العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ

التشريع بين قوة القانون وقانون القوة

هادي الموسوي hadi.ebrahim [at] alwasatnews.com

رياضة

النظام السياسي الذي يرتكز في شرعيته على مبدأ الفصل بين السلطات كتجل من تجليات التحلي بالديمقراطية في إدارة الحكم الصالح، يتعين عليه توفير الضمانات والتأكيدات المشفوعة بممارسة لها صدقيتها على ارض الواقع، بين كل من السلطات الثلاث، التشريعية، التنفيذية والقضائية.

ان السلطات التي تتمتع في النظام السياسي الدستوري، من الناحية النظرية الصرفة «بقوة» يمنحها إياها «القانون» فهي تقوم أساسا على قاعدة «قوة القانون» الممنوح لها بحكم التصنيف الدستوري المتكافئ للسلطات والذي يغنيها عن التعويل على امتطاء «قانون القوة» المستهجن استعماله في أي مساحة سياسية، تتكافأ فيها السلطات وتتقاطع جميعها على خط المصالح الوطنية.

كما ان السلطة التنفيذية في البلاد وعلى رغم شرعيتها المستمدة من الدستور، يلجأ الفاعلون فيها إلى استعمال «قانون القوة»، المنافي للمبدأ الدستوري والعرف المتحضر، والدال على حال الوهن الذي يسكن الهاجس الحكومي منذ التصويت على ميثاق العمل الوطني! تلجأ هذه السلطة كلما اظهر مؤشر حساب قياس القرار المطروح على طاولة المناقشة في مطابخ القرار السياسي، اتجاها منافيا مع التطلعات التي تسعى إلى تحقيقها، فإنها لا تتردد في القيام بالتلويح بقانون القوة، والذي تبحث جاهدة عن الوسائل بل وتبتكر الأساليب للمحافظة على الوضع القائم، وتقاوم بشراسة التحول الطبيعي لمسارات التعاطي السياسي النزيه الناتج عن العمل الديمقراطي.

فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية وفي ظل تغييب المجلس التشريعي استأثرت السلطة التنفيذية بإصدار القوانين واللوائح وتعديلهما، وتعطيل العمل بمواد دستورية نافذة بحكم نفاذ الدستور (دستور 1973) آنذاك، وكانت بقدر ما عطلت مواد دستورية بعينها وظفت مواد دستورية أخرى لاستصدار قوانين ساهمت في تحريك عجلة تطور الوطن إلى الوراء، منطلقة في برنامجها ذلك على قاعدة قانون «أمن الدولة» الذي كمم الأفواه وقيد الحريات وحصر التشريع في جهة غير ذات اختصاص، وراهنت على خلط الأوراق خلطاً قسرياً ظالماً.

واليوم وفي ظل مواد دستورية صيغت بـ «احتراف وذكاء» روعيت فيها عوامل اسهمت في تغليب كفة السلطة التنفيذية مقابل السلطة التشريعية، من خلال مواد دستور 2002 وبعد أن عاد المجلس النيابي بنسخة مغايرة عما كانت عليه، أي بإضافة مجلس معين. نظام المجلسين المغاير لنظام المجلسين البريطاني، إذ تعلو يد وصوت المجلس المنتخب على المعين. في حين أن «المجلس المعين حكومياً» في بلادنا تعلو يده وصوته على «المجلس المنتخب شعبياً» فان الحكومة مازالت تمارس دوراً يتناقض وأدنى مستوى للممارسة الديمقراطية التي توافق عليها أو على جزء منها شعب البحرين والسلطة السياسية. وكان لسان حال الحكومة يقول: «لا طاقة لي على التنازل عن القيام بدور التشريع الذي طالما مارسته من دون حسيب ولا رقيب إلى أية جهة غيري»!

هنا نتساءل:

- هل تدرك الحكومة أنها تساهم في خلق فجوة شيئا فشيئا بينها وبين الجماهير كلما أمعنت في سحب البساط من تحت الإرادة الشعبية القائمة على أساس «قوة القانون»؟

- ما هي الأجندة التي تخفيها الحكومة والتي تدفعها لممارسة فعل سياسي قهري، تستبدل فيه «قوة القانون» بـــ «قانون القوة»؟

- ما الذي يدفع الحكومة إلى إبراز المجلس الوطني على انه مغلوب على أمره، وفاقد للقدرة على التحكم في أداء دوره من خلال اختصاصاته المشروعة والمقننة؟

- هل تريد الحكومة، أيصال «مسج» تقول: «يا جماعة.... قلنا لكم إن وجود المجلس التشريعي وعدمه واحــــــد»؟

- أم أن الحكومة تحاول ترتيب أبجديات المشروعات والقوانين وأولويات المصلحة الوطنية خارج إرادة المجلس التشريعي وإبرازها وكأنها مخرج من مخرجات العملية الديمقراطية؟

ان نجاح العملية الديمقراطية مسئولية وطنية وواجب أخلاقي وحق إنساني بحسب المواثيق والأعراف الدولية، يقع كل منها على عاتق السلطة السياسية والحكومة وكل فرد من أفراد الشعب، وان العبث في مقدراتها والنيل منها يعد تخلياً عن تحمل المسئولية وتخلفاً عن أداء الواجب الوطنيين.

إذا كانت ديمقراطية المملكة المتحدة تطورت على مدى ثمانية قرون، منذ العهد الكبير «الماجناكارتا» 1215 الوثيقة المشتملة على مواد تقلل من سلطة الملك جان وتخول البرلمان بصلاحيات منقوصة، وبعد تراكم السنين وبعد نضالات الشعب البريطاني الذي اجبر الملك وليام الثالث في 1689 على القبول بحق البرلمان بممارسة التشريع الحقيقي؛ وبعد مرور أكثر من قرنين على حال السياسة التي يسيطر عليها الرجل، فقد استطاعت المرأة أن تنال حق التصويب في 1920 وبعد ذلك نيلها لحق الترشح والى يومنا هذا الذي تعد فيه ديمقراطية «وستمنستر» بحق من اعرق الديمقراطيات.

وإذا كانت الثورة الفرنسية 1789 التي مرت بدساتير خمسة حتى اعتمدت دستورها الأخير في 1958 وأجرت عليه تعديلات يصب كل تعديل فيه، في الصالح الوطني إقرارا من الفرنسيين بضرورة ذلك بحكم التقادم الزمني والتطور الطبيعي والصناعي والإنساني والقانوني والحقوقي.

وإذا كانت حركة الشعوب والأمم في بناء قومياتها وأوطانها تتمثل أمامنا كخريطة واضحة المعالم، وإذا كانت تجارب الحضارات ومساهمات الفكر السياسي والقانوني والحقوقي والإنساني منذ عهد أساطين اليونان، مروراً بالفكر الروماني ورواده، وصولا إلى العصور الوسطى وانتهاء بالعصر الحديث ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين.

وإذا كانت التجارب الإقليمية الأخيرة ممثلة في وقائع دولة الكويت الشقيق والتي تمثل اقرب النماذج إلينا بحكم وحدة الثقافة واللغة والدين والعنصر، كان مآل الخيارات فيها، هو احترام رغبة الشعب في رسم خريطته السياسية بحكم صناديق الاقتراع.

إذا كانت كل تلك التجارب والتي هي بمثابة موسوعة تاريخية مليئة بتراكم التجربة الإنسانية في الاتجاه الصحيح، لن تفيد السلطة في إعطاء الحق الشعبي كامل حقه في إدارة شئون بلاده.

لماذا تجبرنا الحكومة على الانتظار لمدة قد تصل إلى قرون أو عقود من الزمن، لان نحقق ما يأخذ بنظامنا السياسي إلى ما وصل إليه الآخرون؟

لماذا تحوجنا إلى الأدوات والآليات ذاتها التي مارستها الشعوب الأخرى لبناء نظام سياسي رائد، ونحن لسنا بحاجة إلى شيء من ذلك كله، بحكم إيقاعات تجاربهم كنماذج تاريخية رائدة، نستطيع أن نستنسخها بأقل الكلف؟

فلماذا... والى متى... كل هذا التركيز في المراهنة على «قانون القوة» طويل الأمد وغالي الكلفة في بلادنا الصغيرة وتجاهل الطريق الأقصر والأنجع وهو التأسيس - بشرف وفخر - لـــ «قوة القانون»

إقرأ أيضا لـ "هادي الموسوي"

العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً