العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ

في ضوء تصريح لنصر الله إنها صليبية جديدة

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

«لو علمنا بحجم الرد الإسرائيلي لما خطفنا الجنديين» من حديث الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله إلى محطة نيو تي في اللبنانية بتاريخ 27 أغسطس/ آب 2006. إذ إنه لا تنقصه الشجاعة أو المسئولية. كلام أثار ويثير عواصف من الجدل داخل لبنان وخارجها.

البعض اعتبر ان نصر الله غير روايته عن الحرب بعد ان سبق له ان اكد ان «إسرائيل» كانت تخطط لشن الحرب ضد الحزب وضد لبنان في سبتمبر/ أيلول أو اكتوبر/ تشرين الأول. وانه حتى لو لم يأسر حزب الله الجنديين فإن «إسرائيل» ستشن هذه الحرب على اية حال، واكد معلومات نصر الله هذه ما كشفه الصحافي الأميركي المتميز سميون هيرش في صحيفة «نيويوركر». وما أكدتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس من «ان هذه الحرب هي مخاض الشرق الأوسط الجديد»، وما أكده الرئيس الأميركي بوش «من انها حرب بين الديمقراطية والإرهاب»، فهل فوجئ نصر الله بحجم الوحشية الإسرائيلية وتجاوز الإسرائيليين جميع الخطوط الحمراء، وارتكابهم المحرمات وخرقهم لجميع الاتفاقات الدولية التي تحكم سلوك المتحاربين والحرب؟ حتى بعض الإسرائيلين ومنهم مراسل «يدعوت احرنوت» الذي تسلل إلى لبنان وتفقد آثار الدمار في الضاحية فوجئوا بحجم التدمير وأبعاد هذه الوحشية.

لم يحدث في تاريخ الحروب، بما في ذلك الحرب ضد النازية في أوروبا واليابان في آسيا ان استهدف المدنيون والبنية التحتية بهذه الوحشية. ولا يذكر لنا التاريخ مثلاً للقصف الذي تعرضت له الرويس إثر وصول معلومات للإسرائيلين عن وجود نصرالله في المنطقة، إذ ضربت 31 طناً من المتفجرات خلال دقيقين. ولم يذكر لنا التاريخ استهداف الأطفال في قانا أو المدنيين النازحين في جميع طرقات لبنان.

نعم على امتداد 33 يوماً استباحت «إسرائيل» لبنان، وعلى حد قول رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال دان حالوس «سنعيد لبنان 50 سنة إلى الوراء» وكاد دان حالوس ان يحقق وعيده، لولا ارتفاع الخسائر البشرية والعسكرية في صفوف جيشه، وخصوصاً مجزرة الدبابات في وادي الحجير وعجزه عن احتلال الجنوب حتى الليطاني، جعله وجعل قادة «إسرائيل» يلحون في طلب وقف اطلاق النار بعد ان حالت الولايات المتحدة وحلفاؤها وبعد تباطؤ من الغرب وعجز عربي كامل عن اصدار قرار من مجلس الأمن لايقاف المجزرة الإسرائيلية ضد لبنان.

ماذا يعني ذلك؟ يعني ان الغرب دخل في مرحلة صليبية جديدة ضد العرب والمسلمين وعنوانهم اليوم لبنان. نعم لبنان على رغم انه مصنف عند الاوروبيين على الأقل كبلد مسيحي وفرانكفوني. ومعنى ذلك ان طلائع الحرب الصليبية الجديدة التي تقودها «إسرائيل»، تحطم في طريقها إرادة الأنظمة العربية، كما حطم القائد الصليبي ريتشارد (قلب الأسد) إمارات المماليك في مصر والشام.

كيف نستطيع ان نفهم نتائج الاستفتاء الذي اجرته الجارديان البريطانية والذي اعتبر فيها 61 في المئة من البريطانيين الإسلام خطر اول على الديمقراطية البريطانية؟ وكيف نفهم تصريح وزير الداخلية الفرنسية ساركوزي بأن المطلوب إسلام أوروبي وليس إسلاماً في أوروبا؟

كيف يمكننا ان نفسر استنفار الغرب كله لأسر جندي إسرائيلي في قطاع غزة من قبل المقاومة الفلسطينية لمبادلته بمئات الأسرى من النساء والأطفال الفلسطينيين في سجون العدو الإسرائيلي ولا يرف جفن هذا الغرب للمذابح الإسرائيلية اليومية ضد الفلسطينين ولا اعتقال نصف أعضاء الحكومة الفلسطينية وثلث أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني بمن فيهم رئيس المجلس عبدالعزيز الدويك، المنتخبين من قبل الشعب الفلسطيني في انتخابات حرة اشرف عليها الغرب ذاته وشهد بنزاهتها؟

كيف نفهم استنفار الغرب لأسر جنديين إسرائيليين لمبادلتهم بأسرى لبنانيين لدى «إسرائيل» منذ 3 عقود، على رغم انتهاء حال الحرب رسمياً بين البلدين، لا يتحرك الغرب طوال أكثر من شهر لوقف أقذر حرب عرفها التاريخ الحديث! ويستمر الحديث عن ضرورة اطلاق الجنديين الاسيرين، حتى انه جرى اعتباره بنداً من بنود القرار 1701 لوقف العمليات العسكرية وليس وقف اطلاق النار.

روح صليبية وعجز عربي

نعم، لقد كان الغرب وراء قيام «إسرائيل» الغاصبة على حساب الوطن الفلسطيني والشعب الفلسطيني، وساند الغرب «إسرائيل» في جميع حروبها العدوانية ضد العرب، حتى لو أدى ذلك إلى احتلالها إلى المزيد من الأراضي العربية، لكن الغرب بقيادة الولايات المتحدة ولأول مرة ساند «إسرائيل» باستمرار في حرب ليست ضد جيش ولكن ضد شعب، وزودته أميركا بقنابل ليست لاختراق تحصينات عسكرية ولكن لهدم البيوت على رؤوس ساكنيها. الكثير من الإسرائيليين اكدوا ان أميركا ضغظت على «إسرائيل» لاستمرار الحرب بعد ان لاحت نذر الهزيمة، باعتبار تدمير حزب الله خطوة ضرورية لهزيمة إيران وسورية وبناء الشرق الأوسط الجديد على انقاض العرب والمسلمين.

نعم لقد تغيرت البيئة الدولية في ظل قيادة الدولة العظمى الوحيدة في العالم، إذ إن الولايات المتحدة في ظل الرئيس بوش لا تدير بالاً لأي اخلاقيات أو اعتبارات أو قانون دولي، فالمهم تحقيق حلم المحافظين الجدد باعادة تشكيل العالم. وحيث انساق الغرب بل وباقي الدول الكبرى كالصين وروسيا واليابان، وراء الولايات المتحدة بالترغيب أو بالترهيب وفي أحسن الأحوال الصمت المخزي.

فقد فؤجئ نصرالله وفوجئنا في هذا التؤاطؤ الدولي مع «إسرائيل» وإلا كيف نفسر انتظار الغرب اجهاز «إسرائيل» على لبنان؟ وكيف نفسر تحول الجلاد الإسرائيلي إلى ضحية وتحول الضحية اللبنانية إلى معتد؟ كيف نفسر قلب الحقائق وكأن لبنان هو المعتدي الذي يوجب نشر قوات دولية في جنوبه لمنع اعتدائه على «إسرائيل» في حين انه ضحية الاعتداءات والاحتلالات الإسرائيلية منذ قيام الكيان الصهيوني العام 1948؟ لماذا لا توضع قوات دولية على الجانب الإسرائيلي المعتدي دائماً؟ وهل منعت قوات الامم المتحدة اعتداءات «إسرائيل»؟ الأغرب أن حزب الله الذي دافع عن لبنان في وجه العدوان الإسرائيلي يطالب بنزع سلاحه حتى يكون لبنان مكشوفا مرة اخرى أمام الاعتداءات الإسرائيلية.

ومرة اخرى يلح كوفي عنان على ضرورة اطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين في حين لاتزال «إسرائيل» تحتل جزءاً من الجنوب اللبناني وتفرض حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على لبنان، وتقوم بعمليات إنزال في عمق الاراضي اللبنانية. ماذا جرى لهذا الغرب المبشر بالديمقراطية والعدالة واحترام القانون الدولي؟ الم يصرح رئيس الوفد الأميركي لدى الامم المتحدة ريتشاد بولتن بانه «لا يمكن اخلاقياً مساواة الضحايا الإسرائيليين بالضحايا اللبنانيين، وإلا كيف يمكن تبرير شن حرب على الشعب الفلسطيني بسبب أسير وشن حرب مدمرة على لبنان بسبب أسيرين.

قد لا يكون نصر ولا نحن ولا الكثير من فقهاء السياسة قد أدرك عمق التحولات في الغرب وفي المسرح الدولي إذ هناك قوتان عظميان فقط يحق لهما استباحة القانون الدولي من دون رادع الولايات المتحدة و«إسرائيل».

والعرب ما خطبهم؟

العرب في اسوأ اوضاعهم والا لما اجتمعوا في بيروت بعد أسابيع من الحرب العدوانية ولكن بموافقة إسرائيلية وضمانة أميركية ليقرروا الهرولة إلى نيويورك ومباركة المشروع الأميركي الفرنسي المسموم.

نصر الله كبير القادة في مقاومته الأسطورية للوحش الصهيوني وكبير القادة في اعترافه بخطأ في تقدير الرد الإسرائيلي والبيئة الدولية الدنيئة، ولكن من منا أدرك ذلك.

لا يقلل اقرار نصر الله بخطأ في تقدير الحسابات عن النصر الذي تحقق على أرض لبنان ولنفحص ماذا يجرى في «إسرائيل»، وللنصر ثمن باهض، وخصوصاً تجاه عدو كالعدو الإسرائيلي الأميركي

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً