العدد 3481 - الأحد 18 مارس 2012م الموافق 25 ربيع الثاني 1433هـ

يوم غادرتنا عائشة فخرو

عبدالله مطيويع comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العاشر من شهر مارس/ آذار 2012، غادرتنا عائشة ابنة المناضل الوطني المرحوم إبراهيم محمد حسن فخرو، آخر أعضاء هيئة الاتحاد الوطني الذي لم يوفَّ حقه في التكريم الذي يليق إلا من بعض الجمعيات السياسية، يوم تحققت أحلام هذا المناضل وصحبه الباكر والشملان والعليوات وبن موسى.

كانت عائشة في مارس 65 المجيد تتصدر مسيرات النساء في المحرق وتهتف مردّدة «يسقط يسقط لستعمار/ بره بره يا استعمار»، و «في سترة يا ناس صارت معجزه/علكو الضابط والجيب اختفه».

وتهتف بالأراجيز والشيلات التي كانت تخرج من وجدان أهل البحرين، كل أهل البحرين، مندّدةً بالسياسة الاستعمارية، وسياسة شركة البترول حينها التي قطعت أرزاق 400 عامل بحريني دفعةً واحدة، وكانوا من كلّ مدن وقرى البحرين... فهبّ الشعب لذلك الحدث.

وكان منزل العم إبراهيم الذي تسكن عائشة فيه، مكاناً للقاء عدد من الفتيات، وخصوصاً اللاتي يأتين من المنامة مثل سلوى المؤيد، منى المؤيد وغيرهما، كما كان بيت محمد جاسم الشكر من الفريج نفسه (ستيشن) ملتقى لشباب تلك الفترة، حيث يتم توزيع الأدوار والمنشورات. ومعهن عائشة الشكر وشريفة السيد، وبنات صالح جمشير، وبنات قائد كشافة الهيئة محمد كمال الشهابي، وبنات أحمد الملا والمرحومة ليلى محمد صالح الشيراوي، هذه المرأة التي رحلت قبل أشهر فجأةً، وكانت تسلّم ليلى رزمة المنشورات لتوزيعها، وكانت عائشة توزع الأراجيز مردّدة «كَلت لك... احسب للشعب. الشعب جبّار بيلبي الطلب. خله لستعمار يضرب في الشعب».

وفي مارس المجيد، كان أحمد الشملان مختبئاً في غرفة أحد الفنانين، وسطح منزلهم ملاصقاً لسطح بيت العم إبراهيم محمد حسن فخرو، فشاهدتنا من سطحهم خلال المشربية الخشبية (الكركري) وعرفت الشملان حيث كان يهتف في المظاهرات، فقامت بنزع عددٍ من ألواح المشربية لكي تتسع لهروبنا إلى بيتهم إذا ما داهمت الشرطة بيت الفنان المذكور. وكانت عائشة حين تمشي في فريج «ستيشن»، وعباءتها مسدلةً بتلقائية الواثق من نفسه، وتقف مع بعض من يصادفها من رجالات الفريج وتتحادث معهم وتناقشهم في الشأن العام.

كانت الفقيدة ذات حس إنساني يحملها على الاهتمام بالناس، فحين مرّ صبيٌّ ذات يوم وهو حافي القدمين، سألته عن أهله فلما عرفت وضع عائلته ساعدته ليخرج في اليوم التالي لابساً حذاءً. هذه المرأة غادرتنا في العاشر من الشهر الجاري، مارس 2012، وفي يوم رحيلها غصّت مقبرة المحرق كما لو أن زعيماً سياسياً قد تُوفّي وجاء كل هؤلاء لتشييعه. يومها بكتها أزقة المحرق وحواريها ونخيلها الباسقات.

في العاشر من مارس ذهبت لممارسة الطقوس السنوية المعتادة في كل مارس، أتجوّل راجلاً في الشوارع والفرجان، والحواري والأزقة التي مشيناها في مارس المجيد، ومشاها شعب البحرين معاً. كل شعب البحرين سار يومها معاً. الصدفة جمعتني بذلك الطفل الذي كان بلا حذاء، وقد صار رجلاً كبيراً، فاستوقفني قائلاً: «عظم الله أجرك في أمّنا عائشة التي ألبستني يوماً حذاءً يوم كنت بلا حذاء». وكان بصحبته طفلٌ يحملق ليفهم ما نقوله، وإذا به يفاجئنا بسؤال طفولي: «بابا هل صحيح أن ماما عائشة ذهبت إلى الخالة ليلى الشيراوي إلى بيت الله الذي في السماء».

هناك حيث تجتمع عائشة فخرو مع ليلى الشيراوي، اللتان كانتا يوماً توزّعان المنشورات السياسية في حارات وأزقة المحرق.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله مطيويع"

العدد 3481 - الأحد 18 مارس 2012م الموافق 25 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:46 م

      لنجدد الماضي

      ذكريات حزينة ولا كنها جميله ..جميلة لأنها تعكس وجه وسمات وخلق شعبنا الوفي الصادق النقي من كل شوائب التخلف والتحجر التي تسود بكل اسف ومرارة هذه الأيام ..حزينة لأننا سوف نفتقدها خاصة هذه الأيام ونحتاجها لنجدد الماضي الجميل الذي افتقدناه ..تعازينا ومواساتنا الصادقة لأهل الفقيدة ولكل الطيبين من أبناء شعبنا...

    • زائر 3 | 8:27 ص

      thank you

      Thank you for posting this and reminding people about her

    • زائر 2 | 8:01 ص

      تذكير لعلهم يتذكرون

      شكرا على نشر هذا المقال الذي يذكر الناس واهل المحرق بالخصوص بمواقف آبائهم البطولية ايام وضعوا ايديهم بأيدي اخوانهم في الوطن من اجل مناهضة الاستعمار. ليتذكر الجيل الحالي المغلوب على امره. شكرا للاستاذ عبدالله مطيويع.

اقرأ ايضاً