العدد 3482 - الإثنين 19 مارس 2012م الموافق 26 ربيع الثاني 1433هـ

20 مارس العيد الوطني بتونس: تحوُّلات وتحدِّيات

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

منذ أيّام تجري الاستعدادات على قدم وساق في تونس للاحتفال بالعيد الوطني أو كما يسمّى في تونس ذكرى عيد الاستقلال؛ فتاريخ 20 مارس/ آذار 1956 كان ولايزال محفورا في الذاكرة الوطنية التونسية. وقد امتزجت ذكرى هذا التاريخ في العام الماضي بنجاح الثورة التونسية فكان العيد عيدين وكانت الاحتفالات تلقائية فنية جماهيرية شعبية لا إكراه فيها على نزول الشوارع والوقوف ساعات وساعات في انتظار موكب رئيس يمرّ أو وزير أو غيره...

ويمتزج الاحتفال هذا العام بذكرى العيد الوطني بظواهر كثيرة سنأتي على بعضها لاحقا، حيث لا تخفى على أحد المحطات المهمة والمضيئة التي مرّت بها تونس بعد 20 مارس من العام الماضي وأهمّها انتخابات المجلس التأسيسي وتركيز السلطات الثلاث بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة التي وجدت نفسها – وهي تعلم ذلك مسبقا – أمام جملة من التحوّلات الجذرية في المجتمع التونسي استدعت قدرا لا بأس به من التحديات المنتظرة فضلا عن التحديات الطارئة أو العارضة كالتي رافقت فصل الشتاء لهذا العام من أمطار وفيضانات ووديان وأنهار وثلوج وموجة برد قارسة لم تشهد البلاد مثيلا لها.

هكذا إذاً وبعد ثورة سلمية ضربت المثل عالميا خرجت منها البلاد بأخف الأضرار وكثير من الإنجازات، عرف المجتمع تحوّلات تجلّت أساسا في أجواء الحرية الفكرية التي انعكست على السلوك الفردي والجماعي وهو ما انعكس إيجابا وبوضوح في وسائل الإعلام وفي نقاشات الناس في المقاهي والنوادي وبين عموم الناس قبل النخب المثقفة: لقد تنفس الجميع الصعداء. وتدريجيا بدأت تبرز بجلاء ظواهر اجتماعية لافتة وضعت الحكومة الجديدة أمام اختبارات ليست باليسيرة وهي التي لم يشتدّ عودها بعد. هذه الظواهر مثلت تحديا لا للحكومة فقط بل للبلاد كلها!

ومن أمثلة ذلك بروز التيار السلفي عموما والجهادي خصوصا حيث مثّلت هذه الفئة من الإسلاميين ظاهرة اجتماعية لا بحجمها وثقلها العددي وإنما أيضا بسرعة انتشار أفكارها وازدياد أنصارها فضلا عن المواجهة الصارمة التي تعاملت بها القوى الحداثية والعلمانية مع هذا التيار سواء إعلاميا أو من حيث الممارسات الحياتية. كما لفت التيار السلفي لنفسه الانتباه بما أبداه من مواقف وتصرّفات غير مدروسة قدّرها قادة التيار على أنها أخطاء فردية في حين استغلها خصومهم وشهّروا بها على أنها مواقف ثابتة لهذا التيار.

كما أنّ نشاط السلفيين بين أفراد المجتمع واحتكاكهم بالناس في المقاهي ومختلف التجمعات ودعوتهم اليومية الواسعة والمنتشرة والمباشرة للعودة إلى القيم الإسلامية السمحاء في إطار تفعيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... كل ذلك جعل الاهتمام بهم يشتدّ والأهم من ذلك كله انفتاح وسائل الإعلام عليهم واستدعاء بعض رموز الحركة السلفية في مناظرات تلفزيونية مع من يعارضونهم فكريا وسياسيا كلّ ذلك ربما جعل منهم الظاهرة المميزة والأبرز اجتماعيا عشيّة الاحتفال بعيد الاستقلال في ذكراه الثانية بعد الثورة.

ولئن استغرب البعض بروزهم بهذا الحجم وهذه السرعة فإن البعض الآخر اعتبر ذلك إفرازا طبيعيا لسنوات من الإقصاء والتهميش حيث يحمّل بعض المحللين نشأة السلفيين وانتشارهم في تونس إلى سياسة الرئيس المخلوع حين أعلنها مناديا إلى تجفيف منابع التديّن في تونس كما انحسرت الكتابات التونسية المحسوبة على الإسلاميين المعتدلين أو الإسلاميين التقدميّين أو حتّى الأكاديميين الذين طالما أغنوا المكتبة التونسية والعربية بعناوين متميّزة في قراءة الفكر الإسلاميّ اغتذى منها جيل الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ثمّ كان الانتشار المهول للقنوات التلفزية الدينية المشرقية التي صار لها تأثير كبير حيث انفتح عليها الشباب التونسي المتدين في ظل تغييب الإسلام أو تهميشه في المشهد الإعلامي المحليّ.

يبقى السؤال المطروح في تونس: هل أن السياسة التي تتعامل بها الحكومة الحالية المحسوبة على الإسلاميين في أهم وزاراتها (الداخلية، التعليم العالي، الشئون الدينية...) ذات وجاهة ونجاعة؟

يجيب الكثير أن تونس شعبا وحكومة ورئيسا تتعلّم الديمقراطية التطبيقية بعد سنوات من التنظير المزيّف لها، ولا تخلو البداية ككل البدايات من حالات سمّها ما شئت: تخبّطا، تباطؤا، تريّثا، تساهلا... المفيد أنها قطعت – حكومة - مع الظلم الذي كان متمكنا و- شعبا - مع الخوف الذي سكن طيلة نصف قرن من الزمن.

إن الحراك الديني في تونس لم يتوقف على الظاهرة السلفية، وإنما برز نهاية الأسبوع الماضي في شكل مسيرات منظمة من قبل أئمة المساجد وخطباء الجمعة الذين نادوا باعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع في الدستور الذي شرعت اللجان المختصة في المجلس التأسيسي في الإعداد له من ذلك أنها استدعت شخصيات علمية وقانونية وسياسية ذات علاقة بموضوع الدستور لتستمع إليهم فكأن أئمة المساجد والآلاف المؤلفة الذين وراءهم يدعون المجلس التأسيسي للاستماع إليهم أيضا. ويعتبر هذا المطلب الشعبي من التحديات الكبرى أمام المجلس التأسيسي عموما وكتلة حزب حركة النهضة الإسلامية خصوصا.

إن التحديّات لا تأتي فرادى وإنما اكتفينا بالإشارة إلى اثنين منها لأنهما رشحا على سطح الأحداث عشية الاستعداد لذكرى العيد الوطني ولكن اللافت في هذا وذاك أن التونسيين قرروا الاحتفال بالعيد الوطني هذا العام تحت شعار وحدة وطنية تحت راية العلم الوطني مغنين مرّة أخرى: «ما أحلى الثورة التونسية تضمّ الجميع...». والثابت أن هذه المناسبة ستكون عامل ائتلاف داخل النسيج الاجتماعي التونسي وفرصة لرأب الصدع الذي أصاب إلى حدّ ما البنية الاجتماعية.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3482 - الإثنين 19 مارس 2012م الموافق 26 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 4:46 م

      كل عام وتونس بخير

      مبروك عيدكم الوطني
      ونرجو لتجربتكم النجاح والاستمرار على درب التقدم والديمقراطية

    • زائر 6 | 5:59 ص

      تنفس الجميع الصعداء.

      نرجو لرياح الحرية أن تمتد فتشمل عديدا من الدول العربية

    • زائر 3 | 12:26 ص

      صعبة يا خضراء

      فعلا الله يكون في عون الجميع وفي عون المجلس التاسيسي خصوصا إنه أمام اختبار عسير فكيف تراه سوف يخرج منه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 2 | 12:17 ص

      حيّو تونس

      كل سنة وأنت رائدة للثورات العربية

    • زائر 1 | 11:53 م

      تونس في القلب

      تبقى تونس في القلب وفي العقل لأن تجربتها فريدة ومهما اهتزت فيها العواصف فتبقى صامدة تعطي المثل تلو المثل على نجاح ثورتها

اقرأ ايضاً