبب عنده حدوث لَبس بين ما هو حق وما هو واجب، وترجيح البعد الذاتي المنفعي على حساب القيم الإنسانية، أو أن يقال له: «لو ضربت أختك الصغيرة شكوتك للمدرس» وكأن لا صلاحيات للوالدين في البيت، ما يفقد الطفل حس المسئولية، فينشأ وهو لا يعرف حدود مسئولياته؛ لأنه تربى على عدم تحمل المسئولية.

ولتوضيح الصورة أكثر، يقدِّم لنا كتاب (ثقافة حقوق الإنسان، عالمية المبادئ وسبل التأصيل) الصادر عن مجلس كنائس الشرق الأوسط الحالة التالية: عاد طفل أميركي من المدرسة باكياً؛ لأن رفيقه في الصف أخذ منه بعض متعلقاته فاستعجلته أمه قائلة: «كُفَّ عن البكاء، إذا وصل والدك وعرف السبب سيوبخك غداً، حاول أن تعالج القضية مع رفيقك وأن تسترجع متعلقاتك».

هذا الموقف على سبيل المثال يتكرر يومياً في مدارسنا، إلا أننا نتعامل معه في كثير من الأحيان بسلبية فنذهب إلى المدرسة لنشتكي وندافع عن الولد، ما يعزز عنده روح الاتكالية والاعتماد على الآخرين في حل المشكلات، وعدم القدرة على التعبير عن النفس في المطالبة بالحقوق إذا ما انتهكت؛ لأنه تعود على أن يُنتهك حقه ولا يحرك ساكناً، والحل هو أن يبكي على ما حدث!

والعنصر الثاني هو (جماعة الرفاق)، والتي تضم الأفراد والأقران المتكافئين سواء في السن أو الوضع الاجتماعي أو المهنة، وتؤدي هذه الجماعة دوراً أساسياً في تمسك الفرد بمبادئ حقوق الإنسان، نظراً لقدرتها على التأثير والفرز، لوجود القواسم المشتركة بين الأفراد الذين يتفقون معها من حيث التوجهات والمثل.

والعنصر الثالث (المساجد والمآتم) كمؤسسات تنشئة اجتماعية فإنها معنية بتكوين الاتجاهات المتعلقة بحقوق الإنسان، رغم كونها دُور عبادة، إلا أنها في الوقت نفسه مؤسسات تربوية تمارس فيه مفردات التوجيه والوعظ والإرشاد، وبوسعها العمل على التقريب بين المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتصور الإسلامي لهذه الحقوق القائم على مبدأ الكرامة الإنسانية، قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» (الإسراء: 70)، وتوجيه الخطاب الديني للغرض ذاته.

أما (الأندية والمراكز الشبابية) فهي العنصر الرابع المؤثر في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان؛ لأن لهذه المؤسسات الوسيطة دوراً مهماً في عملية التنشئة الاجتماعية والثقافية والسياسية رغم دورها الترفيهي والاجتماعي المعروف للجميع، إلا أنها قد تقوم بدور فعال في حقل التربية على حقوق الإنسان وتنمية الوعي بها من خلال توظيف بعض الأدوات الإجرائية كالعملية الانتخابية مثلاً، فهذه العملية يكسبها مسحة سياسية اجتماعية مهمة.

والعنصر الخامس (الأحزاب أو الجمعيات السياسية) بوصفها تنظيمات سياسية تضم مجموعة من المواطنين لهم منطلقات إيديولوجية وأهداف مشتركة يسعون إلى تحقيقها، إذ تضطلع بدور تثقيفي كبير في مجال حقوق الإنسان من خلال التصاقها المباشر بالجماهير، وكثير من شبابنا ينشطون فترة الدراسة الجامعية، وهي المرحلة العمرية الأنضج لتشكُّل الاتجاهات والانتماءات، وهنا يأتي دور الأحزاب في تثقيف الأعضاء بصورة خاصة والمواطنين بصورة عامة، من خلال العمل السياسي البرلماني ومواقع التواصل الاجتماعي وإقامة الندوات الجماهيرية والمهرجانات والفعاليات وما شابه ذلك.

والعنصر السادس في المجتمع المحلي (وسائل الإعلام والاتصال)، فالحضور الفعلي لحقوق الإنسان في وسائل الإعلام المختلفة في أية دولة قد يكون مؤشراً على اهتمامها بهذه الثقافة، فهذا الحضور التثقيفي والرقابي المرئي مهم في التأسيس لمجتمع معرفي ومعلوماتي منفتح قائم على عرض أفضل التجارب والممارسات العالمية، وتوظيف أحدث التقنيات في الدراما المرئية ولعب دور الناقد البصير للجهات الرسمية وغير الرسمية في مجال حقوق الإنسان.

أما العنصر السابع فيتمثل في دور (المنظمات غير الحكومية) في مجال حقوق الإنسان، فالمأمول منها تأصيل المعرفة بثقافة حقوق الإنسان والعمل على الارتقاء بها.

وعلى رغم أن جُلّ العاملين في هذا الحقل من النخب، إلا أن بإمكانها الانفتاح بشكل أوسع على الجماهير من خلال الاتحادات العمالية والنقابات المهنية.

ولعل ما يميز هذه المنظمات تحررها من جمود المناهج الدراسية؛ لأنها تستفيد من البرامج والفعاليات كوسائط تربوية لتعزيز المهارات والاتجاهات.

من دون الأخذ بالاعتبار العناصر السابقة تكون التربية على حقوق الإنسان مسألة عبثية ليس من شأنها أن تغير شيئاً على مستوى الفضاء التربوي

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3466 - السبت 03 مارس 2012م الموافق 10 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:13 ص

      في مدارسنا

      نفقد القدوه من اعلى الهرم الكلام و الحفظ لا يفيد و انما القدوه من هم في موضع القرار
      وزارة لاتراعي حقوق الانسان و تعلم حقوق الانسان قمة في التناقض

اقرأ ايضاً