العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ

عندما يستيقظ الشهداء

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الأمة التي لا شهداء لديها، أمة خارج مسار الحياة، بمعناها الذي يؤصّل لحق الوجود بعزة وكرامة وأنفة.

في الأرض العربية والإسلامية، ثمة فائض من الشهداء الذين تم خذلانهم، يترصدون لنا من فراديسهم، يبكوننا أكثر مما نبكيهم، قلقون علينا أكثر من قلقنا عليهم، في الذروة هم من اليقظة والانتباه، فيما نحن في الذروة من الغياب.

عندما يستيقظ الشهداء، وكل أوقاتهم يقظة، نكتشف قدرتنا الفائضة على الكذب والتبرير، وفي أحيان كثيرة التسويف. هذا الاتجار اللانهائي بدمائهم يحيلنا إلى أكوام من أشياء أكثر من كوننا بشراً بلحم ودم وأعصاب.

يذهبون إلى عالمهم النوراني مكلّلين بازدحامات من الجبهات التي يمكن رؤية نورها عن بعد ألف عام، فيما نحن لا نكاد نميّز لون السماء لفرط انحناء جباهنا.

يرحلون عن عالمنا الموبوء بالكذب والنفاق ومزايدات الساسة ومتاجرة الدخلاء على الدّين والضمير والإنسانية من بني جلدتنا، فيما نحن نمعن في استدعاء بلاغات غابرة كي نخرج بما يليق بنا - لا بهم - من مراثٍ.

من قال إن الشهداء لا يرتعدون للقاء الله لا العدو، على الأقل بحسب تعبير رينيه شار: «لكي تكبر لابد أن ترتعد». ومن مثل الشهداء في كبرهم وذروتهم وسموّهم؟

عندما يستيقظ الشهداء، وكل أوقاتهم يقظة، يحاولون ما قُدِّر لهم أن يذكّروننا بأب الشهادة في الدنيا بأسرها الإمام الحسين (ع) في واحدٍ من مناجاته الآسرة: «ماذا وجدَ من فقدك؟ وما الذي فقدَ من وجدك؟».

ولم يشذ عن الفهم والإدراك والتقاط المعنى، صاحب الرباعيات الأشهر، عمر الخيام، في أبياته الشهيرة وهو يتحدث عن الأحرار، والأحرار في نهاية المطاف شهداء:

لو كان لي كالله في فلكٍ يدٌ

لم أبْقِ للأفلاك من آثارِ

وخلقتُ أفلاكاً تدور مكانها

وتسير وفْقَ مشيئةِ الأحرارِ

ذلك أن التراخي «موت بلا نعش ولا قبر» بحسب تعبير شاعر اليمن الأكبر عبدالله البردّوني

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً