العدد 3474 - الأحد 11 مارس 2012م الموافق 18 ربيع الثاني 1433هـ

مزيدٌ من الفهم عن إيران والإيرانيين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل شهر وثلاثة أيام من الآن، تحدثت عن فهمنا لإيران. كثيرون لم يرُقهم ذلك الحديث. لكن الحقيقة، أن إيران هي كذلك. وربما هي أكثر من ذلك الوصف، إن تجرأ أحدٌ ليفهمها كما هي. هذا البلد، تغيَّرت فروة رأسه في العام 1979 بعد انتصار الثورة الإسلامية فيه، لكن جَسَدَه بقِي كما كانت الدولة الإيرانية، قبل آلاف السنين. فهو بلد يرِث ما تركه الأخمينيون والأشكنانيون والساسانيون على أرضه، وفي وجدان ناسه، وعلى حواف تراثه، وفي نواة قلبه. فالشعوب ترِث صفات بعضها، والدول ترِث الإنجاز الحضاري والإمبيرالي الذي كانت عليه.

ي حال إيران، هناك سؤالٌ وجيهٌ يُمكن أن يُطرَح: هل من المعقول، أن مجموعة من العمائم، سُود وبِيض، يعتمرها كُهُولٌ لا يقل عمر أصغرهم عن السبعين، يركبون أعواد المنابر، ويخطبون كلامًا عامّاً، لا يصِفُ، ولا يشِف، يَبكون عليه، ويُبكون الناس منه، وفي يدِهم سبحة يُديرونها كيفما اتفق، ويفتون للناس في ركوعهم وسجودهم، أن يُديروا دولةً، تزيد مساحتها على 1.648.195 كم، ثم يُحارَبون فلا يُهزمون، ويُحاصرون فلا يموتون، ويُفاوَضون فلا يُغلَبون؟

زِد على ذلك السؤال: كيف لجوقةٍ من الملالي كما يُنعتون، أن يُشيِّدوا مفاعل للذرَّة، ويُصنِّعوا صواريخ عابرة، ويدخلون في اللعب السياسية كأرقام صعبة، يتمددون على جوارهم كدودة القز، على رغم أنهم يتجاورون، مع أشد الدول خطورة، ويكتمون (قادرين) من الولاءات الفرعية الإثنية والعرقية والطائفية في أحشائهم من آذريين وفرْسًا وعربًا وبلوشًا وتركمانًا ولورًا ما يُخيف أشد البلدان بأسًا وتقدمًا، ثم يُكوِّمونها جميعًا في خلطة دينية قومية مُعقدة جدّاً؟

وأكثر. كيف لدولة إسلامية، تطبق شرع الله دستورًا وعُرفًا، أن ترى فيها كما ترى في غيرها ممن نسَت خالقها، وباعت كنائسها، وهَدَّت من مقدسها، واعتبرته تاريخًا يُمكن النظر فيه وله بنسبية طبيعية؟ كلّ مَنْ ذهب إلى الحديقة الجمشيدية في شمال طهران، أو ميدان مقدس أردبيلي، سيعتقد، أنه في جادة من جِيادِّ نيويورك، حيث ترى يافعين ويافعات، شبابًا وشابات، يتمايلون بغزلٍ صريح، وبقصّات شعر غربية، وأوشام وقلائد مُدلاة، وبعضهم يحمل آلة للدَّندَنة والغناء. وفي الليل يتسامرون في مجالس السُّمّار دون رقيب.

هذه الأمور محلّ قياس. فالأمران لا يستقيمان. فلا سلوك من يحكمون إيران يشِي على أنهم مجرد رجال دين وكفى، ولا سلوك المجتمع الإيراني يُظهِر أنهم أناس يُساسون من قِبَل دولة دينية صرفة، تقول في دستورها، إن «الموازين الإسلامية أساس جميع القرارات» لكن الحقيقة أن ذلك الوصف، ليس كما يُتصوَّر.

هذا الأمر يُحيلنا إلى أن نفترض أشياء عديدة طمعًا في فهمهم. فإيران ليست صورةً واحدة، بل هي مجموعة صور. هناك صورة دينية وأخرى علمانية وثالثة ديمقراطية ورابعة سلطوية وخامسة تاريخية وسادسة حضارية. مجموع هذه الصور هي في خدمة الدولة الإيرانية. وما بين الصورة الأولى (الدينية) والسادسة (الحضارية) تكمن العقدة. فإيران ما فتئت تتحدث، عن مزاوجة حضارتها الفارسية مع الدين الإسلامي التي دخلها خلال النصف الأول من القرن الهجري الأول. لذلك؛ فإن الموضوع مرتبطٌ أساسًا بالفهم الفارسي للدين.

إن العقل الذي يُدير الدولة الإيرانية اليوم، هو عقل فارسي جَمَعَ إليه تركات الدول الفارسية القديمة، والمتعاقبة، تساوقت مع ما جرى لمفهوم الدولة في الغرب، ودمجه بالهوية الثقافية المتحررة. وهي بالمناسبة تأسيسات قامت على مجموعة من الدعوات التي كانت قد ترسَّخت منذ زمن بعيد باتجاه محوري الفرسنة والتغريب الثقافي في إيران. فما كان يقوله ميرزا يعقوب خان ونجله، ثم تقي زادة وميرزا يوسف خان وفتح علي أخوند زادة وكرماني وعبدالرحيم طالبوف خلال القرون الماضية؛ كان قد أسَّس إلى شكل دولة وهوية كالتي نتحدث عنها الآن.

فصِلَة إيران بالشعوب الآرية، قد خلق ثيمات ثقافية في السلوك الفارسي، ومعيارًا تاريخيّاً نشِطًا على مدى قرون، وأن يتشكل هناك انسجامٌ من نوع ما، بين الماضي والحاضر، حصلت له حفريات في الوجدان الفارسي، وبالتالي عدم قدرة أي نظام سياسي، على أن يقيم فتقًا بينهما، حتى ولو كان بشكل الدولة الدينية. وبالتالي، لا يُمكن مقايسة رجال الدين الفرس مع رجال الدِّين النصِّيين خارج إيران، في النظر إلى الدين والسياسة، بالضبط، كما هو الفرق، ما بين المسيحية الأرثوذكسية في الشرق، والكنيسة الكاثوليكية في الغرب.

الدِّين في إيران هو في منزلة، والفارسية كروح وحضارة تاريخية في منزلة متساوية أيضًا. حتى الفهم للدين يأتي من خلفية فارسية. ولذلك، لم يَحُل الدِّين، من أن يقوم الإمام الخميني بتحطيم تابو إقامة الدولة في زمن الغيبة الكبرى، وربطها بقضية ولاية المعصوم؛ لأن القضية بالنسبة إليه غير خاضعة لمسألة النصوص، وإنما لحِس فارسي في إنهاض وتشييد دولة على أرض إيران. لقد شكَّل قيام الدولة الإيرانية بعد الثورة تثويرًا للوجدان الفارسي، القادر على إنشاء وحماية دولة تكون وازنة وتطعيمها بنكهة دينية، هي الأخرى كانت حاضرة منذ الفتح.

وربما تتشابه السياسة الإيرانية اليوم كثيرًا، مع ما كانت تقوم به الدول الفارسية الغابرة، في صوغ علاقاتها الخارجية مع الأغيار. فهي أولاً، لا تتعامل من دون أوراق تضغط على حزام الخصم. ثم تمنح الخصم خرافة التفاوض والتنازل، حتى يكتشف أنهم يبدأون الجولة ويُنهونها بالتوازي مع أعمال أخرى مصاحبة علَّها تنفع في عض الأصابع. وجِدَ ذلك في ملفهم النووي، الذي سيدخلون عامهم العاشر وهم يتفاوضون عليه دون طائل أو تنازل.

هنا، أتذكّر حكايةً ذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد، تقول إن رجلاً قعَدَ على باب دارِه، فأتاهُ سائلٌ يسأله، فقال له: اجلس، ثم صاحَ بجارية عنده، فقال لها: ادفعي إلى هذا مكيالاً من حنطة. فقالت: ما بقِيَ عندنا حنطة. قال: فأعطِهِ درهمًا، فقالت: ما بقِيَ عندنا دراهم. قال: فأطعِميه رغيفًا، قالت: ما عندنا خبز. فالتفت إليه وقال: انصرف عليك اللعنة. فقال السائل: سبحان الله، تحرمني وتشتمني! قال: أحببتُ أن تنصرف وأنت مأجور.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3474 - الأحد 11 مارس 2012م الموافق 18 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 3:32 م

      .

      تعليق رقم 9 صح النوم خوك!!

    • زائر 19 | 1:34 م

      هناك سر وراء هذا التحامل !!

      لا أعرف ما هذا الثار الذي بينك و بين إيران؟ حتماً هناك سر، نرجو ذكره ربما نهاجمها نحن أيضاً!!! لا يكاد يمر إسبوع إلا و هاجمت إيران. ي أخي أكتب عن مشاكلنا الداخلية بدلاً من الكتابة في أمور خارجية لا تهمنا

    • زائر 18 | 12:21 م

      محمد عبد اللة الصحفي المبدع

      انا من القراء المداومين علي شراء الوسط وتحديدا كتابات الصحفي المبدع محمد حينما تقراء لة تحليل سياسي عن اي موضوع مادا تتوقع انة يتكلم عن المكان وكانة عايش بة وانا ازيد علي كلامة صحيح انها ثورة اسلامية ولكنها من منطلق الفارسية بمعني الدولة الفارسية اولا وهدا ليس عيب فنحن العرب ايضا لنا رؤية عروبية ولكن مع الاسف ضاعت العروبة بسبب الاستعمار الاوربي اولا والامريكي حاليا

    • زائر 17 | 10:47 ص

      الحس الفارسي

      ولذلك، لم يَحُل الدِّين، من أن يقوم الإمام الخميني بتحطيم تابو إقامة الدولة في زمن الغيبة الكبرى، وربطها بقضية ولاية المعصوم؛ لأن القضية بالنسبة إليه غير خاضعة لمسألة النصوص، وإنما لحِس فارسي في إنهاض وتشييد دولة على أرض إيران

    • زائر 16 | 9:20 ص

      لا عيب في من يعتز بحضارته

      العيب ليس في من يعتز بحضارته العيب في من نسي حضارته وباع نفسه وقراره للغير وهو يعلم مدى خطورة ما قام به واصبح تابعا لا متبوعا

      اذا لم نستطع ان نقف مع الاخر في صف واحد فلا حق لنا ان نعرقل مسيره

      التاريخ لن يرحم المتقاعسين التاريخ مع العاملين وهذه قاعدة وسنة

    • زائر 15 | 5:55 ص

      مشــــكور على التوضيح

      بصراحة من زود ما نحب ايران مالقينا من يوضح لنا الصورة صح
      ما لقيت موضوع أفضل من جذي عشان تكتبه
      عاشت ايران حرة أبية عاشت عاشت عاشت

      والله عيب

    • زائر 13 | 5:27 ص

      بعد هذا التحليل هل ايران دولة ضعيفة أم قوية ؟ ( نونو الصغير )

      كيف ترد على من يقول بأن ايران مجرد عمائم لا تعي ما تفعل ؟ وهل لنا أن نتعامل معها على انها دولة قوية أم دولة ضعيفة لا تستحق ان نعطيها اهتمام ؟ وهل من المجدي ان نظل في عداء معها ؟ وهل هي قوة لنا أم العكس ؟

    • زائر 10 | 4:16 ص

      fyd

      اهنئك على تحليلك بلغة عربية واضحة المعنى ,وتسلسل افكار ينبئ عن كاتب لديه مخزون ثقافي كبير ترجمه بتحليل عميق ومبسط ليفهمه الجميع,عكس كتاب النخبة,الذين يرون في انفسهم الكثير,وماهم الا كالأوعية المقعرة,التي تصدر اصواتا مزعجة,بارك الله فيك.
      تحياتي

    • زائر 4 | 1:37 ص

      من أسبوع

      أقر البرلمان الأيراني بمنع تعدد الزوجات وسمح للرجل بزوجة واحدة والله يحلل الأربع بينما لا حدود لعدد النساء الذي يريده الرجل بعقد ظرفي

    • زائر 1 | 12:29 ص

      تحليل راقي

      كما عهدناه من الاستاذ محمد لغة عربية راقية وتحليل سياسي رائع قلما تجده في اي من الاعمدة الاخري

اقرأ ايضاً