العدد 3479 - الجمعة 16 مارس 2012م الموافق 23 ربيع الثاني 1433هـ

جرح غزة والبحرين وأربع صور

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يقول سارتر: «الصورة فعلٌ وليست شيئاً، الصورة وعيٌ للشيء».

للصورة تأثيرها على الوعي والفعل، فمن دونها لا يستطيع المرء معرفة ما يسمعه كما هو مهما كانت كلمات الكاتب بارعة في الوصف، خصوصاً في عصرنا هذا الذي باتت الصورة فيه مكوناً أساساً قد يؤدي إلى انهيار أنظمة سياسية كاملة.

ما يجعلني أسوق هذه المقدمة هي صورة فوتوغرافية ظهرت على وسائل الإعلام بخجل، وهي لطالبات يتلقين ويكتبن دروسهن على الأسفلت بعدما حاصر العدو الصهيوني مدرستهن بالدبابات. لم يخشين وجود تلك الآلات القمعية ولم ييأسن ويعدن إلى منازلهن، بل أصررن على تلقي تعليمهن وقضاء يومهن الدراسي وكأنهن في المدرسة.

وما جعلني أنزف ألماً وقهراً بعد تلك الصورة هي صور شهداء غزة التي لم تنل حقها من التغطية الإعلامية، وصور الجرحى الفلسطينيين الذين لا يستطيعون تلقي الرعاية الطبية بسبب نقص الأدوية ونقص الرعاية الصحية في القطاع! إذ قتل منذ بداية مارس/ آذار الجاري 23 فلسطينياً وأصيب نحو 73 آخرين في سلسلة غارات جوية إسرائيلية على قطاع غزة، والاعلام العربي منشغل بقضايا أخرى قد تكون قضية الشعب السوري المنتهك على يد نظامه أولها، ولكن بعض تلك القضايا التي تزخر بالاعلام العربي تحديداً لا تعدو أكثر من كونها تهريجاً إعلامياً وتنفيذاً لمؤامرات اعتدنا عليها للانشغال بها عن القضية الفلسطينية التي ستبقى عار العرب الأبدي الذي لن يخبو إلا باستعادة فلسطين كاملة من أيدي عدو الأمة.

وما يجعلني أتحدث عن هذه المؤامرات المحاكة بطريقة ما ضد القضية الفلسطينية، هي أن «اسرائيل» في كل مرة تستغل انشغال العرب والعالم بقضايا ما؛ لكي تشن غارات جديدة على غزة وتزيد من مستوطناتها وتهويدها للقدس، والأمثلة على ذلك كثيرة ويمكن للباحث أن يعثر عليها بسهولة.

الصورة الثالثة التي جعلتني أتحدث عن أهمية الصورة وإيلام وقعها على النفس، هي صورة الأطباء البحرينيين الذين حضروا جلسة الخميس في المحكمة الجنائية، ومقارنتها بصورهم في مطار البحرين بعد أن عادوا مظفّرين بالنبل والنصر من غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2009، وكيف أن المواطنين أصروا على ضرورة تكريمهم وصورة استقبال جلالة الملك لهم واعتبارهم فخراً للمملكة لما قاموا به باعتبارهم «جسّدوا أجمل ما لدينا من قيم»!

أعني هنا الطبيبين علي العكري، ونبيل تمام اللذين بقيا هناك في فترة الحرب على غزة، متحدين الخطر إلى أن أكملا مهمتهما الإنسانية النبيلة، وعالجا من عالجا وأجريا عمليات جراحية كثيرة للجرحى وعادا بعد أن انتهت الحرب، ثم تبعهما وفد طبي من خمسة استشاريين أرسلت معهم معونات مالية وعينية.

لكن المفارقة أن يتم تكريم بعض هؤلاء اليوم بإيقافهم عن العمل وبمحاكمة تجعلهم عاجزين اليوم عن الذهاب مجدّداً إلى هناك بعد أن منع بعضهم من السفر لوجوده ضمن الأطباء المتهمين بالجنايات والممنوعين من السفر، ومع ذلك مازال أكثرهم يكتب في «تويتر» عن رغبته في الذهاب إلى غزة لمعالجة الجرحى وأداء واجبه تجاه المرضى.

الصورة اليوم تمثل أفقاً وواقعاً وتاريخاً ومستقبلاً لمن كان له قلب.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3479 - الجمعة 16 مارس 2012م الموافق 23 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:32 ص

      التغافل

      انما يعيش العالم العربي والمسلم في ( غفلة ) ولا اسميها بغفلة عن ما يجري على المسلمين في غزة وفي غيرها من البلدان انما هو نتيجة افكار ممنهجة من قبل الغرب الى القادة العرب.
      تارة تكون لارضاء الرؤساء الغرب من جهة وهي حفاظا على كرسي الملك من جهة وبالتالي نزف الخيرات من جهة اخرى من الاموال والنفط وكل مقوم للاقتصاد الغربي.
      وتارة اخرى هي اشغال الشعوب العربية واقحامهم في صدامات وانشغالات على المستوى الطائفي والعرقي حتى يغفل الناس عن المسعى الحقيقي والمخطط الذي تنهجه اسرائيل وامريكا من أجل سيادة العرب

    • زائر 3 | 1:07 ص

      يازهره السوسن صباح الندى

      يبنيتي ليتك بينتي للقراء دين ومذهب الناس التى عولجت من قبل الدكتورين الفاضليين في غزه وكيف تعرضت حياتهم هناك لخطر الموت ولم يرجعوا للوطن الا بعد ان اتموا مهمتهم الانسانيه في غزه متحدين أله القتل والدمار الاسرائيليه وهذا دليل ملموس يسقط عن الفاضليين تهمه عدم معالجه الناس من مشارب اخرى وانتقائيه المرضى تحيه من القدس وغزه الصمود للفاضليين..........ديهي حر

    • زائر 2 | 12:59 ص

      تكريم مقلوب

      يعطيش العافية اختي سوسن التكريم في البحرين للمتميزين دائما يكون بالعكس لكن أطباءنا بينتصرون والناصر الله

    • زائر 1 | 12:30 ص

      الله يساعدنا

      ربنا اصلح الحال
      اي دموع بقت للبحرين تنثرها
      والاطباء اخطاو في بعض الاشياء
      فقط في تظاهر بالمستشفى ولكن لا احد يستطيع انكار خيرهم

      ومقال رائع
      وجميعنا اخوان سنة و شيعة

اقرأ ايضاً