هل من الضروري أن نشتغل على استنطاق جانب من جماليات النصوص، أو حتى وهنها وقبحها وعرائها في كل ملف شهري نعمل عليه؟ ما الذي يحول دون أن نكسر تلك العادة أو المنهج الذي يراد له أن يكون قائماً ومكرساً ومثبتاً؟
أجمل القراءات والاستنطاقات للنصوص تلك التي تحاول أن توجد مساحتها الخاصة بعيداً عن النصوص، بشكل وصورة لا تبتعدان عن الهدف من جهة، فيما تحاولان وتسعيان الى الاقتراب - ما قُدر لهما - من تفاصيل ومعاينات ومفاصل تظل مهملة وغير ذات ملاحظة واهتمام، ترتبط أول ما ترتبط بكاتب النص نفسه، وضيف الملف.
تسليط الضوء على ذلك الجانب، والاقتراب منه يتيح مساحة غائبة عن عدد كبير من القراء، الذين هم في كثير من الأحيان على تواصل وارتباط ومعرفة بالنص وحدوده وإمكاناته، فيما صاحب النص في الدائرة المقصاة والمستبعدة من كل ذلك. لا يعني ذلك العمل على سيرة ذاتية تبدأ من المهد، وتنتهي الى ما قبل اللحد أو حتى بعده، بل يعني الولوج في تفاصيل التعاطي مع النص من جهة، والعلاقات التي تربط الشاعر مع المنابر الاعلامية التي يتعامل معها من جهة ثانية، وردود الفعل التي يبديها تجاه تلك المنابر من جهة ثالثة، وكذلك ردود فعل تلك المنابر تجاه الشاعر من جهة رابعة.
مثل تلك التفاصيل والإضاءات تعمل عملها على تقريب وإضاءة مساحات تظل مغيبة ومهملة، وفي الطرف الأقصى من اهتمام كثير من المحررين والمعنيين بهذا الشأن.
لا أحد يختلف على الإمكانات الباهرة والملفتة للشاعر محمد الجلواح، وهي إمكانات ربما تكون ملفتة لأكثر من سبب، أولها أن تجربته، مقارنة بالذين سبقوه من حيث العمر الزمني تكاد تكون متقدمة، وهي في واقعها وحقيقتها وأثرها في الصف الأول، على رغم حداثة التجربة، وخصوصاً اذا ما قارناها بتجارب تمتد الى بداية الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وأكاد أضع تجربة الجلواح في هذا الخصوص من حيث قفزها، وحرق المراحل فيها، جنبا الى جنب مع تجربة الشاعر الجميل ابراهيم المقابي، على رغم التباين في مسار وتوجه كل من التجربتين.
يذكر معظم المعنيين بالشعر الشعبي في مملكة البحرين، أن الشاعر العذب الجلواح، فتح النار على نفسه يوم أن ذهب واثقاً - مع التحفظ على حال الثقة تلك - في لقاء أجراه تلفزيون دبي، من خلال برنامج «جواهر» الذي تقدمه المطربة والاعلامية - مع التحفظ على مسمى اعلامية، ومحاولة تمرير مسمى مطربة - أريام يوم أن قرر في ارتجال واضح أن يلغي كل تجربة شعرية في المملكة، ما فسره كثيرون بأنه يكرس لتجربة شعرية وحيدة، هي تجربته في واقع الأمر، وهو أمر لا يستقيم مع المنطق وحتى الأخلاق، ضمن وجهة نظر شخصية، لا مهنية. الأخلاق بمعنى أن ترى نفسك الكائن الوحيد المؤثر في مجاله. أنت الصوت، وما عداك الصدى، ولكن الجلواح لم يمنح الساحة وشعراءها حتى ذلك الحق: أن يكونوا صدى لصوته، نفى عنهم حتى أضعف الامكانات كي يكون - على أقل تقدير - ظلا لتجربته، اذا ما أراد أن يمعن في تواضعه! وقتها ثارت ثائرة الصحف المحلية، واحتفظت «ريضان» بمهنيتها، مكتفية بنشر خبر اللقاء من دون الدخول في التفاصيل، ريثما يسفر موقف ما عن الساحة، مع إيمان «ريضان» بأن ما صدر عن الزميل الشاعر الجلواح لا يعدو كونه رأياً ووجهة نظر، اذا ما أردنا أن نحسن الظن، لكن الآخرين كانوا له بالمرصاد، اذ انبرى شعراء ثلاثة، أحترم اثنين منهم فقط، أما الثالث فمكانه الطبيعي في غيابة النسيان، ليس لسوء خلقه، وقلة أدبه، وبلطجته، وأخلاقه الشوارعية، وإدمانه على أكثر من مسكر، بل لأنه لا علاقة له بالحياة، عدا عن علاقته بالشعر! انبرى الثلاثة بعيداً عن موضوع ما تم تناوله في حلقة «جواهر» من آراء، بعضها كان متطرفاً ومتعالياً من قبل الشاعر الزميل الجلواح، اذ ذهبوا عميقاً في حال جاهلية متخلفة بغيضة من الاعتداد بالنفس وإحياء العصبية الجاهلية والقبلية، عدا عن الدخول في مساحة لم تخل من طائفية لمس تفاصيلها أبسط المطلعين على هذا الضرب من الشعر.
هل كنا نستدرج الثلاثة وقتها في «ريضان» لنشر حالاتهم؟ أم أننا كنا نسعى إلى أن نضع الجلواح في مواجهة مع ما صرح به في البرنامج؟
لا هذا ولا ذاك، لأن النشر تم بعد أسابيع، ولم يدر في خلد المحرر أن الثلاثي المذكور ظل معنياً أكثر من غيره من شعراء الساحة بما دار في البرنامج، وما تم طرحه من آراء بدت استفزازية، فتم نشر بيانات الثلاثة الشعرية، أو ردودهم (القصائد) بحسن نية، ولأن «الاعتراف بالذنب فضيلة» لم يناور المحرر حين حوصر بعدد من المكالمات الهاتفية، غالبيتها تستهجن مضمون ومحتوى النصوص الثلاثة، مع التنبيه على أنها موجهة تحديداً الى الزميل محمد الجلواح، كما أن «ريضان» لم تفكر اطلاقاً أن تضع الجلواح في مواجهة مع ما تلفظ به في البرنامج لأن تلك ليست مهمتها، ولم يبدر من محرر الصفحة أن عمد الى الرد على ما تضمنته آراء الجلواح في البرنامج المذكور.
ذلك أمر، أمر آخر يتعلق بتجربة الجلواح الصحافية التي دامت شهوراً في احدى الصحف المحلية الزميلة التي توزع بشكل أقل من متواضع، وكانت تجربة جيدة، اذا ما أخذنا في الاعتبار انعدام الخبرة والتجربة، بل وأكثر من جيدة، على رغم أن الصفحة في مجملها افتقرت الى التواصل المباشر من قبل شعراء الساحة وكتّابها، ما دفع الزميل الى اللجوء والاعتماد على الشبكة العنكبوتية، من خلال مواقع الشعر والشعراء، علاوة على الامكانات الأقل من متواضعة في اخراج الصفحة. مع كل تلك الظروف والحقائق والمعطيات المتوافرة، لم يتردد الزميل الجلواح في فتح النار هذه المرة من جانبه على ما يشبه الجميع، في حال تكاد تكون نادرة. نادرة من حيث خروجه قبل - ربما - شهور من إشكال في المواجهة من جهة، وتوافر منبر له كان من المفترض أن يجيّره بشكل أكثر حكمة وذكاء في محاولة لاستقطاب الرموز الكبيرة في الساحة، وإن لم يؤمن بوجودها، أو على الأقل، استقطاب الشعراء ذوي الشأن في تجربة الشعر الشعبي في مملكة البحرين، ولحظتها - لو حدث ذلك - كان عرف أن «يلعبها» بشكل حرفي وملفت، من دون أن يسيء الى أحد، ومن دون أن يجد في خيار فتح النار على الساحة وشعرائها، بالشكل الاستفزازي الذي بدر منه، هو الحل الأمثل لإعادة الأمور الى نصابها، ضمن وجهة نظره. ما الذي نرمي اليه بعد تلك المقدمة الطويلة؟
أشرنا بداية هذه الكتابة الى اننا وبحكم احداثيات وتفاصيل تتوافر لدى شخصية الملف الأسبوعي، تدفعك لأن تخرج على نطاق السائد من التناول. وهو خروج يسعى لأن يسمّي الأشياء بأسمائها من جهة، ويسلط الضوء على حال - بل حالات - قائمة في الساحة، يبدو أن السكوت عليها بات واحداً من سماتها وشيمها وشخصيتها.
هل يسيء ذلك الى الشاعر الجلواح؟ بعضهم سيرى في الأمر كذلك، بل سيرى فيه ترصّداً واستهدافا له. لكن يشفع لمحرر الصفحة أنه واحد من المعجبين في السر والعلن بتجربة الجلواح الشعرية، وهو إعجاب لم ولن يمنع الاختلاف على جانب من تفاصيل تلك التجربة، في الوقت الذي لا يُصادر حق الجلواح في أن لا يرى في تجربة معد هذه الصفحة أي شيء يذكر، وذلك حقه الطبيعي، على رغم أنه لم يشر الى ذلك، وعلى رغم حال التوتر التي انتابت جانبا من العلاقة بعد تسلمه لمسئولية تحرير احدى الصفحات الزميلة، كما أشرت سابقاً.
ما أريد الإشارة اليه في هذا الصدد، هو المدخل الذي بدأت منه هذه الكتابة: الامكانات الباهرة والملفتة للشاعر الجلواح، على رغم انها سبقت بتجارب من حيث العمر الزمني،و لكنها سبقت من حيث قيمتها وأهميتها ورصانتها. ما يدفع أحياناً الى حال من الانفلات والنشوة وأحياناً ثانية الى التباهي بشكل لا يخلو من سفور، بل ولا يخلو من تجاهل بل إلغاء لما عداها من تجارب.
كل شاعر في الدنيا يحرز تميزاً ونبوغاً، هو مشروع لتدشين روابط من المؤامرات والدس والكيد والاساءة والتسقيط له، في محاولة النيل منه، وكل شاعر في الدنيا يحرز التفاتة، يظل مشروع تناول لن يتردد في أن يؤدي به الى الدرك الأسفل من التجربة، على الأقل ضمن عالمنا العاشر - لا الثالث - لكن التميز والنبوغ لا يبرران اطلاقاً الذهاب الى الجهة التي تجد في تميز ونبوغ الآخرين تهديداً واسقاطاً لها، ما يدفعها الى الرؤية بعين واحدة، كثيرا ما تكون مصابة بـ «الغلوكوما»!.
محمد الجلواح شاعر متميز وملفت في ساحة لا يمكن أن تنفي عنها عقدة المؤامرة، ولكننا لا ننفي عن الجلواح في الوقت نفسه ذهابه نحو الاستدراج المؤامرات نحوه!.
شعر - محمد الجلواح
حقيقة للوجع فيني صــلاح ويكتـب الإشراق
رغم اني ومن صغري وحيـد وضايــع ومرهـق
وبعد كل الذي عدّ.ى صفيـت بحكمة الإرهاق
غدت لي نظرة أبعد كثــير وأوضــح وأعمـق
حصدت اطيب نجاحاتي ثمـار لكبوة الإخفـاق
رسمـت المقبـل الزاهـي بريـشـة جـرحي الأسبـق
قويت انقش من آلامي قصــايـد تنـصر الأوراق
أموت وذا الزمن بعـدي يخـلّد نـبـضي الأصدق
يساورني يقين اني خلقــت لأصبح العمـلاق
لــذا عيــب عليّ اني أجــاري بالفـكــر أحمــق
أبرّقى بصافي ايمـاني وقلبـي بالشرف خفّــاق
وعلى هدي النبي روحي تصون وتغفر وتعشق
والا منـّه نقــص رزقــي أبشـكي لله الرزاق
محــال اشكي لغــير الـلـه لو اني بعـازتي اغرق
ويجوز لقسوة الحاضر أشوف المرتـــزق سبّاق
ويصعد من على اكتاف الأصــيـل ويلغـي المنطـق
ولكن لا قسى دربي وخـيّر فكري الخـلاّق
وش بهم يفرق؟ ما بين اخلاقي وكسبي لطموي
أبخّسر كل طموحاتي ولكن ما اخسر الأخلاق
ويشرفّني أغيــب من الفقــر بس سمعتي تشـرق
«حجابك الباقي»
يا شمعة عيوني ترى الجـرح ما جـاك
جانــا علــى طـــول المــدى والـمســـافة
كل القلوب اللي على الديــــن تفـــــداك
يـا اللــي رفعـــتي رايــتــه يا عـــفـــــافه
حنا معك لا خالـــط الغــبــــن ممـساك
نـوقــف على اعتـــاب الكفــر ما نخـــافه
نمحي أثر كل من على الزيف عــاداك
نردع مهــــازل فكـــرهـــم وانــحـــرافــه
منهو بهم واهم بملايين يســــــــواك
شعب التـــــــدني والجهــــل والسخافــة
هم يحصدون بنهجهم رجس واشواك
وانتي حصدتي هالشــــرف بقــتــطـــافه
شوفي فرنسا بكبرها اليــوم تخــشاك
شوفـــي حجـــابــك هزهــــم بخـتـلافــــه
حتــــى الرئــيــس الباســـل هـــــاذاك
شفنــــاه يـــواجـــه حشــــمتــك برتــجافه
انتي عزيزة هـيـــــبة الدين تغشـــاك
منـتـي بجـســـم عــــاري يجـــــر التوافه
منتي بمثل من تكشف الزين ويــــاك
جسم رخيــــص ناصـــله ثـــم نعــــــافه
نلتي الصدارة بلبس الحجابك محلاك
وكــــل البنات العـــــارية فـ الوصـــــافة
وباقولها والفكر ملهــــــم بالادراك
والحق ثابــــــت بس نــويت اعــــترافــــــه
حجابك الباقي رغم أنــــف «شيــراك»
والديرة اللي ما تعــــــــرف النظـــــــــافة
زي طفلة
أحبك لو طعنتيني وزدتي هالعناد عناد
أحبك زود كلما انتي هويتي زود حقراني
لأني عارف قلبك كما قلب الطفل بمهاد
نظيف وأبيض وصافي وعارف طبعك الحاني
أحبك موت يا عشق غدا لي من غلاه بلاد
وانا قد كنت من قبله غريب آهيم وحداني
أحبك لا نطقها لك فمي فيها ركيض جياد
تفرّح روحي بحسها أنا هالروح ميداني
احبك لا نطقها لك فمي كني على منطاد
اطير بنشوتي من سحرها لامن تغشّاني
أحبك لا نطقها لك فمي يا جمرها الوقـّاد
تولعني وله منك الا يا زين نيراني
أحبك حب طاهر من سموم الغدر والأحقاد
أحبك حب لو يظهر تلين قلوب عدواني
أحبك يا حلو حبك كتب لي لحظة الميلاد
وانا قبله كما الميت قتيل بسيف أحزاني
أحبك من كثر حبك هديتك من رضاي فواد
واذا منتي مصدقتني شهد لك فيه شرياني
أحبك حب لو ينوي يحدد كثرته «عدّاد»
تعطل وانفجر واهدى لي اشلائه من جناني
أحبك لو وعدتيني ولا جيتي على الميعاد
أبهدي لك عذر مقنع وابنطر موعدٍ ثاني
أحبك لو أرددها ألوفٍ ما اشعر بإجهاد
ترى بالعكس هالكلمة بها لي عزم قوّاني
انا احبك لمستقبل «لبيت وعشرة وأولاد»
أنا ما اهدف لنزوة رخيصة طعمها فاني
أحبك لو جفيتيني وكلما جفوتك تزداد
عرفت ان ما حد كثرك على هالأرض يهواني
لأنك زي طفلة كلما تنوي طريق بعاد
أدلعها بكم كلمة تجي ما بين أحضاني
«ضحكة بنت غير»
ضحكة تخلي أعقل الناس مربوش
روفي بحالي يا الغلا لو سمحتي
يا غادتي أقدر على مْجابه وحوش
لكن محال آجابهك لا ضحكتي
ضحكة معاها بالدلع رفة رموش
تذهل عيون اللي حياته ملكتي
ما تنشرى بين الخلايق بالقروش
الله كتبها يا غلاتي لك انتي
لو خيروني بقصر بالماس منقوش
وما بين ضحاتك رجحتي ورجحتي
ضحكة واحس الشهد بالقلب مرشوش
زيدي عساك مْن الضحك ما وقفتي
ضحكة رقيقة مير تقدر على جيوش
إتروضين اقسى البشر لا همستي
ضحكة تخلي «بلير» يزعل على «بوش»
يعني التحالف ينتهي لا أمرتي
زين الصبايا جنبك يصير مغشوش
أصل الحلا منك ومـنـْه انفردتي
كن الحلا من قبل لا تجين مخشوش
لكن ظهر من يوم انتي انولدتي
حلوة وتضحك في غنج هزّت عروش
كلما سترتي من جمالك فضحتي
مذبوح
يا صاح جيتك نويت آبوح
ما عاد كبتي يداريني
ما عاد صدري يشيل جروح
والنوم عيا يوافيني
دنياي رحلة بلا مربوح
والحزن فيها مخاويني
إيه حي لكنني مذبوح
بسهام كل من غدر فيني
يا صاح من هالسؤال آنوح
مجنون غير المجانيني
وشلون لي خافق مفتوح
للناس واشكي ظما سنيني؟
يا صاح كن الكلام مزوح
لا قلت صدقي معنّيني
من كثر ماني عفيف الروح
اليوم زادو معاديني!
وآعيش عمري سفر ونزوح
ولا فيه حضن يدفيني
يا صاح ويني وْ وين آروح؟
يا صاح ليتك تدليني
العدد 1450 - الجمعة 25 أغسطس 2006م الموافق 30 رجب 1427هـ